أمريكا من الداخل
بقلم: مصطفى إبراهيم عبدان*
سمعت وقرأت أكثر من مرة أن القوة الأمريكية. أخطأت في قصف بعض الأهداف المدنية في
أفغانستان ورأيت المناظر التي تقشعر لها الأبدان، فمن قصف قوافل الصليب الأحمر إلى
قوافل الإغاثة إلى تدمير المنازل فوق رؤوس أصحابها إلى معاملة عناصر القاعدة
وطالبان خارج قانون أسرى الحرب إلى...إلى... فقلت في نفسي على أي أساس تقوم هذه
السياسة؟ وهل هي من قبيل الخطأ أم هي سياسة متعمدة؟
وأترك القارئ الكريم يحكم بذلك:
1ـ عندما أنشئ مجلس الأمن القومي الأمريكي صدر قانون باسمه رقم80-453 وقد نص على إنشاء مجلس للأمن القومي تابع لرئيس الجمهورية ومقره في البيت الأبيض ومهمته"أن يعمل بكل الوسائل وبواسطة وكالة المخابرات المركزية وغيرها من أجهزة الأمن القومي التي يقتضي الأمر إنشاءها – على تحقيق الأهداف السياسية والعسكرية للولايات الأمريكية على مستوى العالم، وله أن يتخذ الخطط والعمليات التي يراها كفيلة بتحقيق أهدافه ". ولم يضع هذا القانون قيداً على حرية العمل المباشر مهما كان نوعه وحجمه غير قيد واحد هو أن يكون نشاطاً موجهاً بحيث يمكن للرئيس الأمريكي- في كل الأحوال- أن ينفي بطريقة معقولة أية مسؤولية مباشرة له عن هذا النشاط إذا ما حدث وانكشفت أسراره جزئياً أو كلياً وأطلق على هذا القيد القانوني(Plausibe deniability ) أي النفي القابل للتصديق... أما اللجنة التي أشرف عليها الرئيس الأمريكي "هوبرت هوفر"وتم تقديمها إلى الرئيس ترومان في أواخر1951 ما نصه بالحرف"وفي حربنا معه فليست هناك قواعد تستحق الالتزام بها سواء من ناحية السلوك الإنساني أو الأخلاقي. فإذا كان على الولايات المتحدة أن تنتصر في هذه الحرب، فإن القيم التقليدية للتعامل العادل يجب أن يعاد النظر فيها ومن المحتم علينا أن نتعلم دروس الانقلاب والتخريب وتدمير أي عدو بطرق أكثر مهارة وأشد تعقيداً من أية طرق قد تستخدم ضدنا"(من كتاب الانفجار 1967 للأستاذ محمد حسنين هيكل صفحة102)
أي أن المصلحة ليس أمامها أي قيد أو رادع، فمتى وجدت المصلحة وجد القانون والتصرف الذي يحقق الهدف. هذا التصرف أصبح يعرف"السوسيوباتيكي" كما يسميه علماء النفس، ويعني ذلك أن من أخطأ بحق شخص ما أو جماعة من الناس يقنع نفسه أنه هو المعتدى عليه، وليس ضحيته.
2ـ أما المقال الذي نشره الأستاذ محمد حسنين هيكل في جريدة السفير اللبنانية (2/10/2001) تحت عنوان "حريق أمريكي وعالمي"ففيه يذكر هيكل أنه كلف كل من الجنرال روبرت ايفاني والجنرال شيلتون منذ1995 بدراسة التهديد والخطر اللذين تواجههما الولايات المتحدة الأمريكية في المستقبل حتى توصلا في نهاية ولاية كلينتون (2000)وبداية إدارة بوش(2001) إلى وضع استراتيجية رأوها كافية من هذه الاستراتيجية يقول الأستاذ هيكل في مقالة" إنه إذا كان العدو في الحرب "غير المتوازنة " مهيأً لأن يفكر فيما لا يجوز التفكير فيه فكذلك يجب أن يفعل المضمون بمواجهته. وإذا كان ذلك العدو يستعير في عملياته الهجومية صفحات من كتاب الجنون فإن الدفاع ضده عليه أن يستعسر فصولاً كاملةً من نفس الكتاب- كتاب الجنون- والدفاع في هذه الحالة يتصرف داخل حدود الشرعية..."
3ـ وهذا التصرف والدعوة إلى أي عمل في مواجهة العدو لم يقتصر على الفئة السياسية الأمريكية في تأييده، بل له أنصاره في الفئة المثقفة وأساتذة الجامعات، ومن سموا جماعة الواقعيين في أمريكا، وهم يبررون كل الطرق التي تؤدي إلى الهجمة الأمريكية على العالم، حيث توصل العديد منهم لمناصب رفيعة في الجامعات وفي الحكومة الأمريكية، وموجز ما بشروا به، وما زالوا يبشرون، هو إن كان لشعب أو دولة قوة عسكرية أو اقتصادية أو غيرها فليستعملها ولا يكترث إن كان استعمالها أخلاقياً أم لا، إذ يقول( جورج كينان) وهو واحد منهم، وصار هذا سفيراً للولايات المتحدة في موسكو بعد الحرب العالمية الثانية:"إن فكرة الخطأ والصحيح أو الظلم والإنصاف لا يجب أن تدخل في مجرى العلاقات الدولية "، ويرى لرأي نفسه واقعي آخر وهو يهودي من أصل ألماني، واسمه (هانز مورجنينو) والذي أصبح كتابه "العلاقات الدولية" متداولاً في كل جامعات أمريكا تقريباً حيث يقول " إن المصلحة الوطنية هي المقياس الوحيد للأخلاقية السياسية ".وشجع هذا استعمال القوة العسكرية وشتى الطرق بدون أي تردد في سبيل إحراز "المصلحة الوطنية"، أما" لا أخلاقية كيسنجر وواقعيته، فهي معروفة كل المعرفة وخاصة عند أهل فيتنام كيسنجر الذي أباد الملايين منهم نتيجة نصائحه للرئيس الأمريكي"الذي وعد نفسه بإعادة فيتنام للعصر الحجري "من قبل ومن بعد ما أصبح كيسنجر وزيراً للخارجية. واسمع هذا اليهودي ما يقوله في حرب أفغانستان:"لكن أي حكومة تؤوي مجموعات تقوم بهجوم مماثل يجب أن تدفع ثمناً باهظاً بغض النظر عما إذا ثبت تورطها في هذا الهجوم أم لا...إلا أن الحكومة يجب أن تعنى بتوجيه رد نظامي سوف ينتهي – على ما نأمل- بالطريقة على ما انتهى فيها على بيرل هاربر: أي تدمير النظام الذي كان مسئولاً عن ذلك"(النهار14/9/2001). وأسأل هنا:ماذا لو أن دولة معادية لأمريكهذا. عداوة مع دولة أخرى وزرعت هذه الدولة مجموعة إرهابية في تلك الدولة المعادية لها، وقامت هذه المجموعة بضرب هدف في أمريكا ألم يكن حسب قانون كيسنجر أن تقوم أمريكا بضرب هذه الدولة، وإزالة نظامها، وهي لا تعرف شيئاً عن هذه المجموعة والدولة المعادية لأمريكا بقيت سالمة والمعروف قانونياً أن العقاب يجب أن يساوي الجريمة، فالذي يقتل شخصاً غير جرحه، لكن منطق كيسنجر غير ذلك فالذين قتلوا في هاربر لا يتجاوز عددهم (2500شخص) بينما ضحايا هيروشيما ونكازاكي أكثر من (150.000 )قتيل غير آثارها السلبية حتى يومنا هذا .إن كيسنجر يريد من الدول الآن أن تكون الحارس على أمن أمريكا.
أما (توماس فريدمان) اليهودي الصهيوني فقد كتب تحت عنوان (من أجل العدالة والأمن.. دعونا نمارس بعض الجنون) يقول"إننا ومنذ هذه اللحظة سنفعل كل ما تقتضيه الضرورة للدفاع عن نهجنا في الحياة..وأقول لهم – مخاطباً بوش وأعوانه – كونوا إرهابيين، ودعوا أفعالكم تتحدث عنكم، فهذا أفدح ثمناً، وأبلغ إرهاقاً للعدو".
هذا اليهودي الصهيوني يدعوا إلى تطبيق قرار لجنة الجنرال إيفاني وشيلتون المذكورة سابقاً، أما السيناتور (ليبرمان) وهو يهودي وهو الذي قدم كتائب الأغوار على أنه من الجرائم وهو يعارض الحرب إلى درجة أنه هرب من حرب فيتنام للدراسة في جامعة (يال) فدعا مع كل المتطرفين من أنصار إسرائيل إلى ضرب العراق ناسياً نتيجة الحصار أو موت أكثر من مليون طفل عراقي حيث يقول: طالما أن صدام حسين هناك فالعراق يكون شوكة حلقنا، بل تهديداً لحياتنا " وأترك القارئ أن يجيب هل صدام حسين يهدد أمريكا أم يهدد إسرائيل؟
وجاء في كتاب (الخيانة العظمى) لمؤلفه "ألبيركان، الجزء الأول، حكم الإرهاب، صفحة 40" حيث يقول" يعلن (ألبير ن.لفنتري)أمين سر ولاية ماساشوستر في حديث له عن الرجال والنساء المعتقلين ":لو كنت أستطيع التصرف كما أريد لاقتدت كل صباح عدداً من هؤلاء الوحوش لكي أقتلهم رمياً بالرصاص، ثم أعمد في اليوم التالي للقيام بالإجراءات الخاصة كي أتثبت من إجرامهم ". ألم يقم الآن الرئيس بوش، وهو يملك التصرف، بضرب أفغانستان قبل أن يعطى أي دليل أي قبل بثه شريط بن لادن، وهذا الشريط في رأي الكثيرين مزور.
وأعود إلى الواقعية والتبشير بها بعد الحرب العالمية الثانية، حيث دخلت الواقعية في قاعات الكنائس الأمريكية، ومن أشهر المبشرين بها الكاهن المسمى (راينهولت نيبور) حيث جاء في كتابه "الإيمان والسياسة عام 1968 " ( وأنه من الواجب على الولايات المتحدة أن تتدخل في شؤون العالم... إذ أن ما تراه أمريكا هو لمصلحة العالم، وإن قوة أمريكا ومصلحتها هي مصلحة العالم... ولا يجب علينا أن نتردد في استعمال القوة... أو نصغي لشعارات الشعوب الضعيفة، التي تكثر من التهجم على الاستعمار) ولذلك عندما سئل (جاك سترو) وزير خارجية بريطانيا: لماذا لم توقفوا ضرب قوات الإغاثة في أفغانستان ؟ أجاب: نعمل ذلك من أجل مصلحة الأفغانيين!! .
والغريب أن الكثير من الواقعيين –إن لم يكن معظمهم- هم ممن لجأوا مؤخراً للولايات المتحدة، إما من اضطهاد هتلر، أو اضطهاد الدكتاتوريات لهم في أوروبا، والكثير منهم يهود، وصار عند هؤلاء انفصام فكري لا مثيل له.
هذه الفلسفة والدعاية التي قامت عليها جماعة الواقعيين، وهي بإقناع الأمريكيين أنفسهم أنه يحق لهم التدخل بشؤون غيرهم طالما لهم مصلحة في ذلك ويملكون القوة. وقد صاغوها تحت غطاء بعض المبادئ كحقوق الإنسان والاضطهاد الديني "العنصري". في ظاهرها تبين وكأنها مثالية تخدم الشعوب، ولكنها في الواقع مجرد حجة لكي تتدخل أمريكا في شؤون الدول الأخرى، ومن هذه المبادئ:
1) مبدأ(فرو) 1923 حيث أعلن الرئيس الأمريكي فيها هجز فرو"أن الولايات المتحدة الأمريكية ترفض التدخل الأوروبي في شؤون الأمريكيتين، وخاصة ما يخل باستقلال البلدان..."وذلك على أثر استقلال معظم بلدان أمريكا الجنوبية، من البرتغال، ومن إسبانيا.
2) مبدأ (ثيودور روزفلت) الملحق لمبدأ فرو"فيه أعلن روزفلت هذا رئيس أمريكا عام 1904 أن تعدد الأخطاء في بلدان أمريكا اللاتينية سترغم الولايات المتحدة الأمريكية على التدخل بالقوة إن لزم الأمر لإصلاح الأمور هناك ".
3) مبدأ وودورولسن) حيث أعلن ولسن مبدأه الذي قال فيه:"إن الولايات المتحدة لن تمد يد الترهيب لأي نظام في أمريكا اللاتينية جاء للسلطة عن طريق العنف والغدر". أعلن هذا المبدأ بعد انقلاب عسكري جرى في المكسيك عام 1913، وحكم المكسيك قبل ذلك ولمدة 34 سنة دكتاتور فاسد اسمه (بورفور دياز) وكان هذا محبباً ومقرباً لواشنطن، ومعروف لدينا ما قيل عن الدكتاتور (بوشنيه) الآن، وما ظهر من جرائمه بعد أن زال عن الحكم والذي كان مدعوماً من واشنطن ولا تنس أن تذكر أن حاكم باكستان الحالي جاء على رأس دبابة بعد الانقلاب الذي قام به ضد الحك الديمقراطي وهو حكم من حلفاء الولايات المتحدة.
4) مبدأ(ستمس) فيه أعلن وزير خارجية أمريكا (هنري ستمس) 7/كانون الثاني/1932 "أن الولايات المتحدة لن تعترف بأي إقليم أخذ بالقوة، وبما يناقض اتفاقيات (جورج برياند) وحسب مبدأ( ستمس) لم تعترف أمريكا عندما اجتاح موسوليني إثيوبيا عام1935، لكن عندما اجتاح (هتلر) النمسا عام 1938 أعلنت أمريكا قبولها، وأعلنت إيطاليا قبولها لما أنجزه (هتلر) في تشيكو سلوفاكيا عام 1939. ولما جاء لينين عام 1917 رفضت الاعتراف بنظامه، وكذلك لم تعترف أمريكا بدولة (ماو ستونج) في الصيف عام 1949 حتى عام 1979. أما إسرائيل فكادت دولة (ترومان) أن تعترف بها قبل أن يعلن ديفد بن جوريون استقلال عام 1948. حيث جاء اعتراف (ترومان) بإسرائيل بعد 16 دقيقة من إعلان (بن جوريون).
5) مبدأ(كيسنجر) عام 1979 حيث أعلن أن أي دولة عضو في حلف شمال الأطلسي "ناتو" يصبح نظامها شيوعياً تطرد أولاً من الحلف، وتقطع ثانياً عنها المساعدات المالية وتحظر التجارة والتعامل معها.
6) أما مبدأ (كلينتون) الأخير، وهو قانون الاضطهاد الديني أو العنصري، فيحق لأمريكا أن تقوم بحماية أي فئة تراها مضطهدة في أي دولة، بدءاً من الأمور الاقتصادية حتى العمل العسكري. متناسية اضطهاد الشعب الفلسطيني، سواء بقاؤهم في الشتات، أو القتل والتشريد في الأرض المحتلة وحسب هذا المبدأ تستطيع أمريكا أن تتدخل في أي دولة، لأنه لا يوجد دولة إلا وفيها أكثر من ديانة وأكثر من طائفة.
أما شعار الأمريكان الدائم حول حقوق الإنسان فننقل للقارئ ما قاله البروفسور (برهان غليون ) على قناة (الجزيرة) حيث يقول ):أنها أي أمريكا لم توقع، ولم تلتزم بأي شرط يجعلها تتنازل عن بعض مصالحها، فهي تتعامل كحقل صيد، مصالحها هي القانون). وعدد بعض الاتفاقيات التي رفضت توقيعها ومنه:
1. رفضت التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية عام1966.
2. رفضت التوقيع على الاتفاقية المتعلقة بحقوق المرأة لأنها مختلفة معها عام 1979.
3. رفضت التوقيع على توسيع حقوق المدنيين أثناء الحرب عام 1977 وانظر حقوق المدنيين الآن في أفغانستان لترى تلك الحقوق!!
4. رفضت التوقيع على اتفاقية لدول أمريكا اللاتينية حول حقوق الإنسان عام 1966.
5. رفضت التوقيع على عدم استخدام الألغام القاتلة ضد الأفراد، وهي الدولة الوحيدة التي رفضت تلك الاتفاقية.
6. رفضت التوقيع على الطفل وحظر استخدام الأطفال في الحرب عام 1994.
7. رفضت التوقيع على اتفاقية كيوتو الخاصة بالبيئة 2001.
8. رفضت التوقيع على اتفاقية مراجعة العمليات المالية في المناطق الحرة "تبييض الأموال" الصادرة من الاتحاد الأوروبي، والآن تطالب بها.
9. رفضت التوقيع على مشروع إنشاء محكمة جنائية دولية لمحاكمة الرؤساء المستبدين والدكتاتوريين.
10. رفضت اتفاقية البحار لأنه تريد أن تتوسع.
وإذا نظرنا إلى تلك الاتفاقيات التي امتنعت الولايات المتحدة عن الموافقة والتوقيع عليها- وهي من صالح الإنسان وحقوقه ومصلحة الشعوب- فهذا مما يدل على أن أمريكا ترفع شعاراً وتعمل بخلاف ذلك، وهي ضد حقوق الإنسان. وهذا ما يؤكد أنها لم تنجح كعضو في منظمة حقوق الإنسان عام 2001.
فأساس الحكم هو العدل وأساس زواله هو الظلم، فالعدل في أمريكا كما يخبرنا (ألبيركان) في كتابه (الخيانة العظمى، ص35) حيث يقول:" ولقد أورد بوست فيما بعد في كتابه (هي النفي)في سنة 1920 ما يلي:" إن الوقائع التي اكتشفها في هذا الخليط ألقتني في براثن قلق نهاش، فلقد كانت هذه "الصليبية الحمراء" تبدو كخداع هائل قاس، وفيما لو أتيح للجمهور أن يطلع على الوقائع التي اكتشفها عندئذ، لكان من المؤكد أن وزارة العدل وجميع الأجهزة الملحقة بها فوراً موضع الاتهام واللوم " وفي صفحة 58 يقول:"... نحن الموقعين من محامين يتمتعون بالحق المقدس للدفاع عن الدستور والقوانين المرعية الإجراء في الولايات المتحدة، قد شاهدنا خلال فترة تزيد عن الأشهر الستة بقلق متزايد الخرق المستمر لهذا الدستور وهذه القوانين من قبل وزارالوثائق،، ولقد قامت دائرة المدعي العام بحجة شن حملة كان عليها أن توقف الدسائس لتورية بأعمال لا شرعية..." ويتهم التقرير وزارة العدلية بأنها شكلت مكتباً للدعاية من أجل إقناع الشعب الأمريكي بحقيقة وجود مؤامرة حمراء ضد الحكومة لكي تحيط نفسها بجو ملائم لنشاطها، كما عمدت إلى تزويد الصحف والمجلات في البلاد بسلسلة كاملة من الوثائق ، من شأنها أن تثير الرأي العام ضد الثوريين. وفي مكان آخر من الكتاب يقول:" وأصدر أحد قضاة إنديانا بعد مذكرة استمرت عشر دقائق حكماً بتبرئة شخص قتل أجنبياً كان قد صرخ:"لتذهب الولايات المتحدة إلى الشيطان". والآن ننظر ما هي الأحكام التي صدرت حتى الآن عن قتل بعض المسلمين والعرب، ولم نسمع عن أي حكم صدر حتى الآن.
وفي نفس الكتاب يقول المؤلف (ألبيركان، ص40):" كان عملاء وزارة العدل يمثلوا وزارة العمل الرسميون هم الشهود والمتهمون والقضاة في نفس الوقت".
وهذا ما أكد الرئيس (فرانكلين د. روزفلت) 31/تشرين الأول /1936 الذي جاء بعد الرئيس(هاردينغ) حيث يقول:"ولقد كان على هذه الأمة أن تتحمل خلال اثنتي عشرة سنة حكومة لم تكن تسمع شيئاً ولا ترى شيئاً ولا تفعل شيئاً. كانت الأمة تتوجه إلى الحكومة، ولكن أنظار هذه كانت تحدق في مكان آخر، لقد عشنا تسع سنوات خداعة...".
فما تقوم به الآن أمريكا في العالم من ظلم كما أكده (أريك لو)ليس في العالم الإسلامي ولكن في العالم أجمع في أفغانستان مثلاً تستخدم أسلوب الأرض المحروقة، فهذا (نابليون) حرق ما غزا وحرق موسكو، وكذلك(هتلر) استخدم نفس الطريقة وحرق مدينة موسكو... ولربما أدرك سكييوجينها طبيعة تداو الحضارات في التاريخ إذ تقول الرواية:"إنه بعدما حرق قرطا جنة وقف حزيناً على أطلالها بعد أن انتصر يفكر باليوم الذي سيأتي حتماً حين يجري في روما ما جرى لقرطا جنة أمامه وعنده ردد قول الشاعر الإغريقي هومر ):سيأتيك يوم يا طروادة المقدسة تقهرين فيه، ويقهر فيه بريام) وبريام كان ملك طروادة، وقد احترقت ثلاث مرات.
ونذكر القارئ ما قاله ستالين يوماً: (من لم يكن معنا فهو مع الإمبرياليين) فلقد ذهب ستالين، وذهبت إمبراطوريته وما زال يلعن من ظلمه وجبروته.
فالتاريخ والأجيال سوف تكتشف بعد قليل أو كثير أسباباً وخلفيات، ستجعل انتصار الرئيس بوش الابن عاراً عليه، يفوق في أبعاده عار(فيتنام) على الأمريكيين، فوالده انتصر على العراق، ولكن خذله الناخبون الأمريكيون بالرغم من النصر، أو ربما بسبب هذا النصر المشين، فأول ما دفعه لهذا النصر هو سقوطه سياسياً.
وأختم مقالي بقول الله عز وجل من سورة الأنعام آية 44
(( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون))
وقوله تعالى في سورة القصص
(( وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحاً لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون(39) فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين))(40) صدق الله العظيم.
*كاتب سوري