المسألة الحِمارية!
المسألة الحِمارية!
في
توريث
الجمهوريّة والجماهيرية
مصباح
الغفري
" كلما ازدَدْت
مَعرِفة بالإنسان ، إزدادَ إعجابي
بالحيوان !"
(
مارون عبود )
هل أتاكم حديث جريدة "
ابن الكلب " التي أصدرها قبل أعوام نادي
الأراكيل الديموقراطي في حمص ؟ نشرت هذه
الجريدة على صفحتها الأولى في عددها الأول
الصادر في شهر آذار 1995هذه الأبيات من
الشعر الحلمنتيشي :
تقدمت
الصغارُ على الكبار
لقد جارَ الزمانُ على الكبار
كأنّ
زماننا من قوم
لـوطٍ له
وَلعٌ بتفضيل الصغـار !
جريدة ابن الكلب التي صدرت
مُستلهمة تراث جريدة " الكلب" التي
كان يصدرها المرحوم صدقي اسماعيل ، لم
يصدر منها غير خمسة أعداد ، وتوقفت لأسباب
ليست غامضة إطلاقاً ، كما توقفت بعدها
جريدة " الدومري" لأسباب واضحة وضوح
البعْرَة في أست الجمل! فلا
شيء في الوطن العربي غامض غير حقوق
الإنسان وحقوق المسؤولين وأبنائهم
وأقاربهم حتى الدرجة السابعة عشرة .أما
توقيف جريدة ساخرة أو اختفاء مواطن ، فأمر
واضح و مفهوم جداً ، فالجريدة ارتكبت
بتاريخ لم يمر عليه الزمن جريمة " إطالة
اللسان " !
يقال أن هناك مشروع قانون لتحديد
طول لسان كل مواطن ، بما يتناسب مع
التحديات التي تواجهها أمتنا في ظل النظام
العالمي الجديد ، والله أعلم !
علم الوراثة هو " علم
العلوم " في هذه الظروف التاريخية التي
تمر بها أمة الفياغرا ، وإذا كنتم في شك من
هذه الحقيقة التي لا يأتيها الباطل من بين
يديها و لا من خلفها ، فما عليكم سوى
الاطلاع على ما تنشره وسائل الإعلام
العربية ، فالرجل المريض يوشك أن يلاقي
وجه ربه ، والورثة يتحلقون حول سريره وفي
أيديهم وثائق حصر الإرث ، ألم يُثبت علماء
الوراثة ، أن العبقرية والانتصارات
والحكمة وضبط النفس وجميع الصفات التي
اكتسبها " الشخص " ، تنتقل بالإرث
نزولاً على عمود النسب ؟
وعلماء الوراثة الذين
نتحدث عنهم ليسوا ماندل ومورغان ، اللذين
يُنكران انتقال الصفات المكتسبة ، هذان
عالمان رجعيان لايفقهان من الأمر شيئاً ،
ظهر لدينا والحمد لمن لا يُحمَد على علماء
وراثة سواه ،
علماءٌ جُدد يشغلون مناصب " أمنية
وثقافية " ، وافتتحوا مع علماء الإرث
الشرعي ، دور إفتاء تفتح ليلاً نهاراً فقط
، مهمتها تسويق الأبناء والبنات والأصهار
، وتهيئتهم لتولي المهمات الجسام ، ولم
يعدم هؤلاء الذين يشغلون مناصب أمنية
وثقافية أنصاراً ومؤيدين من كل صنف ولون ،
من الذين يجيدون الرقص بأكثر مما ينفخ
الزمّار !
وراثة الأبناء للآباء
" شرعية " ، ولهذا الإرث الشرعي جداً
علاقة بالمسألة الحمارية الشهيرة ، فما هي
المسألة الحمارية ؟
المسألة الحمارية ، وهي
تنسَجمُ سَجْعاً مع المسألة الجمهورية
والجماهيرية ، حدثت في عهد سَيدنا عمر بن
الخطاب ، توفي يومها شخص لا أولاد له ،
وانحصر إرثه بوالديه وإخوته الأشقاء وأخ
لأ م ، والقاعدة أن أصحاب الفرائض يرثون
أولاً ، وما زاد على ذلك يقتسمه العصبات ،
وأصحاب الفرائض هم الوالدان والأخ لأم ،
وقد استغرقت حصصهم التركة ولم يبق لإخوة
المتوفى الأشقاء وهم من العصبات
شيء ! ذهب الإخوة الأشقاء إلى الخليفة
عمر غاضبين وقالوا له :
- هب أن أبانا كان حماراً
، ألسنا لأم واحدة ؟
ومن هنا جاءت تسمية هذه
المسألة الإرثية بالمسألة الحمارية ، وقد
اجتهد عمر ، بأن وزع فريضة الأخ لأم على
جميع الإخوة ، انتهت المسألة بهذا
الإجتهاد ، ولكن مسألتنا الحمارية نحن
الشعوب التي ترعى الكلأ بين المحيط
والخليج لما تنته بعد ، ذلك أننا لسنا
وَرَثة ، بل نحن جزء من التركة التي سوف
يقتسمها فلذات أكباد مسؤولينا الذين نموت
فيهم حباً وعشقاً ونفتديهم بالدم والروح .
بعد الحرب العالمية
الأولى تقاسمت فرنسا وبريطانيا تركة
الباب العالي الذي كان مريضاً بالفالج ،
إتفق سايكس وبيكو على تقاسم سوريا والعراق
وفلسطين والأردن ، وكانت قسمة " ضيزى
" بالنسبة لشعوب المنطقة ، التي مازالت
تعاني من هذا التقسيم حتى هذه اللحظة ، وفي
الثلاثينيات من القرن العشرين ، حاول "
الداماد " أحمد نامي الذي اختاره
الفرنسيون حاكماً لدمشق ،
باعتباره يحمل لقب الداماد ومعناه صهر
السلطان ، أن يقنع الفرنسيين بتعيينه
ملكاً وراثياً على سورية ، واليوم يرث
جميع الأبناء جميع الآباء ! وحتى المسؤول
الذي لم يرزقه الله ولداً ، أو القائد
التاريخي لحزب تقدمي ، فإن زوجته ترث
الثروة والحزب والحكم وسيارة المرسيدس من
بعده ، فالصفات المكتسبة تنتقل أيضاً
بالمضاجعة !
من المفهوم أن يحب
الحاكم أبناءه ، وأن يرى فيهم كما يرى كل
أب بأبنائه ، ولكن من غير المفهوم و من غير
المقبول ، أن يوظف بعض الكتاب أقلامهم
لامتداح عبقريات ما كُنا لنسمعَ عنها لو
أن صاحبها لم يكن ابن " الشخص " .
المسألة الإرثية
الحماريّة منها وغير الحماريّة ، تشغلُ
الكتاب والصحفيين في هذه الأيام العجاف :
- في
مصر يتحدثون عن وراثة ابن الرئيس المُزمن
للرئاسة والنيل والأهرامات أيضاً .
- في ليبيا تشتعلُ واقعة
الجمل بين سيف
الإسلام وشقيقته عائشة ،
لوراثة عرش الجماهيرية .
- في اليمن الذي كان
سعيداً ، يتربص ابن الرئيس للتربع على عرش
الإمامة الجديدة .
وحتى الوزراء المُزمنون
، والأمناء العامون لأحزاب الديكورات
الديموقراطية ، يتحفزون لتوريث مناصبهم
إلى ورثتهم !
تفتحت شهية الجميع إلى
توريث الدولة والأحزاب ووكالات السجائر
والتليفونات المنقولة وغير المنقولة ،
بكامل موجوداتها وحدودها الجغرافية
وعمولاتها ، "
مفروشة " إلى الخلَف ، سيراً على "
السُنّة " السورية !
وقد جاء في الحديث
الشريف :
"
من سَنّ سُنة حسنة ، فله أجرها وأجرُ
من عمِلَ بها إلى يوم القيامة ، ومن سَنّ
سُنَّةً سَيئةً ، فعليه وِزرُها وَوِزرُ
من عمِلَ بها إلى يوم القيامة " .
يقال أن دائرة "
معادلة الشهادات " في وزارات التربية
والتعليم ، أصبحت تعادل شهادة حصر الإرث
بشهادة الدكتوراه ، خصوصاً إذا كانت
مُصَدّقةً من وزارة الخارجية الأميركية
أو من البنتاغون !
اللهم لا نسألك رد
القضاء وإنما نسألك اللطف فيه !