العبيد

العبيــــــد

الدكتور أبو بكر الإدلبي 

ليس العبيد هم أصحاب البشرة السوداء ، الذين تقهرهم الأوضاع الاجتماعية ، والظروف الاقتصادية ، على أن يكونوا رقيقاً ، يتصرّف فيهم (السادة ) كما يتصرفون في السلع والحيوانات .. لا .. فهذا النوع من العبودية كان قد حرّمه الإسلام قبل أكثر من أربعة عشر قرناً ، واقتلعه النظام الإسلامي من الوجود ، كما حرّمته بعد ذلك كل الشرائع والدساتير والقوانين ، بما فيها قوانين الأمم المتحدة المعمول بها حالياً .

إنما العبيد ، هم الأغنياء مادياً ، البارزين اجتماعياً ، الذين عفتهم أوضاعهم الاجتماعية المرموقة ، وظروفهم الاقتصادية الجيدة من الرّق _ وقد يكون فيهم رؤساء دول وأحزاب وملوك وأمراء _ ولكنهم يمشون إلى الرّق مسرعين ، ويتهافتون عليه طائعين ..!

العبيد ، هم الذين يملكون القصور الشاهقة ، والمكاتب الفاخرة ، والسيارات الفارهة ، وشقق (الديلوكس) المفروشة بأحدث طراز ، ولديهم من الدولارات ما يملؤون بها المصارف والبنوك، ولكنهم مع ذلك يتزاحمون على أبواب ( السادة ) ، ويتهافتون على مجالسهم ، ويرتمون على أعتابهم ، ويضعون _ بأيديهم _ الأغلال في أعناقهم ، والسلاسل في أرجلهم ، ويلبسون ( شارات ) العبودية في مباهات واختيال ، ويرصِّعون ملابسهم بقصب الرّق كما تُرَصّع أثواب الراقصات ..!

العبيد هم الذين ( يحجُّون ) إلى ( البيت الأبيض ) بمناسبة أو بدون مناسبة ، كما يحجُّ المسلمون إلى الكعبة.! ويزدحمون على أبواب ( السادة ) الأمريكان الصهاينة ، كما يزدحم الحجيج عند رمي الجمرات ..!!!

وهم يرون بأعينهم كيف يركل الأمريكيُّ المتغطرس عبيده الأذلاّء في الداخل بكعب حذائه ، وكيف يطردهم من خدمته بدون سابق إنذار أو إخطار .!

ومع ذلك ، فهم يطأطئون هاماتهم ذلاًّ له ، فيصفع أقفيتهم بحذائه ، ويأمر بإلقائهم خارج الأعتاب ، ولكنهم _ بعد هذا كله _ يظلون يتزاحمون على الأبواب ، ويرتمون فوق الأعتاب ، وكلما أمعن ( السيد ) في إذلالهم واحتقارهم ، كلما زادوا تهافتاً كالذباب .!!!

ينشدون ( الأمن ) عند قتلة الأنبياء ، وأكلة لحوم البشر ، ومصّاصي دماء الشعوب .!!

ويستجدون ( السلام ) من محترفي الإرهاب ، وصنّاع الموت ، ومسوّقي الجريمة في العالم .!!

العبيد ، هم الذين ألفوا ( النير ) لا في أعناقهم ، ولكن في أرواحهم ..

وتعودوا على لسع السياط ، لا أقول السياط التي تلهب الظهور ، ولكن السياط التي تذلُّ النفوس وتكبّل الأرواح ..

العبيد ، هم الذين لا ينقادون ل( النَّخَّاس ) من حلقات في آذانهم ، ولكنهم يُقادون بلا نخَّاس ، لأن الذل مزروع في دمائهم ، والعبودية كامنة في أرواحهم ، والأنكى من ذلك ، أنهم يفاخرون بذلك ويتباهون به ، ويسمونه ( عقلانية ) مرَّة ، و ( واقعية ) مرات أخرى .!!!

هؤلاء العبيد الأقزام ، الذين هذه حالهم مع ( الأسياد ) الغرباء ، تراهم فجأة ينقلبون إلى أفاعي وثعابين ، تلسع الشرفاء الأحرار ، وتغرز أنيابها في أجسادهم ، وتقذف بسمومها في دمائهم ، وتنهش من لحومهم وأشلائهم ...!

يتطوعون للتنكيل بالأحرار ، ويتلذذون بتعذيبهم وإيذائهم ، وينفقون أموال السحت الحرام لإحكام الحصار الظالم عليهم ، ويتمايلون طرباً لمناظر الخراب في ديارهم ، ويصفقون لسقوط أطفالهم ونسائهم وشيوخهم تحت القصف المعادي ، كما تصفق جماهير مصارعة الثيران ، عندما يخرُّ الثور صريعاً على أيادي جلاّديه.!!!

إنهم ، وبسبب انطفاء مشاعل النور في أرواحهم ، واستمراء أساليب الذل في حياتهم ، لا يدركون بواعث الأحرار للتحرر ، فيحسبون التحرر تمرداً ، والاستعلاء شذوذاً ، والجهاد في سبيل الله ، وإراقة الدماء من أجل المبادئ ، تهوّراً وجنوناً .!!!

ومن ثمّ ، فهم يصبون جام غضبهم على الشرفاء الأحرار ، الذين يرفضون التعرّي المفضوح مثلهم ، ويأبون المسير في قافلة الرقيق معهم .

ولذلك تراهم يتسابقون إلى إيذائهم ، ويتجرؤون عليهم ، ويتفننون في ابتكار أساليب تجويعهم ، ويستميتون لإطالة أمد الحصار الظالم عليهم ، إرضاءً لسادتهم ، وإشباعاً لغريزة الحقد المدفونة في قلوبهم ، وتمشياً مع عقدة النقص والقزامة لديهم ...!

ولكن ( السادة ) مع ذلك يكرهونهم ، ويملونهم ، ويحتقرونهم ، ويركلونهم بأقدامهم ، ويستبدلون بهم غيرهم ، لأن مزاج الطغاة سريع التبدل ، فقد يدركهم السأم أحياناً من تكرار نفس اللعبة القذرة ، فيعمدون إلى تغيير اللاعبين واستبدالهم ببعض الواقفين على الأبواب .

أخيراً نقول بكل ثقة واعتزاز : إن المستقبل للشرفاء الأحرار ..

المستقبل القريب والبعيد ، للأحرار ، لا للعبيد ولا لأسيادهم ، الذين يتمرّغ أؤلئك العبيد عند أقدامهم ... المستقبل للأحرار الأطهار أهل الإيمان والمبادئ ..

هذا هو وعد الله ، وهذا هو قدره ، وقدر الله غالب ، والله لا يخلف الميعاد ..

بسم الله الرحمن الرحيم (( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ، إنهم لهم المنصورون ، وإن جندنا لهم الغالبون )) الصافات ( 171 ) صدق الله العظيم .

والمستقبل للأحرار ، لأن كفاح الإنسانية في سبيل الحرية ، وسقوط ملايين الشهداء ، ونزف أنهار من الدماء، لن يضيع كله هدراً ..

ولأن حظائر الرّقيق التي هدمها العرب ، وسلاسل العبودية التي حطمها المسلمون قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة ، لن يُعاد بناؤها من جديد ..

وهاهي الشعوب الحرّة في العالم العالم ، تنضم إلى قافلة الأحرار ، التي تقودها طلائع الجهاد العربي الإسلامي في فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان وغيرها من البلاد العربية والإسلامية ..

وهاهم الشرفاء في البشرية ، يلتحقون بموكب النور والحرية ، الذي صنعه الأحرار المجاهدون بدمائهم الزكية ، وتضحياتهم المباركة ..

وهاهم الملايين من عشاق الحرية والنور ، الذين رأوا النموذج الجهاديّ الباهر ، وأعجبوا به ...

هاهم يحتقرون الطغاة والجلادين ، وينفرون من قوافل الرقيق التي يسوقونها ، ويلتحقون بموكب الحرية والأحرار ... ولو شاء العبيد لانضموا إلى الموكب أيضاً ، لأن قبضة الجلادين ، لم تعد من القوة بحيث تمسك بالزمام ، ولأن خطام العبودية ، لم يعد من القوة كذلك ، بحيث يقود قافلة العبيد ، لولا أن العبيد هم الذين يمشون إلى الحظيرة بأرجلهم ، ويضعون الخطام في أنوفهم بأيديهم ...!!!

إن موكب الحرية يسير ، وعبثاً يحاول الجلادون تعطيل مسيرته ، أو إعاقته بإطلاق شراذم العبيد عليه ، ولن تفلح سياط الجلادين في النيل من كبرياء الأحرار وعزّتهم وشموخهم حتى ولو مزًّقت جلودهم ...!!!

ولن يرتدًّ _ بعون الله _ موكب الحرية بعدما حطم السدود ، وأزال الحدود ، ورفع الصخور ، ولم تبق أمامه إلا حفنة من الأشواك ...!

إنما هي جولة بعد جولة ، والنصر مع الصبر ، والعاقبة للمتقين ...

نعم ... قد تؤخر شراذم الرقيق ، موكب الحرية لبعض الوقت ، وقد تسبب له لكماتهم الخسيسة والجبانة بعض الجروح ، وقد تسيل منه بعض الدماء ، وقد يسقط له بعض الشهداء .!!!

ولكن القافلة تسير ، غير عابئة بنباح الكلاب ، وسيصل الموكب المبارك _ بإذن الله _ إلى برِّ العافية ، وشاطئ الأمان ...

بسم الله الرحمن الرحيم (( ويسألونك متى هو .!؟ قل : عسى أن يكون قريبا )) صدق الله العظيم