الطَّشَرون بين هامان وفرعون !
الطَّشَرون[1]
بين
هامان
وفرعون !
مصباح
الغفري
أضحَت
تُفصّلُ في لندُن عُروبتكُم
خياطَ لندنَ ، لا تبخلْ بها قصَبا!
(وصفي القرنفلي)
حدثنا أبو يسار الدمشقي
قال :
شعَرت بالضجر والضيق ،
فرحت أتمشى في الطريق ، أبحث عن صديق . وما
هي إلا ساعة ، حتى رأيت رجلاً يخطب في
جماعة . كانت على رأسه عمامَة ، تحسَبه
شيخاً من تهامَة . دفعني الفضول ، فوقفت
أستمع إلى ما يقول . كان الرجل يُعوِلُ
ويَصيح ، بلسان عربي فصيح :
- نحن
المجتمعين في هذا المكان ، من المهاجرين
إلى الميدان . ومن الشاغور والبزورية ، إلى
باب توما والقيمرية . ألسنا جميعاً يا أهل الشام ، فداءً للحكام ؟ فإذا
أردتم الشفاء من البرص والجذام ، ومن
سَلَسِ البول في اليقظة والمنام ، فاقرأوا
كتاب الخدّام ! فهذا الكتاب العجيب ، هو
حلية الأريب ، ومنية اللبيب . إذا قرأته
قبل الطعام ، شَعَرْت بفوائد الصيام . وإذا
قرأته أثناء السفر ، هانت عليك نار الجحيم
في سقر !
كان الخطيب يُرغي
ويُزبد ، ويُبرقُ ويُرعِد . ورغم أنه أتقن
التنكّر والاستخفاء ، بنظارة سوداء . فقد
عرفت أنه صاحبنا أبو زيد ، رجلُ الإحتيال
والصيد !
إنفض الجمع فأخذته
بالأحضان ، وتحدثنا عن الغربة في الأوطان .
قال :
لايغرنكَ يا أبا يسار ،
حديث رجلٍ مهذار . فهذا كلام دسَسْت فيه
السمّ بالدسَم ، ابتغاء ما في يدي هذا
المخلوق من نِعَم . وأنا
لم أقرأ كتاب نائب الرئيس المُناضل ،
لأنني لا زلت وفيّاً لصحن الفول والفلافل
، وأتقن التفريق بين الغربان والعنادل ،
وبين نواح المُستأجَرة والثاكل . ولن أقرأ
ما كتبه عن الوحدة والحريّة ، بعد أن قضى
زهرة شبابه في خدمة الديكتاتورية . واليوم
أدركته حِرفة الكتابة والأدب ، فهو
يُنظّرُ لوحدة العرب ، أليس هذا أعجب
العجب ؟
قلت : إن الله يبعث لهذه
الأمة على رأس كل قرن من الزمان ، من يَكشف
عنها الغمّة إلى أن يحين الأوان . ويبدو أن
هناك من يبعث لنا كلَّ ثلاثة عقود ، قائداً
يُحولنا إلى قرود ، أو طاغية من بقايا ثمود
!
قرأنا في التاريخ عن سبع
سنوات عِجاف ، تموءُ الناس
فيها كالقطط وتمشي إلى الذبح كالخراف .
فلماذا أصبحت سنواتنا العجاف في الشام ،
ثلاثين بالتمام ؟ ولماذا يبقى العَرّابون
من حاملي النياشين ، والخدّام والغراسين[2] ،
الذين جمَعوا الملايين ، على ظهورنا
راكبين ؟ هل عقمت أرحام النساء في البلاد ،
فعجزت عن حمل غير الأوغاد ؟
قال أبو زيد بلهجة
يشوبها الوجل ، خفف من غلوائك وهيا بنا على
عجَل . أنسيت أننا في عاصمة الجمهورية
الوراثية ، حيث يولد المرء ويموت في ظل
الأحكام العُرفية ؟ لا
تنسَ أيها الهُمام ، أن الكلام هنا حرام ،
إلا إذا أردت مديح النظام!
ثم إنه ذرف عبْرَة ،
وقال بحسرة :
المحامي الفاشل يعمل في
القضاء ، والقاضي الفاشل يُصبح من الوزراء
! وسيادته كان محافظاً للجولان ، وبعد
تسليمها أصبح مُقرباً من السلطان . فلماذا
لا يعمل بعد أن ذهب الأطيبان ، وبقي
الأخبثان ، كاتباً يشارُ إليه بالبنان ؟
كان الديكتاتور الراحل
من فئة " الطشرون " ، مقاولاً من
الباطن يطلب العوْن . والمقاول الرئيسي في
الشرق الأوسط ، معروف كالثعبان الأرقط .
أما صاحب المقاولة ، فلا تكثروا المُجادلة
. إسألوا عنه " جابر عثرات اللئام " ،
العم سام !
نائب الديكتاتور هو
الهُدهُد الذي ذكره مظفر النواب ، فلماذا
تستغرب أن ينتسب إلى اتحاد الكتاب ؟ وله في
وزير الطبخ والدبابات ، والنياشين
والطبنجات ، أسوة وزمالة عقودٍ وسنوات !
قلت : ذكرتني يا أبا زيد
بالشعر ، فليس لنا غيره في زمن العُهْرِ
والقهر . فاسمع هذه الأبيات لوصفي
القرنفلي :
وسَرسَريٍّ
سَخيفٍ ، شَدّ مـن مُزقٍ
من الحُروف ، وسـمى لغوَها كُتبا
كالطفلِ
في زيّ عملاقٍ نضى خشباً
سماهُ سـيفاً ، وأقعى يصقلُ الخشبا
ويدّعي
نسَبَ الأجـدادِ من عـرَبٍ
أنظـر إليـه ، أهذا يُشبه
العَربا ؟
إنّ
العـروبـة أخـلاق مُنضـرة
وأنت ما أنت ؟ إخسأ وانتسب حطبا
ما
أنت يا أنت ، إلا أنت ، كُن عرباً
أو بربراً ، لستَ إلا الزور والكذبا!
[1]
ـ
الطّشَــرون ، كلمة في العامية
الدمشقية، معناها : المُقاول من الباطن .
[2]
ـ
الغراسين : جمع غارسون ، وهو النادل الذي
يخدم في المقهى .