القاهرة

القاهرة

بقلم: د.أبو بكر الشامي

إن العاصمة الوحيدة في العالم اليوم التي يليق بها هذا الاسم باستحقاق عال هي ( بغداد العروبة والإسلام). فلقد ملأت قلوب العرب والمسلمين عزاً وفخراً ، كما ملأت قلوب الصهاينة والأمريكان حنقاً وقهراً ، بما حباها الله به من فتية مؤمنين ، ومجاهدين صادقين ، غسلوا عار المهزومين ، وفقؤوا أعين المتآمرين ، وفجروا براكين الغضب على المحتلين ،وأحيوا مآثر النضال والجهاد في أجدادهم ابتداءً من الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين,ومروراً بالقائد المظفر صلاح الدين ، وانتهاءً بصناديد ثورة العشرين ، رضي الله عليهم أجمعين  ..
لقد أيقنت الصهيونية الغادرة ، تدعمها الآلة الأمريكية الفاجرة ، بأن فرصتها للسيطرة على العالم ، وتطويع البشرية لأحلامها الخبيثة ، وعقليتها المتعجرفة ، وعنصريتها المقيتة ، قد باتت وشيكة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق ، وانتهاء الحرب الباردة ، فأسرعت لاحكام قبضتها على المنطقة العربية لما لها من أهمية ستراتيجية إقليمياً ودولياً .

وتحركت في سباق محموم مع الزمن لبسط هيمنتها على خيرات المنطقة وخياراتها ، قبل أن يمر الوقت الكافي لكي يصحو الغرب من سكرته ، أو يفيق الشرق من غيبوبته ، أو يتمكن الاسلام السياسي من القفز الى سدة الحكم في المنطقة ، فبدؤوا ببغداد الحبيبة ، حصن العروبة وقلعة الإسلام ، حيث حاكوا ضدها  المؤامرات ، وفرضوا عليها الحصارات ، وألقوا عليها آلاف الأطنان من المتفجرات ، بقصد تركيعها وجعلها بوابة سهلة إلى أحلامهم المريضة ، ومخططاتهم الخبيثة ،  فكانت المفاجأة المذهلة ، والمعجزة المقدرة ، اذ وقفت بغداد العروبة والإسلام مستجمعة كل ما لديها من رصيد عربي واسلامي لتصد هذه الهجمة العاتية وتحبط تلك المخططات الخبيثة .

وتطاول العراق بهامته الشامخة مستحضراً كل ألق التاريخ وأمجاد الماضي ، وأمسك بيديه الجبارتين جدار الأمة المتصدع وسد العرب المتخلخل ليمنعه من السقوط والانهيار ، الذي لو حدث لا قدر الله لعم الطوفان الصهيوني المنطقة كلها ، ولأغرق الحقد الأمريكي العالم بأسره .

ولذلك فقد جاء الحقد الصهيوني والأمريكي على بغداد بهذا المستوى من الضخامة والبشاعة ، وجاء أكبر بكثير من إمكاناتها كعاصمة شرقية متواضعة ، وكبلد من بلدان العالم الثالث ، ليوازي حجم الوقفة التاريخية الجبارة التي وقفتها ، وليعكس مدى الحنق والغيظ والقهر الذي طفحت به قلوبهم الحاقدة على بغداد التي فوتت عليهم أعظم فرصة تاريخية للسيطرة على المنطقة ومن خلالها على العالم .

وايم الله  .! لو أن ما سلطته الصهيونية وأعوانها وأذنابها على بغداد الصابرة المؤمنة من الحقد والشر والهمجية ، لو أنه كان سلط على الجبال الراسيات لاندكت ...!!!

ولكن بغداد الحبيبة خرجت _بحمد الله _من بين الأنقاض شامخة عزيزة أبية …

وحمل أبناؤها المؤمنون الغيارى من أهل التوحيد الخالص ، يعاونهم إخوانهم الغيارى من أبناء العروبة والإسلام ، ونخص منهم الأبرار الأطهار من أبناء الشام النجباء ، حملوا سيوفهم البتارة ، وامتطوا صهوات خيولهم اليعربية الأصيلة ، وفي مثل لمح البصر ، نظموا صفوفهم ، وحركوا كتائبهم ، وتصدوا للغزاة البرابرة من الأمريكان والصهاينة والإنكليز وأذنابهم من المنافقين والمتآمرين والخونة من أحفاد ابن العلقمي، فأشعلوا الأرض لهيباً تحت أقدامهم ، وأمطروا السماء صواعق مواحق فوق رؤوسهم ، وأسقطوا طائراتهم ، ومزقوا دباباتهم ومدرعاتهم ، ونثروا أشلاء جنودهم المرتزقة حتى شبعت منها الكلاب ...!!!

حتى بات أولئك البرابرة الأوباش يلعنون اليوم العاثر الذي ورّطتهم فيه الصهيونية الغادرة في هذا الأتون المحرق ، وكانوا قد حسبوها نزهة للصيد ، أو فلماً بوليسياً من أفلام رعاة البقر ...!!!!

وكما وقف رسول هذه الأمة وقائدها الأول محمد صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرناً في خندق العز والإيمان وهو يواجه حشود الأحزاب من المشركين واليهود والمنافقين في معركة الخندق ، ليبشر المؤمنين بفتح قصور الروم ومدائن كسرى ، بالرغم من شدة الكرب وهول الموقف الذي كان يعيشه المسلمون ، والذي عبر عنه القرآن الكريم بعباراته المعجزة فقال :

(( إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم ، وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر )). الأحزاب .

أقول : وكما وقف النبي صلى الله عليه وسلم وسط هذا الهول المزلزل ، ليبشر الأمة بالفتح ، ويعدهم بالنصر .

كذلك فقد وقف المجاهدون ، فوق أكوام الهدم ، وأنقاض الردم ، التي خلفها عدوانهم البربري الحاقد على بغداد الحبيبة الجميلة ، ليبشروا العراقيين والأمة كلها بفتح الله المبين ونصره الناجز ، ويبشروا الإنسانية كذلك بميلاد حقبة جديدة في حياة البشرية …

حقبة ، ينـزاح فيها الشر عن قمة الهرم العالمي ، ويتدحرج الكفر والظلم ليهوي بأهله في مكان سحيق . ويشرق فجر إنساني جديد ، تكون فيه لقيم الخير والحق والعدل والفضيلة مكانة مرموقة تحت الشمس  …

بسم الله الرحمن الرحيم (( ويسألونك متى هو ؟ قل : عسى أن يكون قريباً )) …صدق الله العظيم