حقوق الأسرى في الإسلام

حقوق الأسرى في الإسلام

د.فواز القاسم

قال تعالى في كتابه الكريم : بسم الله الرحمن الرحيم (( ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ، إنما نطعمكم لوجه الله ، لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً ، إنّا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً ، فوقاهم الله شرّ ذلك اليوم ولقّاهم نضرةً وسروراً )) صدق الله العظيم ( الإنسان 8).

لقد عنيت كل الشرائع السماوية ، وعلى رأسها شريعة الإسلام ، وكل الأعراف والقوانين البشرية ، بما فيها قوانين الأمم المتحدة المعمول بها حالياً ، بحقوق الأسرى ، وأكّدت على ضرورة حفظ حياتهم ، وعدم إتلافها بشكل متعمّد ، وحفظ كرامتهم ، وتوفير كل ما من شأنه أن يصون آدميّتهم ، ويحفظ إنسانيّتهم .

وهذه الآيات التي بين أيدينا ، وهي من القرآن المكي المتقدّم على تأسيس الدولة الإسلامية في المدينة المنوّرة، نموذج من دستور الإسلام الخالد في رعاية الأسرى ، حيث يأمر الله المسلمين برعاية الأسرى ، وحفظ حياتهم، وإطعامهم مما يأكل منه المسلمون ، على حبّ المسلمين للطعام ، وقلّته عندهم في ذلك الوقت ، وشهوتهم له ، وحاجتهم إليه ، فلما مكّن الله للمسلمين بإقامة دولتهم الرائدة في المدينة المنوّرة ، لم يهملوا تطبيق هذه التوجيهات الربّانية الكريمة ، فلقد أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أصحابه في أول معركة فاصلة بينه وبين أعدائه المشركين وهي معركة بدر الخالدة ، باحترام حقوق الأسرى ، حيث قال : (( استوصوا بالأسرى خيراً )).

ثم بادر بعد انتهاء أحداث المعركة فأطلق بعضهم بفداء ، ومنّ على بعضهم فأطلقه بدون فداء ، وأما المتعلّمين منهم فأطلقهم بعد أن علّموا أولاد المسلمين القراءة والكتابة .

وعلى هذه الأخلاق الكريمة دأب الفاتحون والمجاهدون من أمتنا ، ولعلّ من أعظم مفاخر هذه الأمة ، أن التاريخ لم يعرف أرحم ولا أعدل من الفاتحين العرب المسلمين ، حتى بشهادة الأعداء أنفسهم  …

وهل يستطيع أحد في الدنيا أن يتنكّر لأخلاق أبي عبيدة بن الجرّاح رضي الله عنه فاتح الشام ، وسعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه فاتح العراق ، وصلاح الدين الأيوبي رحمه الله قائد حطّين ، ومحرّرالقدس الشريف .!؟

وهل يستطيع النصارى من أبناء أوطاننا أن ينكروا بأن الفاتحين العرب المسلمين كانوا أرحم بهم ، وأعدل معهم ، من الفرنجة والصليبيين أبناء دينهم الذين كانوا يحكمونهم ويسومونهم سوء العذاب .!؟

ولو أجرينا تحليلاً دقيقاً لهذا الخلق النبيل  والسلوك الراقي لوجدناه لا يصدر إلا عن قلوب مؤمنة ، ونفوس أبية، ذات أخلاق سامية ، وفروسية عالية ، وهي بالضبط ما توفّرت لدى المسلمين الفاتحين …

أما القلوب الحاقدة ، والنفوس الخسيسة ، التي تنحدر عن شخصيات منحطّة ، فهي لا تستطيع الارتقاء لأمثال هذه الأخلاق الرفيعة ، والمعاني العالية ، والقيم النبيلة ..!!!

بل على العكس ، فهي لا تعرف غير الغدر ، ولا تتقن إلا الخسّة ، ولا تطيق غير الإجرام …

وهذا بالضبط ما نضحت به النفوس الكافرة على مرّ الأجيال ، التي – وإن اختلفت في الزمان والمكان – إلا أنها تشترك في الخسّة والوضاعة والدونيّة ، وذلك ابتداءً من مشركي مكّة قاتلي ( خُبيب بن عدي ) ، وصالبي ( زيد بن الدَّثنة ) ، وباقري بطن ( الحمزة بن عبد المطّلب ) ، وغيرهم الكثير من شهداء الإسلام ..

ومروراً بأوباش الفرنجة والصليبيين ، من أمثال ( أرناط ) وغيره من قطّاع الطرق ، قاتلي أسرى المسلمين ، ومنتهكي أعراضهم ، ومروّعي حجّاجهم …!!!

وانتهاءً بالصليبيين الجدد أمثال ( بوش الأب ) و ( بوش الابن ) وكلبهم التافه ( بلير ) وغيرهم من سفّاحي هذا العصر ، الذين لم ترتوي نفوسهم الحاقدة ، والمتعطّشة إلى دماء المسلمين ، بكلّ ما فجّروه في أفغانستان المظلومة ، إبان احتلالهم لها ،  من أنهار الدماء ،  وذلك بقصفهم للمساكن والجوامع والمستشفيات ومخازن الغذاء والدواء وغيرها ، وقتلهم للأطفال والنساء والعجزة ،  حتى استداروا إلى الأسرى العزّل في قلعة ( جانجي ) القريبة من مزار الشريف ،  فذبحوهم عن بكرة أبيهم  بعد أن أمّنوهم غدراً على حياتهم ، وعقدوا معهم معاهدة إلقاء السلاح ، في واحدة من الجرائم التي تقشعرّ لها الأبدان ، والتي لا تدانيها في خسّتها وقذارتها إلا جرائم أسيادهم الصهاينة في فلسطين ،  الذين يبقرون  بطون الحوامل ، ويكسرون عظام الأطفال ، ويذبحونهم في أحضان آبائهم وأمّهاتهم ، ويسحلون جثثهم في الشوارع والطرقات ، ويغتالون الشيوخ العُجّز وهم ركّع سجود بين يدي الله في المساجد...!!!

وهاهي روائح فضائحهم المقززة في العراق الشقيق تزكم أنوف العالم ، إذ لم يكتف أولئك القتلة والسفاحون والإرهابيون ، بكل ما فعلوه بهذا البلد العزيز ، من احتلال أرضه ، وتدمير حضارته ، وإبادة  شعبه ، وسرقة أمواله ، وقصفه بكل وسائل الشر والتدمير والإجرام ، بما فيها الأسلحة النووية التكتيكية والكيماوية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل ، بل عمدوا إلى اعتقال الآلاف من رجاله وأطفاله ونسائه ، ومارسوا بحقهم من أساليب التعذيب والإهانة وإهدار الكرامة الإنسانية ما يعفّر وجه الحضارة الإنسانية ...!!!

ولقد شهد العالم أجمع في الأيام الماضية  ولا يزال يشهد ، وعلى جميع وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة ، ما فعله أدعياء الحرية والتحرير ، و ( حُماة ) الديمقراطية وحقوق الإنسان في سجن أبي غريب  وسجون البصرة ، وغيرها من السجون العراقية ، بل في العراق كلّه ،  بعد أن حوله أولئك السفاحون إلى ( غوانتنامو ) كبير ، من الجرائم والمخازي والفضائح ، ما يعتبر وصمة عار أبد الدهر في جبين العسكرية الأمريكية ، بل الحضارة الغربية ،  بل الإنسانية كلها ...!!!  

من هنا ندرك أهمية أن تتضافر جميع الجهود المخلصة في العالم ، لوضع حدّ لتلك العنجهية الأمريكية والصهيونية المتعجرفة ، وكبح جماح غطرستها وانحطاطها معاً ، وإلا طالت بجرائمها جميع شعوب العالم ، وكانت كارثة حقيقية على كل رصيد البشرية عبر التاريخ ، من القيم والمباديء والأخلاق …

وإلى أن تجد هذه الدعوة الكريمة صداها في العالم ، وتتحول إلى مشاريع عمل على أرض الواقع ، نجد لزاماً على العرب من خلال مؤسساتهم الرسمية ، وعلى رأسها جامعة الدول العربية ، وعلى المسلمين أيضاً من خلال مؤسسة المؤتمر الإسلامي ، أن يتناسوا خلافاتهم ، ويوحّدوا صفوفهم ، ويسارعوا لوضع خطة جادة وحازمة – قبل فوات الأوان -  يبترون من خلالها اليد التي تمتدّ إلى أية دولة من دولهم بشرّ ، ويقطعون الرأس الذي يفكّر بالاعتداء عليهم وعلى شعبهم وأمّتهم …

(( ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله )) (( ويسألونك متى هو .!؟ قل : عسى أن يكون قريباً )) صدق الله العظيم