الفلُّوجة .. وصناعة التاريخ
الفلُّوجة ..
وصناعة التاريخ
جمال علوش
تقفُ الروحُ مشدوهةً بحقٍّ أمامَ
مايحدث !
مدينةٌ بحجم القلبِ تقفُ أمامَ أقوى دولةٍ في العالم
، بل في وجه قوى تحالف الشر كله ، وتجبر
الجميع على إعلانِ هدنة ، وقبول شروطها !!
إن كان
ذلك انتصاراً للفلوجة الباسلة ، فهو بدون أدنى شك ، هزيمة منكرة لدولة الحريَّة ،
التي لم يبقَ من " حريتها " سوى مسخ تمثال ، كان جميلاً ، وجاء في
لحظة دافئة جداً ليكون عربون وفاء
وتأييد لوطن تشكل جديداً ... وطن يؤمل منه ، بعد أن قاسى
ماقاسى ، أن يفتح ذراعيه للجميع ، ويحتضن كل مظلوم ، وينجد
كل مستجير ، ويمنح كل ذي حق حقه الذي
اغتصب منه .
هذا المسخ الجميل ( أعني تمثال الحرية بشعلته
التي أصبحت وبالاً على شعوب العالم كله أراه ينظر ، وإن كان جماداً ، بازدراء إلى
مايفعله ( بوش ) ومن يسيِّره من صهاينة العالم ، ويحن إلى اللحظة الرائعة التي
استُقْبِلَ بها ، عندما قدم من أوربا ، ويتذكر بفرح الزهور التي ألقيت عليه ،
وأريجها الفاغم الذي حرَّك نقطة الجماد فيه ، وجعله يحس ، ويدرك ، ويشعر ، ويحب
! .
ترى هل شعر ( بوش الصغير ) بمثل هذا الإحساس ذات يوم ؟! .. هل
تألقت عيناه الصغيرتان
اللتان تشبهان ثقبين في فروة فرحاً يوما ما ، كما تتألقان اليوم
بذئبية ووحشية وجنون ؟!!
عيناه تفرحان طبعاً بمنظر دماء وأطفال ( الفلوجة ) ، وتستمتعان
بمنظر الوجع ، وتوغلان في التشفي حين تسيل بغزارة دماء أحفاد ذاك الذي مرغ كرامة
أجداده في الوحل ، أعني صلاح الدين ، ولكن صلاح الدين كان نظيفاً في التعامل ، وكان
رجل حرب شريفاً ، لم تلطخ يداه بدم طفل ، ولم تدنس راحتاه بدم امرأة . كان شريفاً
في قتاله ونضاله ، وكان نبيلاً في تعامله مع من جاؤوا لغزو أرضه واحتلال مقدساته ،
وكان الأنبل باعتراف أجداد بوش من الكتاب والمؤرخين والمستشرقين .لاأشك
بأن عيني السيد ( بوش ) تفرحان الآن، وتتمتعان بمنظر
دماء أطفال ونساء ( الفلوجة ) الباسلة ..
عيناهُ تبتهجان بمنظر الوجع ، وتوغلان في التشفي ... ... طبعاً
هو لايهمه من يموت من المرتزقة الذين استأجرهم مقابل الحصول على الجنسية الأمريكية
بعد عودتهم من العراق ، ولكن أولئك المرتزقة الذين هم من جنسيات مختلفة ، ظنوا أن
غزو العراق نزهة ، كما صورها لهم السيد بوش وسيده الصهيوني لكنهم فوجئوا ، كما
فوجىء ( حاخامهم ) بوش الصغير بضراوة المقاومة ، وبصلابة
وعناد " زلم " الفلوجة .. تلك المدينة الباسلة التي
استطاعت أن تدخل التاريخ ، ومن أوسع أبوابه ، كما دخلته كثير من المدن التي قاومت
الطغيان . لن أذكر أسماء ، ولكنني ، وعندما يذكر أمامي ، مستقبلاً ، مدن العراق
التاريخية ، ويقولون :
" بابل " و " سومر " .. سأقول بكل
فرح وحب : و " الفلوجة " !