سورية على مفترق طرق صعبة
د. محمد رحال /السويد
الوضع السياسي الخطير الذي تمر به سوريا اليوم هو وضع لايحسد عليه احد , وخاصة الرئيس بشار الاسد والذي يسعى وباي حال الى النهوض بعثرات البلد نهوضا يرفع من اسمها بين مصاف البلدان المتطورة , ولقد حاول الرئيس بشار ومنذ ان تقلد منصب الرئآسة ان ينأى بنفسه وبسورية عن اهم معوقات التاخير المتعددة بهذا البلد محاولا وبجهود شخصية معرفية ان يقرب اليه جيلا من الشباب الجديد والمتعدد الثقافات والذي يثق به ليساعده في قيادة سورية , وحاول ان يدخل سورية الة منظومة الدول المتقدمة ولكن هذه الجهود مازالت تصطدم بعدد من المعوقات التاريخية والتقليدية والتي من الصعب عليه ان يوفق ويلائم بينها وبين التطور الصاروخي الذي تنهض به الامم , فمن الناحية الاقتصادية فان البلد الذي اعتمد العلمانية في قيادة الدولة , والاشتراكية في التخطيط الاقتصادي , في الوقت الذي تخلى فيه العالم كله عن النمط الاشتراكي في سيطرة الدولة على وسائل الانتاج والتي اثبتت فشلها , وانها وسيلة ممتازة لهدر اموال الدولة لملء افواه حزبية لاتعمل ولاتشبع , وطريقة سهلة لخلق المزيد من الفرص امام طبقة من الانتهازيين الذين يدفعون الشعارات ويقبضون ثمنها المزيد من المناصب في الدولة , لتتسع طبقة المطبلين والمزمرين , ولقد ادرك الرئيس بشار الاسد هذا الوضع المتردي والسيء من هذا التطبيق المرعب والمشين للاشتراكية ولهذا فقد شجع دخول الاستثمارات محاولا ماامكنه من مد المزيد من جسور الثقة بين القوانين التي تحمي المستثمر والمستثمر نفسه , والذي ظل وامام فساد اجهزة بعينها تستغل مناصبها لتضع العصي في عجلة التقدم الاقتصادي الذي يحاول رئيس الدولة المضي به قدما الى الامام , والذي سار وبسرعة في اغلب دول العالم وبقي يعاني من بعض التاخر في هذا البلد , وكانت كلمة الرئيس عبد الله غول رئيس تركيا والجارة الاكبر لسوريا واضحا عندما قال ماكان من الواجب ان يقوله مثقفوا سوريا ومتعلميها منذ زمن بعيد , ان الاستثمار هو احد اهم وجوه التطور في البد , وان اغنى دول العالم وهي الولايات المتحدة الامريكيية تسعى دائما لجلب رؤوس الاستثمار اليها , ويضاف لهذا ان الصرف الكبير المتمثل في الحفاظ على معامل بالية من العصور الوسطى تاتي على حساب لقمة المواطن , وحظ الطالب من التعليم , وعلى حساب البنية التحتية في البلد , بل وان صرف اموال البلد في تشييد بعض المعامل التي اكلت اموال البلد هي خطة من اجل تعويق التقدم الانساني والمادي في البلد , وان الدولة التي تريد بناء اقتصادها المتين فان عليها فتح مجالات القروض من اجل دعم التصنيع والزراعة والسياحة , وان هذا المال المدان للمواطن من الدولة سيعود الى خزانة الدولة ثانية ليعاد تدويره من جديد, اضافة الى ان رعاية وعناية اصحاب المصانع والشركات الخاصة هي بالقطع ليست كالرعاية للمدراء المكلفون من الجهاز الحزبي او الامني , ليس بسبب كفائتهم المهنية وانما بسبب كفائتهم الحزبية , وهو الامر الذي يفسر انهيار الصناعات في النظم الاشتراكية والتي وصفها رئيس الشيوعية في الاتحاد السوفياتي القديم على انه طبخة قديمة , وتخلى قادة الفكر الشيوعي عن نظرية ملكية ادوات الانتاج في الدول الاوروبية الى نظرية ايجاد قوانين تحمي اليد العاملة, والمتطلع لاي بلد اشتراكي اليوم ان يقدر ويقيم كم كلفت تلك المعامل في ميزانية الدول , وكم تبلغ قيمتها اليوم والتي ثبت ان غالبها مشاريع خاسرة , وبعدد وامكانيات هي ابعد ماتكون عن التطور الحديث .
والتغيير الاقتصادي يسترعي من القيادة السورية كنظام اشتراكي ان تعيد النظر من الناحية الاقتصادية في البرنامج السياسي للحزب الحاكم والذي يخالف مقومات التطور العصري المتوافقة مع تطلعات الرئيس السوري العصرية التقدمية, وهذا يدفعنا ان نقول ان سوريا هي في مفترق طرق في تطوير الدولة اقتصاديا وحزبيا اضافة الى التكلفة الكبيرة في التطوير الاقتصادي التقني والذي مازال يستخدم الطرق المصرفية القديمة على مستوى التعامل البنكي والذي يهدر كثيرا من قيمة الوفر المالي والسيولة المالية في البنوك ويحد من عملية تدوير المال في يد ابناء الشعب .
واما الجانب السياسي فان النظام السياسي في سوريا اليوم يمر بظروف دقيقة ومعقدة يحتاج السياسي فيها ان يعمل باتزان شديد مع متغيرات بينية وسياسية ومعطيات دولية صعبة وعلاقات عربية معقدة ومزاجية , فالجانب السياسي في سوريا يحكمه حزب عربي تقدمي طليعي بشعاراته ومبادئه و كان لفترة من اكثر الاحزاب العربية صعودا وشعبية, وساهم هذا الحزب والى حد كبير في نشر التعليم ومحو الظلم الاقطاعي الذي ساد الكثير من مناطق سوريا , والتي سادها والى حد كبير روح الطبقية بين فئآت الشعب , ولكن هذا التطور لم يوصل المواطن ونحن في القرن الواحد والعشرين وبعد نصف قرن تقريبا من عمر حزب البعث في سوريا , لم يوصل المواطن السوري الى المستوى الذي كان القادة المؤسسين للحزب يمنوا المواطن السوري والعربي اليه , وبقي قسم كبير من المال ياتي عن طريق العمالة السورية في الخارج , ويكفي ان نرى اكثر من نصف مليون عامل سوري يعمل في بلد اكلته الحرب الاهلية ومع ذلك فانه استوعب جزءا كبيرا من اليد العاملة السورية الرخيصة , وهذا يعطي الحق ان نقول انه من الواجب على الحزب ان يعيد صياغة مباديءالحزب ودستوره من جديد , وهذا ليس عيبا او بدعا في حياة الاحزاب وعمر الشعوب , والى جانب الحزب الحاكم في سورية فان هناك اتجاها عروبيا قوميا في سورية , وهو اتجاه ليس غريبا على شعب عربي كريم كالشعب السوري , والذي يعتبر نفسه منبع العروبة وعاصمته , والى جانب هؤلاء فان هناك تيارا اخر يميل ميلا شديدا الى التضامن والتعامل بل والى الوحدة مع ايران باعتبارها تقود كما يقول اصحاب هذا التيار صراعا ضد الصهيونية التي يكرهها الشعب السوري , ويتناغم هذا التيار مع فئة طائفية استفادت من التقارب المذهبي بينها وبين النظام الديني المذهبي الحاكم في طهران , ومع هذا الاتجاه فان هناك من يدعوا الى التقارب الشديد مع تركيا خاصة بعد تزعم السيد اردوغان وغول للقيادة التركية , ومصالح سورية تقتضي هذا التقارب والذي اثمر الكثير من الفوائد بين الطرفين وهذا الخط الذي لايتوافق مع الخط الايراني والذي يتعارض مع التفكير الطائفي للبعض ويحمل بعض البغض للدولة التركية كنوع من الكراهية التاريخية , والذي يبدوا في الظاهر انه منسجم معه , مما يضع النظام العلماني في سورية امام مجموعة توافقات مختلفات غريبة , وتشكيلة فسيفسائية من مفارق الطرق بين علمانية ودينية ومذهبية وطائفية مما يعقد القيادة السليمة لبلد ضعيف الموارد محدود الامكانيات كسورية .
اما الجانب الامني وهو الجانب الابرز في السياسة السورية فيبدو انه اشد تعقيدا من الجانب السياسي , فمع ان النظام يعتمد في قيادته السياسية والامنية على كوادر الحزب الواحد , الا ان الكلمة الفصل تبقى بيد الجهاز الامني المخابراتي المتعدد الاقسام والشعب والذي حمل صفات لاتمثل ابدا الروح الطيبة والمرحة التي يتمتع بها الرئيس السوري الشاب , وهذا الجانب الامني يعاني كثيرا من نقص الكوادر والفساد , وهو الذي يطرح الشخصيات القيادية للدولة , وعلينا ان ندرك ان هذا الجهاز والذي تنقصه الخبرة المعلوماتية والتقنية والادارية , انه هو نفسه الذي يوصل القيادات ويرشحها للعب ادوار صعبة في بلد يتوسط العالم كسورية , ولقد انتهى الكثير من قيادات هذا الجهاز الى السجون بسبب الفساد الشديد المتفشي فيه والذي لايتجرأ احد ان ينقده او يشير او يلوح له بادنى اشارة عن الفساد العارم والذي كان يطيح ببلد كامل من اجل استمرار الفساد في هذا الجهاز والذي منح وبسبب فساده وقسوته منح القيادة في سورية سمعة سيئة , بسبب الانتهاكات التي لاتؤيدها قيادة الدولة ولاتوافق على الكثير منها , ولكن سيطرة هذه الاجهزة الامنية على كل المداخل الاعلامية , والامنية وتطويق رئيس الجمهورية بسوار من الفاسدين فقد منح هذا الجهاز الامني سمعة للدولة ظل رئيس الدولة في سورية مستغربا لها ويتسائل عن اسبابها بعد ان صور له ان الكثير من مواطني الدولة على عداء شديد مع الدولة , وكان عليه فقط ان يعرف ان هذه الاجهزة هي من اهم اسباب نقمة الشعب وعزوف الشرفاء عن العمل , وهروب نخبة من ابناء سورية خارجها , وتخوف المستثمرين الذين ماان يقتنعوا بجدوى الاقتراب من الاستثمار في سورية حتى يصطدموا بالواقع الامني الذي يخيفهم فيفروا مذعورين , وامام محاكم امنية وقوانين للطوارئ عفا عليها الزمن , واتهامات مباشرة لكل مصلح بخيانة الوطن فان السمعة العالمية تتدرج في الانحدار مع اصرار هذه الاجهزة على خيانة رئيسهم الذي ائتمنهم على مناصبهم والتي صارت مناصب تاريخية .
ويبدو ان الجانب الاداري في ادارة المرافق في الدولة , هو من اسوأ الادارات في العالم خاصة وان المشرفين على هذا الجهازالاداري الضخم هم من طبقة تنتمي الى الحزب اسما , ولكنها لاتعرف من الحزب الحاكم الا الاسم, يضاف لهم اصحاب النفوذ وما اكثرهم , وهو مايفسر شكوى رئيس الدولة المتكرر منهم بلغت حد الضجر وهو امر يتطلب منه الوقوف بحزم منهم امام تطور وسائل المعرفة وانتشار المعلومة وهذا لايخدم ابد سمعة رئيس يتطلع لتطوير بلده, والاسوأ في ادراة اي دولة في العالم ان لايسوس الدولة ان ارادت اصلاحا وتطورا مجموعة معينة من الناس , وهم المعلم والطبيب والضابط والجاهل , وذلك لان المعلم يتعامل مع مع الشعب على انهم طلاب جهلة , والطبيب على انهم مرضى , والضابط على انهم جنود , والجاهل على انهم افهم منه فيذيقهم مر جهله , ولقد جربت منذ ثلاث سنوات ان اعمل مع مجموعات راسمالية اوروبية من اجل الاستثمار في سورية , وبعد ان ارسلت الدراسة الى وزيرة المغتربين انذاك الدكتورة بثينة شعبان , والتي سارعت بارسال الملف الى رئيس الجمهورية , حيث تعامل مع الملف باهتمام شديد وارسله الى مختصين , ومستشارين , ولكن النتيجة ان الملف وصل في النهاية الى موظف صغير في وزارة الصناعة , وهو امر اصاب المستثمرين بنوع من الهلوسة بسبب هذا الحال المتردي , وسحب العرض من قبل المستثمرين في الوقت الذي اعتبرت فيه ان افضل اماكن الاستثمار المامون حينها في العالم هو في سورية , وهو مااثبتته الازمة الاقتصادية العالمية الحالية , والتي لم تستفد منه سورية الا القليل القليل , ويضاف الى هذه المعوقات بعض الاقارب الذين استغلوا علاقة القرابة من رئيس الدولة فانقلبوا يشيعيون الرعب في اوصال الدولة وهو امر يحاول رئيس الدولة القضاء عليه وكلما قطع راسا برز الف راس .
ومع وجود هذه المعوقات والاختلافات فان سورية تبدو اليوم انها تقف على مفترق طرق معقدة وصعبة وتحتاج الى اعادة صياغة وتشكيل وعلى اسس علمية لاعشائرية.