شاعر ووطن وسياسة نظام
شاعر ووطن
وسياسة نظام
بقلم : الدكتور محمد بسام يوسف
(أحمد جان عثمان) : شاعر مسلم من أصلٍ صينيّ، شُغف بقراءة القرآن الكريم، ودرس اللغة العربية، ثم أصبح أستاذاً يجيدها أكثر من كثيرٍ من أبنائها .. وأستاذاً في الحضارة الإسلامية، وكتب بالعربية ستة دواوين من الشعر .. عاش في سورية منذ عقدين من الزمن، وتزوج بمواطنةٍ سورية، وأنجب منها ابنتين .. لكنه سيغادر وطنه الجديد قسرياً، بعد أن طلبت منه السلطات السورية ذلك، من غير أن تبيّن له الأسباب!..
لقد قدمتَ إلى بلدنا يا أستاذ (أحمد) من أقصى الأرض باحثاً عن الملاذ الآمن، فجحيم بلادك الأصلية التي حاربت الإسلام والمسلمين، وأشهرت بوجوهكم سلاح الشيوعية الإلحادية .. جحيم لا يُطاق، لكن ها هي ذي محنتك تتجدّد بعد عشرين سنةً، قضيتها طالباً شُغِفَ بلغة القرآن العظيم، ثم أستاذاً وشاعراً أتقن كتابة الشعر العربيّ، وامتزج بثقافتنا العربية، بل درّس علوم الحضارة الإسلامية!..
لم تشفع لك كل هذه الإنجازات يا أستاذ، فأنتَ لم تحسب حساباتك السياسية بالشكل الذي ينسجم مع واقع هذه الأمة، وواقع وطننا سورية، فكل أمرٍ لدى أنظمتنا العتيدة خاضع للمساومات السياسية، بل للتجارة السياسيّة، التي يمارسها أولئك المتسلّقون الذين أبادوا وطناً وأمة، فتحوّل الوطن بجهودهم العظيمة إلى وكرٍ للشذوذ السياسيّ، وتحوّلت الأمة بعبقريّتهم الفذّة إلى (سبيلٍ) لكلّ عدوّ، ينال منها ما يريد، في الوقت الذي يرغب، ومن المكان الذي يفضّل، من غير رقيبٍ ولا حسيب .. وتتمالأ عليها أفاعي الدنيا، فتلدغ وتنهش منها بلا حساب، بواسطة بطاقةٍ خضراء ممنوحةٍ من نواطيرها وشذّاذ آفاقها!..
أوَتعجب يا أستاذ من سلوك المتخبّطين؟!.. أكنتَ تظنّ يوماً أنك في ملاذٍ آمن؟!.. أو أنك ستعيش حياتكَ كلها في شآمنا : مسلماً أصيلاً، ومفكّراً وشاعراً مرهفاً، وابناً من أبناء أمة القرآن؟!.. كيف يمكن أن يجول بخاطركَ ذلك، وهؤلاء الذين يهجّرونكَ اليوم، قد هجّرونا بالأمس مع مئات الآلاف من أبناء شعبنا؟!.. ألسنا نحن أصحاب الأرض والوطن، وأبناء ذلك التراب السوريّ الأصيل، وأقحاح سورية وأهلها .. قد نالنا ما ينالك اليوم، ولعلك عشتَ في سورية زمناً يطاول الزمن الذي عاشه فيها بعض أبنائها، بل لعل بعض أبنائها لا يعرف بلده السوريّ، لأنه ارتكب جريمة ولادته في أرض الغربة، من رحمٍ تُعارض سياساتهم الحاقدة!..
أوَتدري يا أستاذ أنّ الإسلام الذي اعتنقناه معاً، هو سبب هذه الحرب التي يشنّها علينا أبناء جلدتنا من نواطير الغرب الحاقد؟!.. أوَتعلم بأن وطننا الذي عشقناه ملاذاً، ولغتنا التي تذوّقناها بلسماً، وقرآننا الذي امتزج بنفوسنا.. أوَتعلم بأن كل أولئك سبب مصائبنا، التي يصنعها لنا العدو، وطغاته الصغار الذين يحرسون مصالحه؟!..
هل تعرف يا أستاذ بأننا نعيش في زمن الخفافيش والعقارب والعلق، الذين يصولون في طول الوطن وعرضه، ويجولون في كل مترٍ مربّعٍ من أرضه، باحثين عنا نحن فرائسهم، التي لا يستطيعون العيش من غير أن يمارسوا عليها طغيانهم وجرائمهم وشذوذهم؟!..
يهجّرونكَ إلى بلد طغاة (البيت الأبيض)، ويفعلون ويُصِرّون، على الرغم من أنّ إعلامهم المجعجع يحارب أميركة العدو الذي يهدّد باحتلال وطننا سورية!.. أهذه سياسة تلك التي يمارسونها؟!..
يجبرونكَ أيها المسلم الأصيل على الهجرة من بلدٍ عربيٍ مسلمٍ، لتعمل في إذاعةٍ مقرّها على أرض العدوّ الأميركيّ، معارِضَةٍ لسياسة صديقهم وبلدك الأصليّ : الصين، فهل هذه سياسة، ومواقف سياسية حكيمة؟!..
سياستهم الرعناء حوّلت أجيالاً من أبناء شعبنا إلى معارضين لهم وناقمين عليهم، وحوّلت الوطن إلى سلعةٍ، يستحقّها من يدفع لهم ثمناً أعلى، يحوّله لهم إلى رصيدٍ إضافيٍ من أرصدتهم، في بنوك سويسرة وأوروبة وأميركة!.. سياستهم هذه، حوّلت الشعب الكريم الشجاع إلى قافلةٍ ضخمةٍ من التائهين، بين عناء تأمين لقمة العيش المغمّسة بالذل .. ونفاق الفوز برضى أجهزة الطغيان الباطشة المتربّصة بالأنفاس!..
كان عليك ألا تغرّك مواقف وزارة الثقافة التي طبعت لك أعمالك الثقافية والأدبية الرائعة، فالثقافة في بلدنا أصبحت سلعةً من السلع الرخيصة الخاضعة لقانون العرض والطلب، يمكن أن تُبَاعَ -كما يباع الإنسان السوريّ والوطن السوريّ- في مزادات النظام العالميّ الأميركيّ الصهيونيّ!..
لا تيأس يا ابن ديني وبلدي، فلربما يمنحونك وثيقة سفر، تطير بها إلى أميركة عدو أمتنا ووطننا، وإذا حصل ذلك فأنت محظوظ لأنّ بعضهم ما يزال يحترمك ويحترم بعض حقوقك .. فنحن يا أستاذ محرومون من مثل هذا الحق، ومحرّم -كما الوطن- على أبنائنا وأحفادنا، من الذين شاء القدر أن يولَدوا خارج وطنهم، لأجدادٍ أصبحت عظامهم رميماً في مقابر الغربة، لكنهم كانوا معارضين لسياسات شذّاذ الآفاق، الذين يهجّرونكَ اليوم، كما هجّرونا بالأمس!..
رحم الله أيام عز هذه الأمة، يوم كان أجدادنا يصلون إلى بلدكَ الأصليّ : الصين، من غير حاجةٍ حتى إلى بطاقة هويةٍ شخصية!.. فلتهنأ السيدة (بثينة شعبان) وزيرة المغتربين، التي تبذل جهودها الحثيثة لإعادة المغتربين من أبناء الوطن إليه .. لتهنأ بزيادة عدد رعايا وزارتها المهاجرين .. رجلاً، بل عائلةً سوريةً جديدة!.. وأهلاً بك يا أستاذ وبزوجتكَ وابنتيكَ في رحاب قافلتنا من ضحايا سياسات النخّاسين، قافلة المهجَّرين القسريين، التي يزداد عدد أفرادها وعائلاتها .. بازدياد التهديدات الأميركية والصهيونية لبلدنا ووطننا الحبيب : سورية، أوَليست هذه سياسةً أيضاً؟!..