الأول من أيار ومراجعة الواقع
جميل السلحوت
مرّ يوم العمال العالمي هذا العام على عمال فلسطين وأحوالهم الاقتصادية من أسوأ ما يكون ، واحتفلت بعض المؤسسات وبعض النقابات بهذه المناسبة ، وقيلت كلمات وخطابات رنانة ، لكن واقع الحال أسوأ بكثير مما يقال . فالاحتلال الذي دمّر الاقتصاد الفلسطيني على مدار اثنين وأربعين سنة ، وأهلك البشر والشجر والحجر وصادر الأراضي الزراعية للبناء الاستيطاني ، أو أغلقها ومنع أصحابها من الوصول اليها ، أو دمرها بطرقه الالتفافية أو بجداره التوسعي ، وقيّد حرية الحركة للمواطنين من خلال ذلك كله ، أو من خلال حواجزه العسكرية التي تعد بالمئات في الضفة الغربية ، أو بالحصار الشامل للقدس العربية المحتلة وعزلها بالكامل عن امتدادها الفلسطيني والعربي،ومواصلة حربه عليها من خلال التسريع في سياسة التهويد ، وحصار قطاع غزة براً وبحراً وجواً بعد تدميره ، لتجويع الشعب الفلسطيني في وطنه المحتل ، اضافة الى القتل الذي يستهدف المدنيين العزل بمن فيهم الأطفال الرضع والنساء المرضعات ، والعجائز من خلال الاقتحامات العسكرية المتواصلة أو بالقصف الجوي.
واذا كانت احصائيات منظمة العمل الدولية تشير الى ارتفاع نسبة البطالة في قطاع غزة الى 80% وفي الضفة الغربية الى 20% فإن النسبة على أرض الواقع أعلى من ذلك بكثير ، فغالبية المصانع في قطاع غزة إما تمّ تدميرها بنيران القصف الاسرائيلي من البر ومن الجو ، أو أغلقت أبوابها لنقص الوقود أو نقص المواد الخام نتيجة الحصار الجائر . ويجدر التذكير هنا أن المحتلين قاموا بربط الاقتصاد الفلسطيني باقتصادهم من خلال خطط مبرمجة ومدروسة ليبقى اقتصاداً تابعاً لهم ، ولتبقى قيادة عجلة الاقتصاد في أيديهم ، يشغلونها متى شاؤوا ويوقفونها متى شاؤوا أيضاً . ومع ذلك فإنهم منعوا العمال الفلسطينيين من العمل داخل اسرائيل منذ عدة سنوات ، واستبدلوهم بأيد عاملة مستوردة من بعض دول جنوب شرق آسيا . والمحتلون نجحوا أيضاً في تدمير القطاع الزراعي الفلسطيني من خلال مصادرة وتدمير مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في الضفة الغربية ، كما أغلقوا مساحات أوسع أمام مالكيها الذي لا يستطيعون الوصول اليها لاستغلالها ، والأراضي المستغلة زراعياً لا يستطيع انتاجها المنافسة مع المنتوجات الزراعية الاسرائيلية المدعومة ، كما أن الاسواق مغلقة أمام المنتوجات الفلسطينية، فنقل المنتوج الزراعي يواجه صعوبات في التنقل من محافظة الى أخرى ، وحتى من بعض القرى الى المدن في نفس المحافظة .وكل ذلك من أجل تجويع هذا الشعب واذلاله واخضاعه .
والعمال الذين يعملون في السوق المحلي أجورهم زهيدة، ولا تلبي احتياجاتهم في ظل الغلاء الفاحش ، ولولا المساعدات الغذائية التي تقدمها بعض المؤسسات والجمعيات الخيرية ، وبعض المؤسسات الدولية مثل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ، لمات عشرات الآلاف جوعاً ، علماً أن هذه المساعدات تعتمد بالدرجة الأولى على تقديم الطحين والقليل من الأرز والسكر والشاي .
ولا يغيب عن بال أبناء الطبقة العاملة الفئة المحدودة ممن يصلح أن يطلق عليهم " أثرياء الحروب " الذي اغتنوا بطرق غير مشروعة ، وأثروا على حساب هذا الشعب المنكوب ، وهم يقومون بتهريب أموالهم الى الخارج بدلاً من استثمارها في أرض الوطن الذي نهبوه ، وبعض هؤلاء اللصوص والسّراق يجري تلميعهم اعلامياً من أجل اعدادهم ليكونوا قادة في المواقع المختلفة ، وهم لا يتورعون ولا يرفّ لهم جفن في المزاودة على كل شرفاء هذا الشعب وهذا الوطن .
ومعروف أن غالبية الضحايا في هذا الصراع الذي أفرز هذا الواقع المرير هم من أبناء الطبقة العاملة ، وهم من أبناء المسحوقين ، ومعروف أيضاً أن لا خلاص من هذا الواقع الا بالخلاص من الاحتلال وكافة مخلفاته ، وهذا يتطلب ضرورة الاسراع في الوحدة الوطنية بين كافة أبناء الشعب وبين تنظيماته السياسية ، وضرورة اعادة توحيد شطري الوطن – الضفة الغربية وقطاع غزة – وما الصراع القائم بين حركتي فتح وحماس على سلطة تحت الاحتلال ، ولا تملك من مقومات السلطة الا الإسم إلا اطالة لعمر الاحتلال ، واضعاف للشعب الفلسطيني . كما أن الطبقة العاملة مطالبة برص صفوفها وتوحيد طاقاتها من أجل أن تستطيع نيل حقوقها ، وعليها أن توقف التصفيق والهتاف لمن يستغلونها ، ويتاجرون بقضيتها .
وعليها أن تفرز قياداتها القادرة على تمثيلها حقيقة ، والقادرة على الدفاع عن مصالح طبقتها ، وما تشرذم الطبقة العاملة الا زيادة لضعفها على ضعفها الموجود.كما أن القوى السياسية التي تزعم تمثيلها للطبقة العاملة مطالبة بمراجعة حساباتها هي الأخرى،والوقوف عند الايجابيات لتعزيزها وعند السلبيات لاجتنابها.