أسباب إخفاقات الثورة في إسقاط النظام
أسباب إخفاقات الثورة في إسقاط النظام
محمد فاروق الإمام
لعل من الواجب علينا أن نعترف بإخفاق الثورة وعدم تمكنها من إسقاط النظام وإطالة عمره لأسباب لم تعد خافية على أحد، وفي مقدمة هذه الأسباب وأخطرها إقحام البعض لشعاراته الفكرية والإيديولوجية، وطعن البعض بالبعض على خلفيات مناطقية وعقائدية، واتهام البعض للبعض بالخيانة والغدر والأنانية وحب الذات والاستئثار ونهب المال العام والخاص والفرقة والتنافر والتنابذ، حتى التبس ذلك الأمر على عامة الناس واختلط لديهم الحابل بالنابل دون معرفة الصادق من الكاذب.
وكلنا يعرف أن الثورة انطلقت ثورة عفوية شعبية بلا أية خلفيات إيديولوجية أو مناطقية أو دينية أو عرقية أو مذهبية أو طائفية، تحمل شعارات جامعة لكل السوريين.. تنشد الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية التي يتفق عليها الجميع، ولا يختلف عليها أي طيف من أطياف المجتمع السوري المتنوع والمتعدد، متفقين على مبادئ أساسية ينشدها كل السوريين، وكانت شعاراتهم التي يرددونها في كل مظاهراتهم: "الشعب السوري ما بينزل"، "الشعب يريد إسقاط النظام"، "واحد واحد واحد الشعب السوري واحد".
وكنا نسمع أو نشاهد كيف أن المسيحي ينتظر صديقه المسلم عند باب المسجد حتى ينتهي المصلون من صلاة الجمعة ليتظاهر معهم ويهتفوا سوياً بصوت واحد مطالبين بإسقاط النظام،
وكيف كان ابن الريف يذهب إلى المدينة ليشجع شبابها على التظاهر، وكيف كان ابن المدينة يذهب إلى الريف ليشارك الشباب في التظاهر، وكيف كان الشاب العلماني ينام مع الشاب الإسلامي في بيت واحد متخفين من أجهزة الأمن ليجهزوا اللافتات ويكتبوا الشعارات الجامعة لكل السوريين ويوثقوا المظاهرات ويرسلوها للعالم الخارجي.
وكان الشاب الدرزي يرفض الالتحاق بالجيش الأسدي لقتل أهل السنة. وكان في مقدمة المعارضين للنظام صراحة وعلناً ابنة قائد الثورة السورية سلطان باشا الأطرش وهي من الطائفة الدرزية، والجميع يذكر موقف الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ونداءاته المتكررة لدروز سورية بالانسحاب من الجيش الأسدي.
وكان أول صوت أنثوي سوري لسيدة دمشقية غير محجبة تخرج عن صمتها تظهر على "bbc" هي رزان زيتونة "المخطوفة عند الدولة الإسلامية الآن" فكانت تفضح النظام المجرم، وتوثق الجرائم التي يرتكبها، في وقت كان بعض خطباء المساجد والعديد من المعممين وعلماء السلطان يقومون بخدمة النظام والتعاون مع قوات الأمن للقبض على الشباب الثائر، كما أننا لا يمكن أن ننسى الأب باولو الإيطالي الذي قتل على يد الدولة الإسلامية، ولا يمكن أن ننسى بلاءه الحسن في وسائل الإعلام وفضحه جرائم النظام وقمعه للمتظاهرين السلميين.
والأمثلة كثيرة على شمولية الثورة من بداياتها وانخراط كافة شرائح المجتمع الفكرية والإيديولوجية والدينية والعرقية والمذهبية والطائفية فيها.
لكن عندما انزوت الثورة بتوجهها الفكري وانحسارها بالتيار الإسلامي وهو الهدف الذي عمل عليه النظام بكل الوسائل، وبدأت تأخذ طابعاً خاصاً متشددا كإقامة خلافة إسلامية.. وفرض أمور على الشعب السوري المتعدد الأطياف والأديان والأعراق والمذاهب والطوائف؛ دخل إليها كثير ممن ليسوا منها واختلط الحابل بالنابل وتظاهر البعض بالمظهر الإسلامي، ولم يكن من أهدافهم رفع الظلم ولا إسقاط النظام وأطلقوا شعارات مختلفة تماما عن الشعارات الأولى وهذا ما أراده النظام المجرم من اليوم الأول للثورة، وبالتالي انقلب الجميع عليها بما فيهم الداعمين والمؤيدين لها، لتخسر الثورة أهم الأصدقاء فيما بعد.
ومن منا لا يذكر الكاهنة بثينة شعبان التي كانت أول من روج لهذا الامر عندما حذرت من إمارات إسلامية وحرب طائفية وقتل على الخلفية الفكرية.
وإنني أجد أن الحل يكون بعودة الثورة إلى نقائها وعفويتها وأصالتها بعيداً عن الإيديولوجيات والأفكار المتطرفة من أي نوع وأي شكل بحيث تكون الثورة ثورة الشعب السوري بكل فئاته وأطيافه وألوانه التي زينت فسيفساء بلاد الشام على مر العصور.
وبعد إسقاط النظام ورحيل الطاغية لنحتكم جميعاً إلى صناديق الاقتراع والقبول بنتائجها لأنها ستكون قرار شعب ناضل وكافح وقدم آلاف الشهداء ومن حقه أن نحتكم إليه ونرضخ لإرادته، وفاء للدماء التي سفحت لتعبد طريق الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وعلينا جميعاً أن لا نستعجل الخواتيم فمن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه.
وختاماً نقول لأولئك الذين ينادون بقيام الخلافة الإسلامية، التي يريدها كل مسلم ويحلم بها، أن هناك سنن كونية في التدرج إلى قيامها ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة والنبراس، فقد أقام النبي الرحيم المجتمع المدني في دولته الفتية في المدينة، وسن قوانين الحياة والتعايش بين سكانها وأهلها وبدوها وحضرها من أعراب ومشركين ومنافقين ومسلمين وأنصار ومهاجرين، فعاش كل هؤلاء في ظل قانون ودستور سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يظلم في ظله أحد ولا يجور على أحد ولا يقصي أحد ولا يحابي أحد فالكل سواء أمام أحكامه، ولم يفرض على أحد أسلوب حياة أو اعتقاد فلا إكراه في الدين، ومن خلال المعاملة الحسنة والدعوة إلى الله بالتي هي أحسن تحول المجتمع المدني إلى مجتمع مسلم في أقل من عشر سنوات، وانطلقت جحافل الفتوح فيما بعد إلى أصقاع الأرض تحمل رسالة الإسلام القائمة على العدل والمساواة ورفع الظلم وتحول الناس من عبادة الناس إلى عبادة الواحد القهار، لتقام للإسلام أعظم دولة امتدت من أسوار الصين حتى أبواب باريس في زمن قياسي لم تعرفه البشرية في تاريخها (30 سنة).