أتحدى أن ينجح الحوار الفلسطيني- الفلسطيني
عياد البطنيجي
هل ماتت ضمائر هؤلاء المتحاورين؟!!
هل ماتت الأخلاق الفلسطينية؟!!
هل تحطم العقل السياسي الفلسطيني؟ !!
هل تحكمت الشهوات والغرائز بهذا العقل ؟!!
هل تحولتم إلى قطاع طرق ومحترفي الخطف والقتل؟ !!
فسحقا لهكذا قيادة التي قادتنا إلى الهزيمة!!
تعتبر مسألة الحوار الفلسطيني- الفلسطيني المسألة المحورية المسيطرة على الفكر السياسي الفلسطيني في هذه الأثناء، أي بعد انقسام النظام الفلسطيني عقب سيطرة حركة حماس على السلطة في غزة قبل ما يقرب من عامين، وما ترتب عليه من أحداث مست القضية الفلسطينية وأصابتها في مقتل. بدأ الحوار الفلسطيني- الفلسطيني، وإن شئنا الدقة الحوار بين فتح وحماس، للملمة الصف الفلسطيني، ولكن حتى الآن، أي بعد خمسة جولات حوارية في القاهرة، لم تتوج تلك الجهود الحوارية بأي انجاز يذكر، وتبقى الحقائق على الأرض كما هي من تعزيز الانقسام الفلسطيني الذي بدأ جغرافيا وسياسيا، وأمسى نفسيا واجتماعيا.
منذ بداية الحوار والشعب الفلسطيني ينتظر ويأمل نجاحه، ولملمة الصف الوطني الفلسطيني المتشرذم، ومعالجة أزمة الانقسام بغية إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس جديدة، ولكن لم تأت الرياح بما تشتهي السفن، فلا تزال الأطراف تتحاور، وكأن الحوار أصبح غاية في ذاته.
ويبدو أن الأطراف المتحاورة تريد الاستمرار في الحوار بغية استهلاك الوقت، في انتظار تطورات ومراهنات تخدم هذا الطرف أو ذاك. وما زال الشعب الفلسطيني ينتظر نجاح الحوار، ليس ذلك فحسب، بل كل المثقفون الفلسطينيون ما فتئوا يطالبون الأطراف بعدم المماطلة بالحوار ويكفي ما عناه الجمهور الفلسطيني، وبخاصة بعد العدوان الإسرائيلي على غزة، وما ترتب عليه من تفكيك البنية التحتية لغزة، فضلا عن حالة الدمار التي أصيب بها المواطن الفلسطيني، ومستوى التدهور الذي وصلت إليه القضية الفلسطيني، ويصبح منطقيا والحالة هذه أن تتوحد الجهود وتتكاتف الأطراف المتصارعة بغية مواجهة هذا التحدي الجاثم على الفلسطينيين.
في غضون ذلك، علق الكثيرون وراهنوا على أن هذا الوضع سيدفع الأطراف إلى إنجاح الحوار، لأنه لا يمكن والحالة هذه احتمال الوضع الفلسطيني الراهن، وبالتالي أن عقلانية الموقف السياسي الفلسطيني هو الاتفاق والوحدة. لقد عبر المثقفون والكتاب وكل أصحاب الأقلام النظيفة، عن حاجة الشعب هذه، ولكن لا أحد يستجيب من المتحاورين كأنهم لا يسمعون ولا يرون؛ كأنهم أصنام فقدوا الإحساس بمرارة الواقع وانين الشعب الذي يشكوا الظلم والسلطة الجائرة. المواطن الفلسطيني يئن، والقيادات الجائرة المتحاورة لا تستجيب، القضية الفلسطينية أصبحت على المحك، وتاهت في غياهب الصراع النخبوي الداخلي، والنخب المتحاورة لا تعبر عن احتياجات المواطن والتحديات الجسام التي تواجه القضية الفلسطينية، ولم يعد للمفاهيم الوطنية أي اعتبار لديها، إذ غدت مجرد شعارات تخدير في الخطاب الإعلامي. إذن لماذا يستمر المتحاورون في التحاور ومن أجل من يتحاورون؟
كتبنا قبل ذلك، وقلنا إن القيادات الفلسطينية هي المشكلة ولن تكون جزءا من الحل. لذلك، لابد وبخاصة بعد استعصاء السياسة الفلسطينية واستعصاء الحوار والاتفاق بين المتحاورين في القاهرة، لابد للمثقفين والكتاب مصارحة الشعب الذي ينتظر نجاح الحوار على أحر من الجمر وقياداته لا تبالي به، لابد من كشف الحقائق وتعرية هؤلاء الذين يتحاورون باسم الشعب الفلسطيني، لابد من تعريتهم وكشف وجوههم الكالحة وإسقاط الأقنعة عنها أمام الشعب الفلسطيني حتى لا يبقى معلقا في الأوهام منتظرا نجاح الحوار.
إن الوضع الراهن وبخاصة في ظل القوى السياسية المتناقضة التي يضج بها الواقع الفلسطيني اليوم، وفي أتوت التجاذبات الداخلية، حيث يتوحد الفلسطينيون على الصعيد الشعبي بغية تحقيق طموحه بالاستقرار السياسي والتحرر من الاحتلال، يتفتت على صعيد القوى السياسية المتهالكة على السلطة. وهكذا، أمسى الشعب الفلسطيني اليوم أمام حالة انفصام بين القوى السياسية المتصارعة، وبين عالم الرغبة والأمل في حياة حرة كريمة تضمن له السعادة والطمأنينة والتحرر والتخلص من أطماع النخب السياسية.
وبعد ضعف الذات الفلسطينية، فقد بدأ الأفول الفعلي لهذا الأمل في الطمأنينة والاستقرار والتحرر، وبدأ الشعب فاقد الثقة بهذه النخب، لأن نخبته السياسية فقدت بريقها وازداد انطفاؤها، وأمست هي المشكلة وبالتالي عاجزة عن قيادة دفة المشروع الوطني، وهي لا تأبه بالرأي العام الفلسطيني ولا بمرارة الواقع الذي يقبع عليه الشعب الفلسطيني.
وهنا، أقول بالفم المليان وبصراحة متناهية ولا يخالجني أي شكٍ ودون زيفٍ أو خوفٍ أو وجلٍ: لن ينجح الحوار الفلسطيني، ولن يحدث اتفاقٌ بين المتحاورين، أقول إنني أتحدى أن ينجح الحوار الفلسطيني – الفلسطيني، أتعلمون لماذا:
لأن ضمائر وأخلاق القيادات الفلسطينية ماتت .
لأن العقل السياسي الفلسطيني متحطم ومتشرذم، وإعمال العقل في الواقع مغيب، ولأن الشهوات والغرائز تحكمت بهذا العقل.
لأن القيادات الفلسطينية تحولت إلى قطاع طرق ومحترفي الخطف والقتل، وهي لا تعي ذاتها ولا أمراضها ولا ثغراتها.
لأن الفردية والثأرية والقبلية والشطط واللاواقعية ما فتئوا يهيمنون على العقلية النخبوية الفلسطينية.
أقول، وليسمح لي الشعب الفلسطيني أن أتحدث نيابةً عنه: سحقا لهكذا قيادة التي قادتنا إلى الهزيمة.