أهمية الإعلام في معركة تحرير العراق
أهمية الإعلام في معركة تحرير العراق
|
د.فواز القاسم |
لقد دأبت الإدارة الأمريكية المتصهينة بقيادة بوش الصغير ، منذ بداية غزوها للعراق وحتى هذه اللحظة على كسب المعركة الإعلامية ، وذلك لما لها من أهمية قصوى في كسب أية معركة عسكرية في هذا العصر ، الذي تطور فيه الإعلام بشكل مذهل ، وصار يلعب أدواراً مهمة في تثقيف الشعوب ، وصياغة أفكار الأجيال ، وذلك بقدرته على مواكبة الأحداث ، وكشف الحقائق ، وإيصال المعلومة إلى كل بيت في العالم ...
ولذلك فقد بذلت إدارة بوش في سبيل ذلك جهوداً هائلة ، وكانت كل جهودها مبنية على الكذب المفضوح ، الذي تديره شبكة رهيبة من الدجالين والكذابين ... ولعل من أهم ما قامت به :
أولاً : تسويغ المعركة للشعب الأمريكي ، وللرأي العام الأوربي والدولي ، على أنها معركة عادلة ، ذات أهداف إنسانية سامية ، فهي تهدف إلى تخليص البشرية من نظام دكتاتوري ، ظالم لشعبه ، معتدٍ على جيرانه ، وبامتلاكه أسلحة الدمار الشامل ، فهو يهدد العالم الحر والأنظمة الديمقراطية في العالم .
ولقد استغلت امبراطورية الكذب الأمريكية ، أحداث الحادي عشر من أيلول المشهورة ، فضربت على عواطف الشعب وهو في حالة تشنج ، وصورت له المعركة بأنها ضرورية لحماية أمنه ورفاهه ومكتسباته ..
ولقد لعب اليهود – كعادتهم في نسج خيوط التآمر – دوراً قذراً في تهيئة الأمريكيين لتقبل المعركة ، رغم ظلمها الفاضح ، ومخالفتها لكل قوانين الأرض وشرائع السماء ، وذلك بما لهم في المجتمع الأمريكي من سطوة مالية وإعلامية .
ثانياً : تضخيم إنجازات المعركة : فلقد صور فيلق الكذب الأمريكي المعركة للأمريكيين والعالم بأنها أشبه بنزهة صيد في إحدى جزر الأطلسي ، ولذلك فقد أكدوا كثيراً على فكرة الحرب ( الخاطفة ) والحرب ( الصاعقة ) ونظرية ( الصدمة والترويع ) ، ورسموا للعالم أجمع صورة العراقيين وهم يستقبلون قواتهم بالورود والرياحين، واستماتوا في التأكيد على صورة تمثال صدام حسين ، تجره إحدى دباباتهم ، وتحيط به مجموعة من الصبية العراقيين ...
كما رسموا في المقابل صورة العراق الجديد ، المليء بالنفط ، والذي تزدحم على أبوابه مئات الشركات الأمريكية والأوربية ، ولذلك فقد أسرفوا في تخريبه ، وأمعنوا في تدميره ، لكي يتيحوا لتلك الشركات امتصاص أكبر قدر ممكن من ثروته وخيراته .
ثالثاً : تقليل خسائر العدوان : لقد استماتت ماكنة الإعلام الأمريكية والصهيونية أيضاً على تقليل خسائر العدوان، وذلك لمنع صدمة الرأي العام الأمريكي ، الذي يرفض أن يقايض النفط العراقي بالدم الأمريكي ، والذي لم يتخلص بعد من عقدة فيتنام ، على الرغم من بذل ملايين الدروس والمحاضرات ، وتأليف الآلاف من الكتب والمجلدات ، التي تصب كلها في محو تلك التجربة المريرة من نفوس الأمريكيين ، ولذلك فهم لا يحتملون حرب جديدة ، تقودهم إلى فيتنام جديدة ، حتى لو جلبت لهم كنوز العالم بأثره ...!!!
من هنا فقد بذل فيلق الدجالين والكذابين ، الذي يقوده بوش الصغير ، جهوداً مضنية ، في تقليل حجم الخسائر الأمريكية ، وذلك من خلال الإجراءات التالية :
1. محاربة الإعلام المحايد وإخراجه من أرض المعركة : فلقد شهد العالم كيف عمدت قوات الاحتلال الأمريكية ومن تحالف معها ، التي طالما تشدقت بالحرية والديمقراطية ، إلى غلق مكاتب الفضائيات العربية ، وغلق العشرات من الصحف المحلية ، لعل آخرها صحيفة الحوزة التي تمثل تيار السيد مقتدى الصدر ...
ليس هذا فحسب ، بل عمدوا إلى تشويه سمعة الصحفيين ، واتهامهم بالكذب والتزوير ، كما فعلوا مع كل الفضائيات العربية ، والتي كان آخرها فضائية الجزيرة أثناء تغطيتها لمجازرهم في الفلوجة ...!!!
بل عمدوا إلى ما هو أشنع من ذلك ، وهو قتل الصحفيين والمراسلين ، واستهداف سياراتهم ومقراتهم ، بالرغم من العلامات الدالة والمميزة لهم بأنهم صحفيون ، ابتداءً من طارق أيوب مراسل الجزيرة ، ومروراً بالعليين مراسلي العربية ، وانتهاء بمراسلي إحدى القنوات العراقية المحلية ، حتى أن الكثير من المحللين والمراقبين ، كانوا قد وصموا هذه الحرب الظالمة بأنها مجزرة الصحافة في هذا العصر ...!!!
وربّ سائل يسأل : ترى ، مالذي يهدفه الأمريكيون من محاربة الإعلام المحايد .!؟
والجواب بكل وضوح : لأنهم كذابون دجالون ، يمارسون الكذب المفضوح على شعوبهم وعلى العالم ، ولا يريدون لحقيقة الأحداث أن تظهر للعالم ، لكي لا ينكشف زيفهم وكذبهم ، ولكي لا تطلع الشعوب الحرّة على حقيقة حقدهم وإرهابهم وهمجيتهم .
2. تشويه الحقائق ، ونشر الأكاذيب : فإذا تمكنوا من إخراج الإعلام المحايد من ساحة المعركة ، وانفردت فيالق الدجل والشعوذة لديهم بنشر المعلومات للعالم ، عندها يعمدون – كما هو دأبهم – إلى إخفاء الحقائق وتشويهها، ونشر الأكاذيب ، والتلاعب في عقول المغفلين والسذج من شعوبهم ... ومن هذه الأكاذيب مثلاً :
- تقليل ضحاياهم وخسائرهم : فهم يتكلمون حتى الآن عن مئات معدودة من القتلى ، وعشرات الآليات ، ليس إلا ... بينما الحقيقة التي لا بد أن يفيق عليها الشعب الأمريكي والعالم في يوم من الأيام ، هي أن عدد قتلاهم تجاوز الخمسين ألف قتيل ، أكرر ( أكثر من خمسين ألف قتيل ) مع عشرات الطائرات ، ومئات الآليات ...
ولقد وردت هذه الأرقام في أكثر من مصدر عراقي ، وقام بها أناس متخصصون ، حيث أجروا عشرات المقابلات واللقاءات مع ضباط عراقيين ، وقيادات ميدانية ، وقادة فصائل مجاهدة ..
ولقد أكدت تلك الدراسات أن خسائر القوات الأمريكية منذ بداية الحرب وحتى التاسع من نيسان ، وهو يوم دخول بغداد ، كانت قد تجاوزت العشرين ألف قتيل ...
أما خسائرهم في حرب الجهاد والمقاومة الشعبية فقد تجاوز حتى العشرين من نيسان الجاري الثلاثين ألف قتيل.
وأبسط دليل عقلي على ذلك : هو أن الأمريكان دخلوا العراق بأكثر من مائة وخمسين ألف جندي ، لم يتبق منهم الآن على الراجح إلا مائة ألف ، ثم عدم قدرة الأمريكان على تبديل جنودهم ، أو منحهم إجازات عسكرية بعد أكثر من سنة من وجودهم في أرض الميدان ، وهذه فضيحة عسكرية تخالف أبسط مباديء وأعراف العسكرية في العالم ، مما حدا بالعشرات ، بل المئات من جنودهم وأفرادهم ، للجوء إلى الهرب أوالتمرد أوالانتحار ...!!!
والدليل الآخر : هو استماتتهم على إبقاء القوات المرتزقة من الدول المنافقة لهم ، ليس لحاجتهم لها في أغراض قتالية ، فهم لا يثقون حتى بأصدقائهم ، ولكن لتغطية النقص الرهيب في أعداد جنودهم ، وتعويض الخسائر المستمرة في صفوف قواتهم ، والتي يعجزون عن تعويضها من الشعب الأمريكي ، بعد أن أفاق ذلك الشعب المسكين على حجم المأساة ، مع تزايد أعداد التوابيت الملفوفة بالأعلام الأمريكية والقادمة من أرض المعركة .
- تقليل كلفة الحرب ، وإخفاء النفقات الحقيقية لها : لقد صوروها حرباً خاطفة صاعقة بلا خسائر بشرية ولا تكاليف مادية ، وسوّقوا لجماهيرهم أكذوبة ( عالم أفضل ) بعد صدام حسين ، وأغروا دافع الضرائب لديهم ، بحل كل مشاكلهم على حساب النفط العراقي ، فإذا بكل هذه الوعود مجرد أوهام وأكاذيب ...
فأما التكاليف البشرية ، فقد تجاوزت الخمسين ألف كما ذكرنا ، والعالم كله يتحدث الآن عن فيتنام جديدة للأمريكيين ، وعن مستنقع عراقي وخيم ، ولقد وصلت حجم الخسائر الأمريكية من حربها المجنونة هذه إلى ما يزيد على مائة مليار دولار ( باعتراف الأمريكان خمسة مليارات دولار للشهر الواحد ) ، هذه كلفة النفقات الإدارية فقط ، وهي لا تشمل الخسائر البشرية التي تحدثنا عنها ، وأثمان عشرات ، بل مئات الطائرات والآليات التي فقدوها حتى الآن ، والمعركة لا زالت في أولها ، ولم ينتخي لها كل العراقيين والعرب الشرفاء بعد ...
- تشويه صورة المقاومة العراقية : وتصوير المجاهدين والمقاومين على أنهم إرهابيون ، أو من أتباع النظام السابق ، أو خارجون على القانون ...
والغريب أن يعمد دجالوهم ومشعوذوهم - بعد حادثة فردية ، قام بها مجموعة من الصبية الغاضبين في الفلوجة، فسحلوا بعض قتلاهم ومرتزقتهم وعلقوهم فوق أحد الجسور - إلى تصوير المجاهدين على أنهم إرهابيون ، بينما يعرف العالم أجمع أنهم وأسيادهم الصهاينة ، هم أساتذة الإرهاب ، ومسوّقوا الجريمة في العالم .
فهل نسي أولئك الدجالون والمشعوذون بأنهم هم الذين مثّلوا بجثث العراقيين لأول مرّة ، عدي وقصي ، وعرضوا جثثهم المشوهة على كل فضائيات العالم ، فلماذا يكون هذا العمل حلالاً لهم وحراماً على العراقيين.!؟
وهل نسوا أيضاً : أنهم هم الذين ضربوا العراقيين بالسلاح النووي التكتيكي في معركة المطار، وهددوا بمسح بغداد من الوجود بالسلاح النووي الستراتيجي ، وهي أعمال إجرامية ليس لها ما يسوّغها عسكرياً ، بل تحرمها كل قوانين الأرض وشرائع السماء ...!!!
وما ذا عن قتلهم للمدنيين في الفلوجة وغيرها ...!؟ وما ذا عن آلاف الأبرياء المعتقلين الذين يقتلونهم بالسم ، ويقولون بأن المجاهدين قد قصفوا سجنهم بالهاونات ...!
وما ذا عن دخول بيوت العوائل وهي نائمة ، ووضع الأكياس السوداء في رؤوس العراقيين ، وتدنيس عقال العراقي المقدّس بحذاء الجندي الأمريكي ، وتهديم المنازل فوق رؤوس ساكنيها ...!؟
ولن نتكلم هنا عن تدمير حياة العراقيين ، وسرقة نفطهم ، وتسريح جيشهم وموظفيهم ، وتدمير مؤسساتهم .!
فهذه مفردات صارت في زمن الحرية الأمريكية جزءاً من حياة العراقيين ...!!!
والذي أريد أن أخلص إليه من هذه الدراسة هو : أن بوش وزمرته الصهيونية هم أكذب من مسيلمة الكذاب ، بل أكذب من الأعور الدجال ...!!! ولقد مارست ماكنتهم الإعلامية الفاجرة عبر السنة الماضية وحدها من الكذب والدجل ما يدير الرؤوس ...!!!
ولكن الكذب كما نعلم حبله قصير ، فلقد بدأت مؤخراً تتضح الحقائق إلى العالم ، وخاصة بعد منعطف الفلوجة والنجف وكربلاء ، كان ذلك بفضل الله أولاً ، ثم بجهاد العراقيين وصبرهم وتضحياتهم ...
ولقد أفاقت الدنيا كلها اليوم على الحقيقة القائلة : بأن بوش وجوقته من الدجالين والمهرجين كانوا قد خدعوا العالم ، وزوروا الحقائق ، وضللوا شعوبهم باعتدائهم على العراق ، وأنهم اليوم يحصدون نتائج ما صنعته أيديهم ... فلا النظام السابق كان يهد أحداً بأسلحة الدمار الشامل المزعومة ، ولا استقبلهم العراقيون بالورود والرياحين ، بل استقبلوهم بالجهاد والمقاومة التي لن تتوقف حتى رحيل آخر جندي أمريكي عن أرض الرافدين.
بقيت كلمتي الأخيرة لرجال الجهاد والمقاومة الأبطال ، فأقول لهم : هل عرفتم أيها النشامى أهمية الإعلام في المعركة .!؟ إن لقطة واحدة من مصور ذكي ، يبث فيها للدنيا صورة جندي أسير ، أو مقتول ، أو مسحول ...
بل يكفينا أن نرى الجنود وهم يبكون ، أو يهربون ...!!!
أو صورة طائرة ممرغة بتراب الرافدين ، أو دبابة وهي تحترق ، أو آلية وهي مقلوبة ...!!!
أو صورة مجموعة من الصبية العراقيين وهم يلعبون ويمرحون فوق آلية أمريكية معطوبة ...!!! هذه وغيرها
يمكن أن تهز العالم ، وتغير مسار المعركة ... فاحرصوا – فداكم أمي وأبي - على توثيق جهادكم باللقطة الذكية المعبرة ، فربّ لقطة معبّرة أفضل لكم ولجهادكم ولقضيتكم العادلة من ألف قذيفة وألف مدفع ، وفي كلّ خير ... اللهم انصر المجاهدين ، وأهلك الأمريكان ومن والاهم ، واجعل – يا رب - تحرير العراق فاتحة خير لتحرير الأمة كلها من ظلم الظالمين ...آمين ، والحمد لله رب العامين .