قراصنة الصومال
قراصنة الصومال... رامبو يستعرض
عضلاته في خليج عدن !
أسعد العزوني
على نسق رامبو وروبن هود 000 " بمسدس تقاتل العديد من الوحوش الطائرة ، وفي اللعبة أنت البطل لا محالة " 0
هذه هي صورة ما يجري في خليج عدن منذ العام 2008 والتى تطورت إلى درجة أنها أصبحت الحدث المثير اليومي علما أن المعادلة غير مكتملة ، اذ لا يعقل من أربعة جوعى يستقلون قاربا مهترئا ، ويحملون بنادق متواضعة ، السيطرة على سفن وبواخر أجنبية منها من تحمل العلم الأمريكي 0 ولا شك أن هؤلاء القراصنة يعيدون الينا مشاهد حروب البربر قبل نحو مئتي عام عندما قام قراصنة من الساحل البربري المطل على المغرب وليبيا وتونس والجزائر بخطف سفن أوروبية والمطالبة بفدية مقابل طواقم تلك السفن 0
ويتحدث الخبير في قراصنة البربر الأستاذ في جامعة بوردو فرانك لامبرت عن هذه الظاهرة بالقول أن رداءة الطرق البحرية القدسمة مكنت القراصنة من الاحتفاظ برهائنهم شأنهم شأن قراصنة الصومال إلى حد ما للحصول على فدية ، بمعنى أن ما يقومون به هو تجارة رابحة ، وأن عملهم كان يتسم بالوقاحة ولكنه كان فعالا .
ووصف السفير الأمريكي لدى فرنسا توماس جيفرسون وسفير بريطانيا لدى طرابلس جون آدمز عمل القراصنة البربر على النحو التالي :" عندما يثبون على السفينة الهدف ، كان كل بحار يمسك بخنجر في كل يد ويضع خنجرا ثالثا في فمه ، وكان ذلك سببا في بث الرعب في قلب الخصم الذي كان يصرخ ويستجدي الرحمة على الفور "
وكان لقراصنة البربر سفير اجتمع مع كل من جيفرسون وآدمز وكان القراصنة يعملون لصالح الحكام البربر الذين كلفوهم بتلك المهام رسميا ، بمعنى أنه كان إرهاب دولة ، الأمر الذي جعل الدول الغربية تدفع " الأتاوة " حيث كان القراصنة يسمحون لتلك السفن التى تدفع الأتاوة بالمرور وقد اضطرت أمريكا لتوقيع المعاهدات معهم عام 1796 وهذا ما يجرى هذه الأيام حيث دفعت الشركات البحرية ما يزيد على 140 مليون دولار على شكل فدية لقراصنة الصومال ما أدى إلى ازدياد أعداد القراصنة 0
لقد شعر الأمريكان بالاهانة لاجبارهم على توقيع المعاهدات قراصنة البربر ، خاصة وأنه ورد في معاهدة 1796 : " الولايات المتحدة لم تؤسس على الديانة المسيحية ، ولا يوجد عداء بينها وبين الدين الإسلامي " 0 وأدى ذلك إلى نشوب حرب البربر عندما أصبح جيفرسون رئيسا عام 1801 ، كما أن جيمس ماديسون أرسل الأسطول الأمريكي لقذف ساحل البربر عام 1815 ، وفي نهاية المطاف اضطر قراصنة البربر إلى الرضوخ بعد المواجهة مع الأمريكيين والغزو الفرنسي للجزائر عام 1830 0
والتساؤل هنا : هل يعيد التاريخ نفسه في خليج عدن ؟
الشواهد تفيد بالايجاب ، فهذه وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون تدعو العالم ل" انهاء شبح القراصنة " 0
ولكن مشكلة الصومال تختلف عن البربر ، فالصومال دولة متهاوية وبحاجة إلى مال ، وبالتالي فان احتمال الحرب وارد ، ولكن على الشاطىء ومن ثم يتم التوصل إلى حل لمشكلة الصومال يتمثل بجمع الصوماليين 0
قراصنة الصومال كانوا من ضمن التحديات المتراكمة على جدول أعمال الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما ، لكنهم شكلوا له طاقة أمل ، اذ تمكن من تحقيق نصر سريع عليهم بعد أن تمكن سلاح البحرية من تحرير قبطان سفينة أمريكية مؤخرا بعد قتل ثلاثة من القراصنة وأسر رابع ، ومعروف أن عملية التحرير تمت بأوامر مباشرة من الرئيس أوباما 0
وهناك تعهدات أمريكية بضرورة طي هذه الصفحة ووضع حد فوضى القراصنة في خليج عدن ، ويقابل ذلك تهديدات من قبل القراصنة بمعاقبة أمريكا من خلال خطف مواطنين أمريكيين بسبب قتل ثلاثة منهم 0
لا شك أن أوباما في عملية تحرير القبطان فيلبس تذكر فشل الرئيس بيل كلينتون في عملية " الصقر " بهاييتي ، وكذلك فشل الرئيس جيمي كارتر في اطلاق سراح الرهائن الأمريكيين بإيران في عملية " طبز " بطهران 0
يقول القرصان أحمد عبد الله موسى 26 عاما ويقبع مع 21 شخصا آخرين يشتبه بأنهم قراصنة في زنزانات السجن المركزي في مدينة عدن اليمنية الساحلية بعد أن ألقى جنود البحرية الهندية والروسية القبض عليهم خلال الأشهر الخمسة الماضية وتم تسليمهم للسلطات اليمنية : " نحن صيادون بسطاء نكسب قوتنا بالعمل الشاق " 0
وواضح أن نظرة هؤلاء القراصنة إلى أنفسهم تختلف عن غيرهم من المجرمين لأنهم يشعرون كما لو كانوا مزيجا يجمع بين رامبو وروبين هود في ذات الوقت 0
وهم يفتقدون لو خز الضمير ، فهم ينظرون إلى مواجهاتهم مع الأمريكيين على انها تعزز احساسهم بالنضال المشروع للصوماليين الفقراء الذين يعيشون على صدقات الدول الغنية بعد أن نهبت ثروات بلدهم المائية 0
وعثرت البحرية الهندية على أسلحة وقنابل يدوية وصواريخ مضادة للدبابات على متن سفينة الصيد اليمنية التى خطفها موسى ورفاق القراصنة ، ويقول نائب قنصل الصومال في عدن حسين حاجي محمود " عندما نعثر على هذه الأنواع من الأسلحة ، ندرك على الفور أننا أمام قراصنة "0
ويتهم الدبلوماسي الصومالي الدول الأوروبية التى تستجيب لمطالب القراصنة وتدفع الأموال الضخمة بأنها تشجيع هؤلاء على الاستمرار بعملهم ، ويتفق معه بذلك مدير عام خفر السواحل في عدن لطف البراطي بقوله " يجب زيادة الضغط على القراصنة من أجل السيطرة على الموقف " 0
ويضع البراطي اصبعه على الجرح محذرا : " نحتاج إلى دولة قوية في الصومال على المدى الطويل ، والا استمر مسلسل الخطف كما أكد أن اتساع عمليات القرصنة لتشمل سواحل كينيا والمحيط الهندي يدل على أن القراصنة يبحثون عن أرضية جديدة في حال استشعارهم بالخطر في منطقة معينة في البحر "
وقد طالب بترخيص يسمح للبحارة السلاح على متن سفنهم 0
القراصنة الصوماليون يستغلون طول شواطىء بلادهم البالغ 1800 ميلا بحرية تامة وبدون رادع أو رقيب وعلى مرأى ومسمع من القطع البحرية الدولية التى وصلت المنطقة لمواجهة نشاطهم والقضاء عليهم 0
تداعيات القرصنة الصومالية في خليج عدن متشعبة فهي من جهة تشكل خطرا كبيرا على حركة الملاحة والتجارة الدولية في منطقة القرن الأفريقي ويهدد بتوقيفها من خلال تحويل خطوط الملاحة البحرية بعيدا عن هذه المنطقة بحثا عن مسارات آمنة للسفن التجارية ، ومن جهة أخرى تشكل القرصنة تهديدا مباشرا على قناة مصر في ظل الأزمة المالية العالمية الحالية 0
الموقف الدولي غامض تجاه هذه الفئة الصومالية التى خرجت من رماد التطاحن القبلي الصومالي ، وهناك من يصف المجتمع الدولي بالمنافق ازاء هذه الظاهرة 0
علما أن القراصنة يتخذون من جزيرة ايل الصومالية في منطقة " بورت – لاند ".
الشكوك كبيرة ومساحة القلق أوسع من وجود أطراف وجهات تقف إلى جانبهم وتمدهم بالأسلحة والامدادات اللازمة وتوفر لهم الأمان رغم القوانين الدولية التى تجرم عمليات القرصنة البحرية 0
القول بأن استنفار القراصنة الصوماليين جاء بسبب فقرهم وحرمانهم من الصيد في مياههم الأقليمية التى حولتها بعض الدول الكبرى إلى مكب نفايات نووية , قول مشكوك فيه لأن مهنة الصيد لم تكن تدر عليهم سوى بضعة دولارات بعد عناء ساعات وأيام 0 وقد ساعدتهم الأموال في تقوية أنفسهم وتأسيس امبراطورية القراصنة في جزيرة ايل 0
الأسئلة المطروحة ، لماذا تعجز أمريكا عن تجييش العالم ومجلس الأمن لاقتحام جزيرة ايل ، على غرار ما جرى في العراق بحجة أسلحة الدمار الشامل ، ؟ وهل نحن أمام تنظيم قاعدة جديد برعاية أمريكية ؟ اذ أن عقدين من الخطف والابتزاز كفيلان باتخاذ موقف محدد 0
هناك تطور جديد وهو أن حركة الشباب الإسلامية الصومالية المتشددة اعلنت وقوفها ودعمها للقراصنة لأنها تنكر على السفن الأجنبية الدخول في المياه الاقليمية للصومال ، رغم أنها أعلنت إنها ليست على علاقة معهم 0
يقول تقرير أصدرته الأمم المتحدة الشهر الماضي أن حالات القرصنة والشرق المسلحة في البحار قد شهدت ارتفاعا بنسبة غير مسبوقة في أنحاء العالم وبلغت 11 % عن العام 2008 0
وأن من بين 293 حادثا تم رصدها وقع 111 حادثا قبالة الساحل الصومالي 0 دعا التقرير إلى ضرورة معالجة مشاكل الصومال واحلال السلام في ذلك البلد الممزق 0
الأوضاع المعيشية في الصومال مزرية اقتصادية اذ يبلغ دخل الفرد 600 دولار سنويا أي أقل من دولارين يوميا ، ويبدو قطاع غزة أمام هذا الوضع دولة غنية ولذلك فان حصول القراصنة على 140 مليون دولار بحسب بعض المصادر يعد أموالا طائلة 0
كما هو واضح ، فان القراصنة لم يبدأوا بالأمس بل هي قصة قديمة وأمريكا عانت من الظاهرة كثيرا ، ومضت فترة كانت فيها تحت الحماية البريطانية قبل الاستقلال وقد دفعت للقراصنة البربر مليوني دولاركما أن التاريخ أيضا شهد قرصنة مسيحية غربية ضد السفن الاسلامية ، تماما كما فعل القراصنة المسلمون بالسفن المسيحية 0
يقول كريستفر هيتشنس في بحث نشرة عن هذه الظاهرة أن الرئيس الأمريكي جيفرسون التقى مع السفير الليبي في لندن عام 1785 للاحتجاج على القرصنة البربرية ولم يعجبه ماقاله ذلك السفير ، لذلك كظم غيظه وقرر تغيير اللعبة مع القراصنة بعد ان أصبح رئيسا 0ولكن الثمن كان كبيرا بحيث بلغ 10% من الانتاج الوطني 0
منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة ( الفاو ) تحذر بدورها من الخطر الذي يمثله القراصنة على وصول المساعدات الغذائية للشعب الصومالي اذ أن 90% من هذه المساعدات تصل عبر البحر 0 وبحسب المتحدثة باسم الفاو ايميليا كاسيلا فان عمليات القرصنة تمثل قلقا دائما في اطار تنفيذ برنامج الغذاء العالمي ، الذي ينفذ خطة لارسال مساعدات غذائية لنمو 5,3 مليون صومالي هذا العام يبدو أن البصمة الاسرائيلية واضحة في هذه الظاهرة لأن جوهر التوجه الاسرائيلي للسيطرة على البحر الأحمر هو مد النفوذ بحرا حتى باب المندب وخليج عدن وتوسيع السيطرة على البحر الأحمر ممرا وجزرا ومضائق قدر المستطاع ونفى الطابع العربي عن البحر وتعميق العلاقات مع الدول الأفريقية وخاصة الشرقية منها ، منعا لأي احتمال لتوظيف تلك الدول في حزام الأمن العربي المواجه لاسرائيل 0 أو العمل على تحييدها واسرائيل مصممة على منع تحويل البحر الحمر الى بحيرة عربية كما أنه لن يكون وقفا على المصالح العربية وحدها 0 وربما يكون القراصنة الصوماليون عاملا مساعدا لاسرائيل لتحقيق أهدافها ، خاصة وأن حالة السعار بدأت بعد هولوكست غزة ، والحديث عن تهريب السلاح لحركة حماس ، وبالتالي فان التوقعات تشير الى احتمال عمل عسكري غربي أولا ومن ثم عسكرة غربية اسرائيلية غير مسبوقة في البحر الحمر لاحكام السيطرة على حركة السفن حتى يتم منع تهريب أي قطعة سلاح الى غزة 0 بدليل أن مجلس الأمن الدولي صادق على مشروع يسمح بدخول سفن حربية غربية في المياة الأقليمية الصومالية ، للاسهام في الحد من انتشار القراصنة الذين باتوا يشكلون خطرا على الملاحة في البحر الأحمر والمحيط الهندي ،
كما ان وزيرة الداخلية الأسبانية اقترحت على الاتحاد الوروبي ارسال قوات الى المياه البحرية في الخليج العربي والمحيط الهندي لحماية الملاحة الدولية من القراصنة الصومالية 0
وأعلن وزير الدفاع الكندي بيتر ماكاي أن كندا سترسل السفينة VILLE DE QUEBEC للقيام بالمهام المنوطة بها لضمان وصول المساعدات الغذائية الى الموانىء الصومالية وغيرها 0 كما اعلن وزير الدفاع الألماني فرانتس يوزيف يونج أن ألمانيا تعتزم ارسال فرقاطة مع فريق المهام البحري الأوروبي لمواجهة القراصنة قبالة سواحل أفريقيا ة0 وأن الاتحاد الأوروبي يخطط لارسال ثلاث فرقاطات وسفينة امداد وثلاث سفن مراقبة بحرية 0
كل الدلائل تؤكد أن ما يجري في تلك المنطقة ما هو الا مخطط لتدويل مياه البحر الأحمر وفرض حصار بحري على السودان بحجة مكافحة القرصنة ، بدليل ما قامت به الطائرات الاسرائيلية ضد قافلة شاحنات سودانية وسفينة في أحد موانىء السودان ، بمعنى ان ما جرى هو سيناريو استباقي لمحاصرة السودان من منفذه البحري , حيث سيجد السودان نفسه من دون دول الساحل المطلة على البحر الأحمر المتأثر الأكبر من القرصنة ناهيك عن تشكيل القرصنة الخصم القوي لتجارة المياه البحرية التى تعود بارباح وفيرة على السودان , ما يهدد بهزة اقتصادية 0
ويعد تواجد القوات البحرية الأمريكية وشركات الحماية الأجنبية وعلى راسها " بلاك ووترز الأمريكية " سيئة السمعة ، دليل آخر على اتضاح معالم السيناريو الاسرائيلي.