ما هذا الكرم الأسدي ؟
ما هذا الكرم الأسدي ؟
أمير أوغلو / الدانمارك
بعد مسلسل الطلبات والتهديدات الأمريكية والإسرائيلية لسوريا , وبعد كل التذكيرات السورية للأمريكيين بأنها قامت بتسليمها ملفات ما يزيد عن عشرة آلاف مطلوب سوري بتهمة الإرهاب مما ساعد على إحباط الكثير من المحاولات الإرهابية , وبعد أن أكدت سوريا أنها لن تضرب إسرائيل مهما حصل لأن السلام هو خيارها الإستراتيجي , بعد كل هذا قامت سورية في الأسبوع الماضي بإعطاء شركة فيريتاس الأمريكية حقوق التنقيب عن البترول في المياه الإقليمية السورية الواعدة, كبادرة لتأكيد حبها المطلق للسلام وتعاونها التام مع أمريكا في شتى المجالات, وقبلها حصلت شركتان امريكيتان على حقوق تنقيب عن البترول في منطقة القامشلي . ونحن هنا نتساءل ببراءة : ما هذا الكرم السوري المفاجئ ؟ وما هذه الأخلاق السامية الرفيعة ؟ لقد فاقت سوريا في دماثة خلقها ما وصى به المسيح أتباعه من التعامل مع الأعداء , وفاقت في تسامحها مع الأعداء أخلاق صلاح الدين الأيوبي المدفون في أرضها, ولكنها للأسف تنسى دائما هذه الأخلاق وهذه الدماثة عندما تتعامل مع شعبها ومواطنيها فهم مشردون في أصقاع الأرض لا يملكون حق الحصول على جواز سفر أو هم معتقلون في السجون الصغيرة في الوطن منذ نيف وعشرين عاما لا يستطيع أهلهم حتى أن يسألوا عنهم أو هم قتلى تحت أنقاض حماة أو جسر الشغور أوهم سجناء الوطن الكبير .
لقد مضى عهد في سوريا وظن الكثيرون أنه جاء عهد , ولكن بعد ثلاث سنين من الزمن تبين للكثيرين أن العهد القديم لم يمض وأنه خالد كخلود زعيمه الراحل وأن كل ما حصل في البداية ليس إلا تكرارا لما حصل في بداية العهد القديم وأن هذا الشبل من ذاك الأسد .
إن مسلسل التنازلات السورية لم يعد يتوقف بل صار كمسلسل عيلة خمس نجوم السوري الذي يتمدد بنجاح كبير وتزداد نجومه نجمة في كل عام , بينما تزداد التنازلات بالعشرات في كل مرة .
آخر ما سمعنا (وهو ما نرجو أن يكذبه الإعلام السوري) ورددته وكالات الأنباء أن الشبل المفدى قال للسيد كريستوفر كوكس رئيس وفد لجنة الأمن القومي بالكونغرس , أنه يمكن النظر إلى القانون الأمريكي الذي وقعه بوش الأسبوع الماضي بتطبيق العقوبات على سوريا بوصفه نصف كوب مليئا وليس نصف كوب فارغا (أي أنه كالكوب المليء بالماء إلى منتصفه فهو جيد أو سيء بحسب الزاوية التي تنظر إليه منها)
ما هذا الكلام يا سيادة الرئيس وهل ترى حقا إيجابيات في قانون العقوبات ؟ وهل هو جيد إلى هذا الحد وهل هان الهوان عليك إلى هذه الدرجة فقط لأنك لا تثق بشعبك ؟ إننا لن نستبعد أن تصرح بعد هذا بأنه إذا قامت أمريكا باحتلال سوريا فسيكون ربع الكأس مليئا وثلاثة أرباعه فارغا طالما أنك بقيت في السلطة فالأمر أصبح قضية نسبية بحتة.
إن استقراء الأحداث وربط الماضي بالحاضر يرينا نفس الوضع الذي كان يوم سقطت الجولان بقيادة وزير الدفاع السوري يومها عام سبعة وستين (هل تعرف هذا الوزير يا سيادة الرئيس؟). عندها صرح منظرو حزب البعث أن أهداف إسرائيل لم تتحقق فهي لم تستطع إسقاط النظام !!!! واليوم تتكرر المأساة عندما يعلن رئيس دولة حرة أن قانون العقوبات الأمريكي هو عمل نصف إيجابي .
نعتقد جازمين أن الحادث السلبي الوحيد الذي يمكن أن يتصوره سيادة الرئيس والذي سيرى عنده أن الكأس أصبح فارغا تماما, هو حادث انتهاء حكم أسرته .