مصر السيسي صورة مستنسخة من سورية الأسد
محمد فاروق الإمام
لقد عانينا نحن في سورية من إرهاب الدولة نحو أكثر من نصف قرن في غياب وسائل الإعلام وصمت المنظمات الدولية لحقوق الإنسان الخاصة والأممية، وصم آذان الدول التي تدعي الحرية والديمقراطية ومراعاة حقوق الإنسان عما كان يجري في سورية وما يرتكبه النظام ضد السوريين من مذابح وجرائم وقمع فاق ما كان يحدث أيام محاكم التفتيش والنازية، في ظل تعتيم إعلامي ممنهج جعلت أجيال ممن توالدوا في ظل النظام السوري لا يعلمون إلا الشيء النذير مما كان يقترفه من مظالم وبوائق بحق الآباء والأجداد، وكل ذلك لأن النظام كان يمسك بيده كل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية والتي كان يسخرها لطمس الواقع المر الذي كان يعيشه المواطن السوري في عهد دولة الصمود والتصدي التي اخترعها نظام الأسد ليرتكب كل آثامه وبوائقه بحق الشعب السوري تحت شعار مكافحة الإرهاب وبالتالي اختزاله لهذه الجمهورية العظيمة بشخصه (سورية الأسد).
واليوم تتكرر المأساة في مصر حيث يشرعن إرهاب الدولة على يد الانقلابيين الذين انقضوا على الثورة والشرعية في وضح النهار وأمام أنظار العالم ووسائل إعلامه المتنوعة وصرخات منظمات حقوق الإنسان الخاصة والدولية في تحد لم يجاريهم في ذلك إلا الكيان الصهيوني المحمي والمدعوم بالفيتو الأمريكي والنظام السوري المدعوم بالفيتو الروسي، فقد كان آخر صرخات المنظمات الدولية المنددة بقمع الانقلابيين في مصر صرخة منظمة "هيومن رايتس ووتش" التي كشفت بالدلائل والقرائن بوائق نظام السيسي الجديد وآثامه بحق المصريين تحت غطاء مكافحة الإرهاب والحفاظ على أمن الدولة المصرية، وقد باع بعض سياسيي مصر ومثقفيهم وإعلامييهم ويعض المعممين ونفر من القضاة أنفسهم للشيطان ليكونوا أداة بيد السيسي يسوغون كل ما يفعله ويسوقون كل ما يقوم به، ويطنبون بالمديح له صباح مساء.
ففي سابقة هي الأولى من نوعها وجهت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، الدولية لحقوق الإنسان اتهاماً صريحاً وجريئاً تتهم فيه قوات الأمن المصري بتنفيذ "واحدة من أكبر عمليات قتل المتظاهرين في العالم خلال يوم واحد في التاريخ الحديث"، وذلك في فضها اعتصام رابعة العدوية لأنصار الرئيس الشرعي لمصر محمد مرسي في 14 آب العام الماضي.
جاء ذلك في تقرير أصدرته المنظمة الحقوقية الدولية يوم 12 آب 2014 يحمل عنوان "حسب الخطة: مذبحة رابعة والقتل الجماعي للمتظاهرين في مصر"، وجاء هذا الاتهام بمناسبة مرور عام على فض قوات الأمن اعتصامي "رابعة العدوية" و"النهضة"، في 14 آب 2013.
وتقول المنظمة الدولية إن التقرير الذي يتألف من 195 صفحة، "يوثق كيف فتحت قوات الشرطة والجيش المصري النار بالذخيرة الحية بشكل ممنهج على حشود من المتظاهرين الرافضين لتمرد الجيش والانقلاب على الرئيس الشرعي محمد مرسى في 3 تموز عام 2013، خلال ست مظاهرات في شهري تموز وآب عام 2013، والذي أسفر عن قتل 1150 شخصا على الأقل، دون أن يخضع أحد للمساءلة القانونية بعد مرور عام على المذبحة.
ويتضمن التقرير دراسة تفصيلية لتخطيط وتنفيذ فض اعتصام ميدان رابعة العدوية، حيث نظم عشرات الآلاف من أنصار مرسي بينهم النساء والأطفال اعتصاما مفتوحاً سلمياً، في الفترة من 3 تموز إلى 14 آب، للمطالبة بإعادة مرسي.
واستخدمت "رايتس ووتش" صور الأقمار الصناعية في ليلة واحدة من أيام الاعتصام، 2 آب، لتقدير أن ما يقرب من 85 ألف متظاهر كانوا في الميدان في تلك الليلة.
وقالت إنه "في 14 آب، هاجمت قوات الأمن مخيم احتجاج رابعة من كل مداخله الرئيسية، وذلك باستخدام ناقلات الجنود المدرعة والجرافات، والقوات البرية، والقناصة. وفتحت النار على الحشود الكبيرة، ولم تترك مجالا للمتظاهرين للخروج الآمن لنحو 12 ساعة، وفي نهاية اليوم، أُضرِمت النيران في المنصة المركزية، والمستشفى الميداني، والمسجد، والطابق الأول من مستشفى رابعة".
وفي تقريرها، اعتبرت المنظمة أن "القتل الممنهج والواسع النطاق لنحو 1150 على الأقل من المتظاهرين على أيدي قوات الأمن المصرية في شهري تموز وآب عام 2013، ربما يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية". وأضافت أنه "خلال فض اعتصام رابعة العدوية في 14 آب، قتلت قوات الأمن ما لا يقل عن 817 شخصاً، وربما من المرجح أكثر من 1000" شخص.
ووفقا للتقرير، استندت المنظمة في آليات التحقيق على "دراسة أدلة تشمل التحقيقات في كل مواقع الاحتجاج أثناء فض الاعتصام أو بعد فضه مباشرة، ومقابلات مع أكثر من 200 شاهد، من بينهم المتظاهرين والأطباء والصحفيين والسكان المحليين، واستعراض الأدلة المادية، وساعات من مقاطع التسجيلات المصورة، وتصريحات المسؤولين الحكوميين".
ومضت المنظمة قائلة: "بعد مرور عام، لا تزال قوات الأمن تنكر ارتكاب أي مخالفات، وفشلت السلطات في محاسبة ضابط شرطة أو جندي واحد عن أي من عمليات القتل غير القانونية، ناهيك عن أي مسؤول عن إصدار الأوامر لهم، والاستمرار في قمع المعارضة بوحشية".
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه "في ضوء استمرار الإفلات من العقاب، هناك حاجة إلى إجراء تحقيق دولي ومحاكمة المتورطين. وينبغي للدول تعليق المساعدات العسكرية وتلك الخاصة بسلطات إنفاذ القانون إلى مصر لحين إقرارها تدابير لوضع حد لانتهاكاتها الخطيرة للحقوق".
وحدد التقرير مسؤولين أمنيين كبار، وقادة بارزين في تسلسل القيادة الذين ينبغي التحقيق معهم، حيث توجد أدلة على المسؤولية، واعتبارهم مسؤولين بشكل فردي لتخطيط وتنفيذ أو الفشل في منع عمليات القتل المنهجية واسعة النطاق للمتظاهرين خلال شهري تموز وآب عام 2013.
وكان من أهم ما ذكر التقرير من أسماء من يجب التحقيق معهم:
•وزير الداخلية (الحالي) محمد إبراهيم، الذي وضع خطة التفريق، وأشرف على تنفيذها، وأقر بأنه "أمر القوات الخاصة بالتقدم وتطهير مباني رئيسية في قلب ميدان رابعة".
• وزير الدفاع آنذاك، عبد الفتاح السيسي، الذي كان يتولى قيادة القوات المسلحة، التي فتحت النار على المتظاهرين يوم 5 و8 تموز، والذي أشرف على الأمن في البلاد كنائب رئيس الوزراء للشؤون الأمنية، واعترف بقضاء "عدد كبير جدا من الأيام الطويلة لمناقشة كل تفاصيل فض اعتصام رابعة".
• رئيس القوات الخاصة وقائد عملية رابعة، مدحت المنشاوي، الذي تفاخر بأنه قال للوزير إبراهيم من ميدان رابعة صباح يوم 14 آب "سنهاجم مهما يكلفنا الأمر".
فإذا كان غياب وسائل الإعلام وصمت المنظمات الدولية لحقوق الإنسان ولا مبالاة دول العالم عما حدث في سورية من مذابح وجرائم ارتكبها النظام السوري بحق مواطنيه بين عامي 1964 و 1984 هو ما شجع ذلك النظام على ارتكاب ما ارتكبه في الماضي وما يرتكبه اليوم بحماية الفيتو الروسي، فها هي وسائل الإعلام المنوعة تفضح النظام المصري وتعريه، وهذه هي المنظمات الدولية تكشف أوراقه وخباياه، والعديد من الدول وفي مقدمتها أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي تندد بقمع النظام المصري لمواطنيه المتظاهرين السلميين، فهل سيجد المسحوقين والمقموعين في مصر من هذا العالم من ينصفهم من السيسي ورجال أمنه الذين تغولوا على شباب مصر ورجالاتها وأحرارها، ويعيدوا الشرعية التي ارتضاها الشعب المصري بملء إرادته، ويخضعوا الانقلابيين لمحاكمة عادلة تكون درساً لكل من تسول له نفسه القفز على الشرعية والانقضاض عليها وتحت أي شعار كما فعلت مع العديد من دول العالم التي قفز فيها الانقلابيون على الشرعية أم سنجد مصر السيسي في قابل الأيام صورة مستنسخة من سورية الأسد؟!