تقرير عن واقع الأكراد المجردين من الجنسية
تقرير عن
واقع الأكراد المجردين من الجنسية
أعدته جمعية حقوق الإنسان في سورية
تشرين ثاني- 2003
جمعية حقوق الإنسان في سورية –
دمشق ص0ب 794 – هاتف 2226066 – فاكس 2221614
Email :hrassy@ ureach.com
hrassy@ lycos.com
محتويات التقرير
مقدمة ....................................................................................3
خلفية الموضوع...........................................................................4
الأكراد في سورية اليوم...................................................................5
الحقوق المدنية والسياسية................................................................6
المواطنة
المجردون من الجنسية والقانون السوري
حق المشاركة السياسية
معاملة السجناء الأكراد- التعذيب والمعامل اللاإنسانية
حق التظاهر- قمع الاحتجاج السلمي
الزواج وتكوين الأسرة
حقوق الطفل..............................................................................11
تسجيل الولادات واكتساب الطفل الجنسية السورية
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.........................................................13
العناية الصحية
التعليم
فرص التوظيف
الحقوق الثقافية..........................................................................14
الهوية الثقافية الكردية
النتائج والتوصيات......................................................................17
المراجع.................................................................................18
المرفقات ................................................................................19
مقدمة
تعتبر حقوق الأقليات ، من الحقوق المحمية بموجب القانون الدولي الذي تضمن مواثيق ومعاهدات خاصة ، حرَمت من جهة التمييز بين المواطنين في أي دولة على أساس عرقي أو قومي أو ديني، ومن جهة أخرى، أقرت لتلك الأقليات بحقوقها، إن على صعيد الحقوق التي يجب أن يتمتع بها مواطنو الدولة المعنية كافة ، أو على صعيد الحقوق المنبثقة من الخصوصية الثقافية والتاريخية التي تتمتع بها.
لقد قامت جمعية حقوق الإنسان في سورية بإعداد هذا التقرير، عن واقع الأكراد السوريين المجردين من الجنسية ،بهدف عكس هذا الواقع من منظور حقوقي بحت، بعيدا عن الاعتبارات السياسية التي غالبا - للأسف- لا تراعي المعايير الدنيا لحقوق الانسان في مجتمعاتنا العربية.
اعتمدنا في تقريرنا هذا على شهادات العديد من الأكراد من مختلف الفئات والأعمار،فضلا عن دراسات وأبحاث سابقة في هذا الإطار، بالإضافة إلى الاستبيان الذي أجريناه وشمل عينة عشوائية من حوالي ثلاثمائة شخص، توزعت على مختلف مناطق تواجد الأكراد وعلى فئات متنوعة منهم[1].
كما أن دراسة المواد المنصوص عليها في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (1966) والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966 ) اللذين صادقت عليهما سورية في 21 نيسان 1969 ، سوف تسلط الضوء على نطاق التزامات سورية في ظل القانون الدولي، المتعلقة بالأقلية الكردية الموجودة في إقليمها.
وإن كان أكثر ما تحتاجه الدراسة الموضوعية هو الدقة في البحث والتقصي ، فإن عدم وجود إحصاءات رسمية حول الموضوع يزيد من صعوبة الدراسة، لكنه بالتأكيد لا ينفي حقائق تلمسناها عبر الواقع ومن خلال الشهادات الحية.
إننا نسعى من خلال هذا التقرير إلى وضع رؤية أشمل لوضع الأكراد السوريين المجردين من جنسيتهم، بهدف الوصول إلى توصيات تقترح تغييرات مطلوبة، لتمكين المجتمع الكردي السوري من التمتع بحقوقه التي تكفلها القوانين الوطنية والدولية، بحيث تتحقق بالفعل المساواة بين جميع المواطنين في سورية بغض النظر عن الانتماءات العرقية أو الدينية أو القومية، لا سيما وأن المجتمع السوري معروف بكونه مجتمعا فسيفسائيا ، يحتوي من الأعراق والقوميات ما يجعله من أكثر المجتمعات العربية غنى وتنوعا.
فالهدف أولا وأخيرا هو المواطن السوري في كل زمان و مكان.
خلفية الموضوع
أثناء تدقيق استمارات الاستبيان الذي قمنا به ، صادفتنا إحدى الاستمارات التي غصت بتعليقات صاحبتها، حيث علقت على سؤالنا (تاريخ الوصول إلى سورية) بالقول "من المؤسف تدوين مثل هذه الأسئلة، بماذا نقسم أننا ولدنا في سورية ، ماضينا وحاضرنا كان في سورية..."
"المواطنة" مع وقف التنفيذ، التي ملأت هذه الاستمارة ، تقول أن جدها وأباها كانا سوريين، وأنها جردت من جنسيتها وأصبحت "أجنبية" بموجب إحصاء عام 1962 ، وقد اخترنا أن نبدأ بهذا الاحتجاج إن صح التعبير، لأنه أساس مشكلة الأقلية الكردية في سورية.
فمازال السجال مستمرا حول ما إذا كان الأكراد موجودون في منطقة الجزيرة في سورية منذ مئات السنين وفقا للمصادر الكردية، أو أنهم أتوا فقط منذ عام 1925 قادمين من تركيا بعد موجات الاضطهاد التي لحقت بهم هناك .فمن منطق حقوقي بحت ، نرى أن هذا السجال لا يؤثر على حقوق الأكراد في المواطنة والجنسية، فوفق قانون الجنسية السوري ، "يجوز منح الأجنبي الجنسية بمرسوم ........ إذا كان مقيما في القطر إقامة متتالية مدة خمس سنوات على الأقل "[2].
لذلك يغدو من المستغرب أن يبقى عشرات الآلاف من الأكراد بدون جنسية سورية حتى الآن ، لا سيما وأنهم لم يسعوا للحصول على جنسية أخرى، بل ما فتئوا يصرون على انتمائهم السوري ورغبتهم في الحصول على الجنسية السورية.
في الخامس من تشرين أول عام 1962 ، قامت السلطات السورية بإجراء إحصاء استثنائي في محافظة الحسكة جنوب شرقي سورية، حيث يقيم العدد الأكبر من الأكراد ،وقد تذرعت السلطات وقتها للقيام بالإحصاء ، "باكتشاف عدد الأشخاص الذين عبروا بشكل غير شرعي إلى سورية من تركيا"، وبنتيجة هذا الإحصاء ،جرد عشرات الآلاف من المواطنين الأكراد من جنسيتهم السورية. وبالتالي ، فقدوا كافة حقوق المواطنة ، من الحق في التصويت والمشاركة في الحياة العامة ، إلى الحق في السفر خارج البلاد، وفي الملكية الخاصة، و التوظيف في القطاع العام.....الخ.
كما نجم عن ذلك ضغوط متزايدة لطمس هويتهم الثقافية ، بما في ذلك حقهم في التحدث باللغة الكردية في الأماكن العامة وأماكن عملهم ،وفي الاحتفال علنا بأعيادهم ومناسباتهم الخاصة.
الأكراد في سورية اليوم
يوجد اليوم وفق الأرقام التقديرية، مليون ونصف المليون كردي في سورية (ما بين 8،5 و 10% من مجموع التعداد السكاني) ما يجعلهم أكبر أقلية غير عربية في القطر[3].
أكثرية الأكراد في سورية يتكلمون اللغة الكردية ، ومعظمهم من المسلمين السنة، وتوجد أقلية شيعية بالإضافة إلى أعداد قليلة من اليزيديين والمسيحيين.
ومعظم الأكراد اليوم من سكان الريف ،ويتمركزون في المناطق التالية:
1ـ المنطقة الشمالية الشرقية من الجزيرة ، حيث يتمركز العدد الأكبر منهم في محافظة الحسكة[4].
2ـ حلب وعفرين وعين العرب.
3ـ دمشق وبقية المناطق السورية.
الحقوق المدنية والسياسية
المواطنة:
" 1 - لكل فرد حق التمتع بجنسية ما
2- لا يجوز حرمان شخص من جنسيته تعسفا أو إنكار حقه في تغييرها "
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 مادة 15
يضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حق كل شخص بالتمتع بالجنسية ، ويعتبر هذا الإعلان ملزما أدبيا وأخلاقيا لجميع دول العالم.ومع ذلك مازال عشرات الألوف من الأكراد يعتبرون "أجانب" في دولة مولدهم، مع العلم أنهم لا يملكون ولم يسعوا للحصول على أي جنسية أخرى.
ميثاق عام 1961 المتعلق بالحد من حالات عديمي الجنسية يعرف الشخص عديم الجنسية بأنه "أي شخص لا يعتبر مواطنا لأي دولة وفقا لقانونها"المادة 1[5].كما يؤكد الميثاق بأنه " لا يمكن للدولة أن تجرد شخصا أو جماعة من جنسيتهم لأسباب عرقية أو دينية أو سياسية "المادة 9 .
في الخامس من أكتوبر عام 1962 بدأت عملية الإحصاء في محافظة الحسكة السورية بموجب المرسوم التشريعي رقم 93 تاريخ 23/8/1962 ، وكان نتيجتها أن حوالي120 ألفا من المواطنين، أصبحوا بدون جنسية ،وقد انقسم أكراد سورية منذ ذلك التاريخ إلى:
1- أكراد متمتعين بالجنسية السورية.
2- أكراد جردوا من الجنسية وسجلوا في القيود الرسمية على أنهم "أجانب" ، ويقدر عددهم حاليا بـحوالي مئتي ألف شخص.[6].
3- أكراد جردوا من الجنسية ولم يتم قيدهم في السجلات الرسمية نهائيا، وأطلق عليهم وصف "مكتوم" ، ويقدر عددهم حاليا بحوالي ثمانين ألف شخص[7] .
ويشمل المكتوم بالإضافة إلى الفئة السابقة كل من :
1- ولد لأب "أجنبي" من الفئة الثانية السابق ذكرها، وأم مواطنة.
2- ولد لأب "أجنبي" وأم "مكتومة" .
3- ولد لأبوين "مكتومين".
والعدد الكلي للأكراد السوريين المجردين من الجنسية حاليا يقدر ب حوالي 280 ألف شخص.[8]
وذلك وفقا للمصادر الكردية ، حيث لا توجد إحصاءات حكومية متوفرة حول هذا الموضوع.
ويتوزع المجردون من الجنسية في محافظة الحسكة - وبشكل خاص في منطقة المالكية- ، ومدينة القامشلي ، ومنطقة رأس العين، بينما هاجر قسم منهم إلى دمشق أو مدن سورية أخرى .
يستخدم الكردي الأجنبي بطاقة تعريف حمراء ترخص له أن يسجل "كأجنبي" في السجلات الرسمية، ولا تخول له هذه البطاقة الحصول على جواز سفر أو المغادرة خارج القطر[9] .
أما "المكتوم" فيميز وجوده مجرد ورقة صفراء ، وهو غير مسجل في السجلات الرسمية،ولا يملك أي وثائق رسمية باستثناء شهادة التعريف من المختار أو سند الإقامة ، وبالتالي لا يتمتع بأي حق من حقوق المواطن .
المجردون من الجنسية و القانون السوري
نصت المادة الثانية من قانون الجنسية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 276 على أن: "تثبت جنسية الجمهورية العربية السورية لمن كان متمتعا بها وفقا لأحكام المرسوم التشريعي رقم 67 الصادر بتاريخ 31/10/1961".
وقد نصت المادة 1من المرسوم التشريعي الأخير على أنه "تثبت جنسية الجمهورية العربية السورية:
أولا - لمن كان يتمتع بالجنسية السورية في 22 شباط 1958.
ثانيا - لمن اكتسب جنسية الجمهورية العربية المتحدة من المواطنين السوريين في المدة الواقعة بين 22 شباط 958م و28 أيلول عام 1961".
ونصت المادة الثالثة من المرسوم رقم 276 على أنه "يعتبر عربيا سوريا حكما :....من ولد في القطر من والدين مجهولين أو مجهولي الجنسية أو لا جنسية لهما.......ومن ولد في القطر ولم يحق له عند ولادته أن يكتسب بصلة البنوة جنسية أجنبية، ومن ينتمي بأصله للجمهورية العربية السورية ولم يكتسب جنسية أخرى ولم يتقدم لاختيار الجنسية السورية في المهل المحددة بموجب القرارات والقوانين السابقة .
ونصت المادة 31 من المرسوم التشريعي رقم 67 والمادة 32 من المرسوم التشريعي 276 على الآتي: "ليس لهذا المرسوم التشريعي تأثير في الأوضاع المكتسبة بمفعول قانون الجنسية السابقة".
من قراءة هذه المواد القانونية يتبين أن الأكراد السوريين قد جردوا من جنسيتهم بشكل اعتباطي في انتهاك للمعايير الدولية المتعارف عليها والقوانين المحلية على السواء، فبفرض أن الجيل الأول الذي جرد من جنسيته لم يكن يستحق هذه الجنسية، فما هو حال الأطفال الذين يولدون "مكتومين" أو "أجانب" ولا يستطيعون الحصول على جنسية،على الرغم من أن المواد السابقة تؤكد حق أي طفل ولد في الأرض السورية لأبوين لا يستطيع اكتساب جنسيتهما ، في الحصول على الجنسية السورية.
على الرغم من أن الهدف المعلن لإحصاء عام 1962 كان إبعاد الأكراد الذين قدموا إلى سورية بعد عام 1945 ، فإن الصورة على أرض الواقع تعكس حقيقة مغايرة.
فوفقا للأكراد أنفسهم ، هناك أشخاص لا يستحقوا الاحتفاظ بالجنسية لكنهم احتفظوا بها عن طريق "رشوة " الموظفين الذين قاموا بعمل الإحصاء، بينما جرد آخرون من جنسيتهم وهم يتمتعون بمعايير المواطنة الحقة.
ومن مؤشرات الاعتباطية في التجريد أيضا ، أن أفرادا من عائلة واحدة بعضهم احتفظ بجنسيته والآخر جرد منها.
فمثلا التقينا بشخص جده ولد في سورية عام 1881 وكان يتمتع بالجنسية السورية حتى وفاته، بينما والده المولود عام 1935 جرد من جنسيته في الإحصاء، على الرغم من أنه أدى الخدمة العسكرية عام 1955 ، والدته أيضا جردت من جنسيتها على الرغم من احتفاظ اخوتها الخمسة بجنسيتهم.[10]
بتاريخ 15/10/1999 صدر عن محافظ الحسكة السيد صبحي حرب التعميم رقم 7889/ح الذي تضمن مايلي:
"يلجأ بعض الأِشخاص – مكتومي القيد- في الحصول على شهادات تعريف أو وثائق مماثلة لها ممنوحة من مخاتير القرى والأحياء ومصدقة في بعض الحالات من السادة مدراء المناطق والنواحي . ولما كان هذا مخالف لتعليمات وزارة الداخلية التي تنص على "عدم إعطاء أية وثيقة سورية لأشخاص غير سوريين مهما كانت الأسباب" مضمون كتاب وزارة الداخلية رقم 567/س/4/9/611/د/18/س تاريخ 24/7/1986 .
نطالب إليكم إفهام وشرح ذلك لمخاتير القرى والأحياء الواقعة في نطاق عملكم وإبلاغهم الامتناع عن منح مثل هذه الوثائق تحت طائلة اتخاذ أشد العقوبات بحق المخالفين.
للإطلاع وإجراء اللازم ومصادرة مثل هذه الوثائق وإتلافها إذا وجدت".
بالرغم من أنه تم التغاضي عن هذا القرار لاحقا،فهذا لا ينفي حقيقة أن هذه القرارات اللامسؤولة، تزيد من صعوبة وضع المجردين، وتعتبر إمعانا في انتهاك حقوقهم،بدل السعي إلى إيجاد حل لمشكلتهم.
حق المشاركة السياسية :
تجريد الكردي من جنسيته يسقط عنه حقوق المواطنة كافة ، فلا حق له في المشاركة بالترشح أو التصويت في الانتخابات على كافة مستوياتها، وبالتالي فهو لا يملك الحق بالمشاركة في الحياة العامة أو الأنشطة السياسية ، علما أن هذا الحق محمي بموجب المادة 25 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية .
وإن كان جدير بالذكر أن النشاط السياسي بشكل عام في سورية محتكر من قبل السلطة ولا يسمح للمعارضة بالنشاط العلني الحر، فحالة الطوارئ مازالت معلنة منذ عام 1963 بما تعنيه من إطلاق يد الأجهزة الأمنية وتهميش القانون والقضاء لصالح القوانين والمحاكم الاستثنائية. وفي هذا الإطار ينطبق على الأحزاب الكردية ما ينطبق على أحزاب المعارضة بأكملها فهي تعمل عادة بسياسة "غض النظر" ومعرضة بشكل دائم للقمع والتدخل الأمني.
ويتعرض النشطاء الأكراد لما يتعرض له النشطاء السوريون كافة، من الاعتقال التعسفي والمحاكمة الصورية أمام المحاكم الاستثنائية، في انتهاك سافر للمادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية[11].
فقد بدأت في كانون الثاني من عام 2003 محاكمة كل من حسن صالح ومروان عثمان عضوي اللجنة المركزية السياسية لحزب يكيتي الكردي في سورية من قبل المحكمة العسكرية في دمشق،حيث أحالت هذه المحكمة المعتقلين بعد أكثر من شهر إلى محكمة أمن الدولة العليا في دمشق – محكمة استثنائية - ، ومازالت محاكمتهما مستمرة حتى كتابة هذا التقرير.
فيما لا يزال قيد الاعتقال المعتقل الكردي ابراهيم نعسان الذي اعتقل في 8/1/2002 وهو موجود في سجن صيدنايا منذ ذلك التاريخ بدون محاكمة.
ولا يزال قيد الاعتقال فرحات عبد الرحمن علي عضو حزب يكيتي وأحمد قاسم.
وبتاريخ 22/3/2003 اعتقل خمسة من الطلاب الكرد بعد أن تمت مداهمة غرفهم في السكن الجامعي بحلب بواسطة "أمن الجامعة" ، حيث أفرج عن ثلاثة منهم بعد أيام وبقي كل من سرهاد حسين وأنور ابراهيم قيد الاعتقال حيث أفرج عنهم في وقت لاحق.
كما اعتقل الطالب الكردي مسعود حامد – كلية الصحافة- بتاريخ 24/7/2003 من قاعة الامتحانات في جامعة دمشق.
معاملة السجناء الأكراد/ التعذيب والمعاملة اللاإنسانية:
مازالت أنباء التعذيب والمعاملة اللاإنسانية للسجناء في المعتقلات السورية تسمع بين حين وآخر، في فروع التحقيق الأمنية والقضائية المنتشرة على مدى الخارطة السورية، وفي هذا الإطار يتعرض بعض الأكراد أثناء الاعتقال للمعاملة السيئة واللاإنسانية.
فبتاريخ 6/8/2003 اعتقل المواطن الكردي خليل مصطفى من قبل الأمن العسكري في حلب ، على خلفية خلاف مالي مع مواطن آخر!! وبتاريخ 14/8/2003 تم تسليم جثته إلى عائلته بعد أن قضى تحت التعذيب، حيث شوهدت على جثته آثار التشوهات التي نجمت عن عملية التعذيب الوحشي التي خضع لها.
كما وردت أنباء عن تعرض سبعة من المعتقلين الأكراد الذين اعتقلوا عقب مشاركتهم في تظاهرة الأطفال (انظر ص 14 ) لتعذيب شديد على يد الأجهزة الأمنية أثناء اعتقالهم لمدة ثلاثة وعشرين يوما قبل إرسالهم إلى سجن عدرا، حيث مازالوا في زنازين انفرادية يعاملون معاملة سيئة، وقد أحيلوا إلى محكمة أمن الدولة العليا (محكمة استثنائية).[12]
يذكر أن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية حرم بشدة أعمال التعذيب في مادته السابعة التي نصت على أنه "لا يجوز إخضاع أي فرد للتعذيب أو لعقوبة أو معاملة قاسية أو غير إنسانية أو مهينة..." .
والدول الموقعة على هذا العهد يجب أن لا تسمح لهؤلاء الذين يقومون بأعمال التعذيب غير الإنسانية بالنجاة من العقاب ، أو التمتع بالحصانة التي تخولهم إياها مراكزهم.
وقد أكدت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بوضوح أن "الادعاءات بالتعذيب يجب أن تدرس بإنصاف وحزم من قبل السلطات المحلية المؤهلة .ذلك أن هؤلاء الذين يشجعون أو يأمرون أو يتسامحون أو يؤمنون استمرار أعمال التعذيب يجب أن يتحملوا المسؤولية بما في ذلك المسؤولين في مكان الاعتقال حيث تحدث مثل هذه الأفعال"[13]
حق التظاهر:
قمع الاحتجاج السلمي
لا يسمح في سورية عادة بالتظاهر السلمي بالنسبة للسوريين كافة ،إلا في حالات محددة جدا، تحت وطأة الاعتقال والمحاكمة.
فبتاريخ 10/12/2003 نظمت عدد من الفعاليات الكردية اعتصاما سلميا أمام مبنى مجلس الشعب بدمشق بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان ، للمطالبة بحقوق السكان الأكراد في المواطنة والحقوق الثقافية.وعلى إثر ذلك ، تم بتاريخ 15/12/2002اعتقال اثنين من المشاركين في الاعتصام هما حسن صالح ومروان عثمان السابق ذكرهما.
وفي الخامس والعشرين من حزيران عام 2003 وبمناسبة اليوم العالمي للطفل ، اعتصم حوالي مئتي كردي بالقرب من منظمة اليونيسف في دمشق ،أطفالا وبالغين، وذلك للمطالبة بحق الجنسية للأطفال المحرومين منها فضلا عن المطالبة بالحقوق الثقافية المتنوعة للسكان الأكراد[14].
وقد حمل الأطفال زهورا ولافتات صغيرة تطالب بهذه الحقوق، وكان أن قامت أجهزة الأمن والشرطة بتفريق المظاهرة بعنف ما نجم عنه جرح أكثر من عشرين شخصا بما فيهم طفلان أحدهما كسرت ذراعه.فضلا عن اعتقال سبعة من المشاركين هم :سوريا محمد مصطفى- خالد أحمد علي- شريف رمضان – عمر مراد- سالار صالح – هوزان محمد أمين- حسين رمضان.
فتاة في العاشرة من عمرها حدثتنا عن هذه التجربة: " بكيت وشعرت بالخوف ، كنا خائفين على أهلنا الذين يمكن أن يذهبوا إلى السجن، كانت الشرطة تضعهم بالباصات ولم نعرف إلى أين كانوا يأخذونهم"
هؤلاء الأشخاص مازالوا في المعتقل في سجن عدرا ، حيث وردت أنباء عن تعرضهم للتعذيب أثناء التحقيق معهم (انظر القسم الخاص بالتعذيب).
الزواج وتكوين أسرة:
من غير المسموح للمواطنات السوريات قانونا الزواج من "الأجنبي" المصنف وفقا لإحصاء عام 1962 ، وإلا فلا الزواج ولا الأطفال معترف بهم قانونيا.ويبقى في سجلات هؤلاء المواطنات بأنهن "عازبات".
وعلى الرغم من أنه يمكن رفع دعوى قضائية لتثبيت هذا الزواج والحصول على قرار بتثبيته، إلا أن دوائر الأحوال المدنية لا تقوم بتسجيل ذلك في سجلاتها.[15]
إن حق كل من الرجل والمرأة اللذين بلغا عمر الزواج ، في الزواج وتكوين عائلة محمي بموجب المادة 23 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، كما أن المادة 26 من هذا العهد تؤكد أن جميع الأشخاص متساوون أمام القانون ولا يجوز التمييز على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غيره أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الملكية أو صفة الولادة أو غيرها.
فأين هذه المادة من القانون السوري الذي يحرم زواج "الأجنبي" أو"المكتوم" من المواطنة السورية،وماهو مصير الأطفال الذين يكونون ثمرة مثل هذا الزواج أو ثمرة زواج "المكتومين فيما بينهم"؟ !!
حقوق الطفل:
تسجيل الولادات واكتساب الأطفال للجنسية السورية:
وفقا لممثل سورية في لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة فإنه" في ظل قانون الجنسية رقم 276 لعام 1969 يعد الطفل سوريا إذا ولد في سورية أو خارجها لأب سوري ، أو ولد في سورية لأبوين غير معروفي الجنسية ، أو ولد في سورية لأبوين أجنبيين لا يمكن للطفل الحصول على جنسيتهما، وفقا لذلك لا يمكن أن يكون في سورية طفل لا يتمتع باسم أو جنسية"[16]!!
لكن واقعيا الأمر مختلف تماما.فوفقا للقوانين الحالية يكتسب الطفل الكردي صفة "المكتوم" في إحدى حالتين:
- إذا كان أحد أو كلا والديه مكتوما.
- إذا كان الوالد مكتوما أو أجنبيا والأم مواطنة سورية
هؤلاء الأطفال من الفئتين المذكورتين أعلاه غير مسجلين في السجلات الرسمية ولا يملكون أي جنسية، على الرغم من أن العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية في مادته 24 تؤكد أنه "00002- يسجل كل طفل فور ولادته ويكون له اسم 3- لكل طفل الحق في أن تكون له جنسية".
كما أن في حرمان الطفل الكردي من جنسيته السورية انتهاك للمادة السابعة من اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 الذي صادقت عليه سورية في تموز من عام 1993 ، وتنص هذه المادة على أن "يسجل الطفل بعد ولادته فورا ويكون له الحق منذ ولادته في اسم والحق في اكتساب جنسية......2- تكفل الدول الأطراف إعمال هذه الحقوق وفقا لقانونها الوطني والتزاماتها بموجب الصكوك الدولية المتصلة بهذا الميدان ولا سيما حيثما يعتبر الطفل عديم الجنسية في حال عدم القيام بذلك).
إن عدد الأطفال المكتومين في سورية يزداد باطراد مع زيادة النمو السكاني، ويقدر عددهم حاليا وفقا لمصادر كردية بنحو خمسة وعشرين ألف طفل.
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
العناية الصحية:
ينص العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مادته الثانية عشرة على أن"تقر الدول الأطراف في العهد الحالي بحق كل فرد في المجتمع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية "، ويتضمن هذا الالتزام مسؤولية الدولة الطرف في المعاهدة عن "خلق ظروف من شأنها أن تؤمن الخدمات الطبية والعناية الطبية في حالة المرض"(م12-فقرة د).ويدعو العهد الدولي الدول الأطراف ليس فقط لتأمين الخدمات الصحية الممكنة ، بل توفيرها للجميع بدون استثناء.
ويعاني الأكراد المجردين من الجنسية من بعض التمييز في توفير العناية الصحية لهم، فمثلا المشافي العسكرية وبعض المشافي العامة ترفض استقبالهم، كمشفى تشرين العسكري- مشفى الأسد الجامعي- مشفى 601، كما أن المشافي العسكرية التي تقدم خدماتها للمحاربين القدماء لا توفر رعاية طبية مجانية للمحاربين القدامى من لأكراد غير المواطنين ، الذين سبق واكتسبوا هذه الصفة قبل تجريدهم من الجنسية.
ونتيجة ذلك يواجه العديد من الأكراد صعوبات كثيرة في تلقي العناية الصحية التي يحتاجونها، كما أن أغلبية النساء الكرديات ولدن في المنزل وفقا لما أدلى به العديد منهن أثناء لقائنا معهن .[17]
لكن هناك مشافي محددة تقدم خدماتها للأكراد المجردين في جميع الحالات، كالمشافي المختصة بأمراض السرطان والإيدز.
وهذا الحرمان من العناية الصحية يصبح مضاعفا إذا أضفنا أن المجردين من الجنسية لا يمكنهم أن يصبحوا أطباء ، وبالتالي لا يمكنهم سد النقص في الخدمات الحكومية الطبية لأقرانهم.
التعليم
"أريد أن أعيش مثل باقي الأطفال في سورية والعالم لأن العديد من الأطفال الأكراد يذهبون للعمل بدل الدراسة"
طفل كردي في العاشرة من عمره
ينص العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مادته 13 على أن"تقر الدول الأطراف في العهد الحالي بحق كل فرد في التعليم وهي تتفق على أن توجه التعليم نحو التنمية الشاملة للشخصية الإنسانية وللإحساس بكرامتها".
كما أن الحق في التعليم منصوص عليه أيضا في ميثاق حقوق الطفل لعام 1989 والذي صادقت عليه سورية.كما أن الدستور السوري ينص في مادته 37 على أن " التعليم حق تكفله الدولة وهو مجاني في جميع مراحله".
تؤكد جميع هذه المواد أهمية التعليم لتطور الفرد والمجتمع، ومع ذلك يعتبر التعليم بالنسبة للعديد من الأكراد حلما بعيدا.
فمن جهة هناك الأوضاع المادية المتردية التي تجبر الأطفال على ترك الدراسة لمساعدة عائلاتهم، وإن كانت هذه المشكلة عامة بالنسبة للسوريين ككل، بسبب سوء الوضع الاقتصادي المتردي باستمرار، فإنها تأخذ بعدا آخر عند الأكراد المجردين بسبب صعوبة حصولهم على عمل يكفي لتأمين لقمة العيش.
وعلى ذلك فالمشكلة تأخذ أبعادا اقتصادية واجتماعية شاملة، بالإضافة للأبعاد الخاصة بالقضية الكردية .
من ناحية أخرى فإن الأكراد المجردين من الجنسية يعانون من الحرمان من حقهم في التعليم على مستويين:
بالنسبة للأجانب: يحق لهم اجتياز مراحل التعليم الأساسية : مرحلة التعليم الأساسي (العمر من 6-15 عاما ) – المرحلة الثانوية (16- 18 ) ، حيث تؤهل الشهادة الثانوية حامليها الدخول إلى الجامعات والمعاهد. كما يحق للأجنبي دخول الجامعة أو المعهد ، إلا أن المعضلة تكمن في عدم السماح له بممارسة ما تعلمه بعد تخرجه، كما سنرى لاحقا.
بالنسبة للمكتومين : يبقى حال الكردي الأجنبي أفضل من المكتوم نسبيا، حيث لا يسمح للمكتوم بدخول الجامعات أو المعاهد ، بل لا يستطيع الحصول على شهادته الثانوية أصلا.
كما تبرز مشكلة أخرى متمثلة في عدم وجود جامعة في منطقة الجزيرة ، فإذا أضفنا بعد المسافات عن أماكن الجامعات في المحافظات الأخرى ،فإن الجانب الاجتماعي أيضا يلعب دورا في ذلك ، حيث غالبا لا يسمح للفتيات من قبل عائلاتهن بالسفر إلى المحافظات الأخرى للدراسة في الجامعة .
وأيضا لا يسمح للكردي الأجنبي الذي يدرس في الجامعة ، بالانتساب إلى الاتحاد الوطني لطلبة سورية ، ما يحرمه فرص الترشح لانتخابات هيئات الجامعة المختلفة.
ويأتي أخيرا الجانب الأمني ، حيث يتعرض الطلاب في المراحل العليا إلى الكثير من الضغوط الأمنية ، إما للانتساب لحزب البعث الحاكم أو لكتابة التقارير الأمنية عن بقية الزملاء والطلاب، وفقا لما ذكره لنا العديد من الطلاب الأكراد الذين التقيناهم.
فرص التوظيف
حتى عندما يتخرج الكردي الأجنبي من الجامعة أو المعهد، فمن غير المحتمل أن يعثر على عمل ضمن اختصاصه. فمثلا لا يستطيع العمل كمحام أو طبيب أو مهندس أوصحفي أو أية مهنة أخرى يشترط لممارستها الانتساب إلى النقابة الخاصة بها، وذلك لعدم السماح له بهذا الانتساب.أكثر من ذلك أن كلا من الأجنبي والمكتوم لا يسمح له بالعمل في الوظائف الحكومية.
إن عدم تكافؤ الفرص هذا ، يشيع جوا كبيرا من الإحباط في أوساط الأكراد المجردين، ويشعرهم بأنهم عالة على المجتمع بدل أن يكونوا أعضاء فاعلين فيه.
أحد الأكراد الأجانب الذين التقيناهم أخبرنا أنه درس الرياضيات في الجامعة، وكان من المفترض أن يصبح مدرسا، لكن نظرا لأن ذلك غير مسموح بالنسبة له في القطاع التعليمي العام، ونظرا لقلة الفرص في العمل الخاص، لم يجد أخيرا ما يعمله إلا نادلا في مطعم.
ويضاف إلى صعوبات العمل بالنسبة إليهم عدم السماح لهم بالتملك سواء بالنسبة لمنزل أو أرض أو غير ذلك، ما يجبرهم على تسجيل الممتلكات بأسماء أكراد آخرين يحملون الجنسية السورية ، وهذا ما يؤدي إلى مزيد من الصعوبة في التعاملات .
إن الحق في تأمين العمل وتوفير فرص متساوية للجميع وفق ما نص عليه العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في مادته السابعة، هو أمر أبعد ما يكون عن الواقع بالنسبة للسوريين كافة ، فكيف الحال بالنسبة لهؤلاء المجردين من حقهم في المواطنة .
الحقوق الثقافية:
الهوية الثقافة الكردية :
" أريد أن أعيش ككردي مثل أي شخص في العالم ، أن يكون لي الحق أن أقف في الشارع وأصرخ أنا كردي" طالب كردي
ينص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في مادته 27 على أنه "لا يجوز إنكار حق الأشخاص الذين ينتمون إلى أقليات عنصرية أو دينية أو لغوية قائمة في دولة ما. في الاشتراك مع الأعضاء الآخرين مع جماعتهم في التمتع بثقافتهم أو الإعلان عن ديانتهم واتباع تعاليمها أو استعمال لغتهم".
تؤكد هذه المادة أهمية تمتع الفرد بحقوقه الثقافية كجزء من حريته الشخصية وحقوقه الإنسانية وأن التمتع بالحقوق الثقافية كاستخدام اللغة هو عنصر أساسي للحفاظ على الهوية الثقافية.
كما أن ممارسة الحقوق الثقافية المتعلقة بالأشخاص ، تحتاج غالبا أن تمارس ضمن جماعة، كاستخدام اللغة والاحتفال بالمناسبات الخاصة.
على الرغم من التزامات الحكومة السورية في ظل المادة 27 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، فإن انتهاك الحقوق الثقافية للأكراد في سورية هو أمر اعتيادي ومستمر من سنوات.
فالأداة الأساسية للحفاظ على الهوية الثقافية الكردية هي استخدام لغتهم الخاصة، ومع ذلك ، وكجزء من خطة التعريب التي بدأت عام 1970 ، فإن أسماء العديد من القرى والمدن الكردية تم استبدالها بأسماء عربية.
في بداية التسعينات ، صدرت أوامر بمنع تسجيل الآباء الأكراد لأطفالهم في السجلات الرسمية بأسماء كردية، إلا أن الإصرار على استخدام هذه الأسماء ، تغلب على هذه الأوامر في النهاية.
وبالطبع يمنع الأكراد من الطباعة باللغة الكردية ، وأغلب المنشورات المتداولة الآن إما جلبت بشكل غير شرعي من لبنان أو إيران أو تمت طباعتها بشكل سري.
وإن كانت مشاكل حرية النشر هي من المشاكل التي يعاني منها المجتمع السوري ككل ، حيث لا يسمح لأحزاب المعارضة أو للجمعيات الأهلية بإصدار منشوراتهم الخاصة أو الترخيص لها، وغالبا ما يتم الإصدار بشكل ضيق ومحدود.
إن ذلك لا يعد فقط انتهاكا للمادة 27 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، وإنما للمادة 19 من العهد نفسه، التي تضمن حرية الرأي والتعبير وتتضمن التأكيد على حق كل فرد في "البحث عن المعلومات أو الأفكار من أي نوع واستلامها ونقلها بغض النظر عن الحدود وذلك إما شفاهة أو كتابة أو طباعة " وهذا الحق ليس مطلقا وإنما يخضع لحدود معينة مثل "حماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق"(مادة 27-3).
فمثلا ، اعتقل المؤلف والشاعر الكردي ابراهيم نعسان في بداية عام 2002 لنشره موادا ثقافية وتثقيفية باللغة الكردية، ومازال معتقلا حتى كتابة هذا التقرير.
ولا يسمح للأطفال الأكراد بدراسة اللغة الكردية في المدارس ، كما أن المدرسين الأكراد يمنعون منعا قاطعا من التكلم بالكردية أثناء التدريس في مناطق تجمع الأكراد.
كما أن إعلان حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية وإلى أقليات دينية ولغوية الذي اعتمد عام 1992 ينص في مادته الرابعة فقرة 3 على أنه (ينبغي للدول أن تتخذ تدابير ملائمة كي تضمن، حيثما أمكن ذلك، حصول الأشخاص المنتمين إلى أقليات على فرص كافية لتعلم لغتهم الأم أو لتلقى دروس بلغتهم الأم.)
وفي الفقرة الرابعة من ذات المادة يطالب الإعلان أيضا الدول الأطراف باتخاذ إجراءات إيجابية في حقل التعليم والثقافة عن طريق اتخاذ(...تدابير في حقل التعليم من أجل تشجيع المعرفة بتاريخ الأقليات الموجودة داخل أراضيها وبتقاليدها ولغتها وثقافتها. وينبغي أن تتاح للأشخاص المنتمين إلى أقليات فرص ملائمة للتعرف على المجتمع في مجموعه. )
و اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 في موادها 29 – 30 تضيف ضمانات أخرى على حماية حق الأطفال في استخدام لغتهم الخاصة.حيث جاء في المادة 29 منه (توافق الدول الأطراف على أن يكون تعليم الطفل موجها نحو: ..ج- تنمية احترام ذوي الطفل وهويته الثقافية ولغته وقيمه الخاصة والقيم الوطنية للبلد الذي يعيش فيه الطفل والبلد الذي نشأ فيه في الأصل والحضارات المختلفة عن حضارته)
إن تعلم الأطفال لغتهم الأم حق أساسي من حقوق الإنسان، ويكون ذلك عادة إما عن طريق اعتماد لغة الأقلية كلغة ثانوية أو باعتماد تدريس لغة الأقلية في الأماكن التي تتواجد فيها بشكل أساسي.
ولا يمنع الأطفال فقط من تعلم لغتهم الكردية في المدارس ، وإنما يمنع عليهم التعلم عن طريق وسائل بديلة خاصة.ومن أجل المحافظة على اللغة الكردية يقوم أفراد معينين بالإضافة إلى الأحزاب السياسية بشكل غير رسمي، بتعليم الكتابة والقراءة بالكردية، علما أن معظم الذين التقينا بهم أثناء إعدادنا هذه الدراسة كانوا يتكلمون الكردية بطلاقة[18].
كما يؤكد العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في المادة 27 ، وإعلان الأقليات لعام 1992 في مادته الثانية بأن ( يكون للأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية وإلي أقليات دينية ولغوية ... الحق في التمتع بثقافتهم الخاصة، وإعلان وممارسة دينهم الخاص، واستخدام لغتهم الخاصة، سرا وعلانية، وذلك بحرية ودون تدخل أو أي شكل من أشكال التمييز.)والمادة الثالثة (يجوز للأشخاص المنتمين إلى أقليات ممارسة حقوقهم، بما فيها تلك المبينة في هذا الإعلان، بصفة فردية كذلك بالاشتراك مع سائر أفراد جماعتهم، ودون أي تمييز. ) .
هذه المواد تسلط الضوء على أهمية تمتعهم بالحقوق المنصوص عليها في العهد الدولي السابق الذكر ، مثل الحق في الاجتماع (م21) وتكوين الجمعيات (م22) .
فحتى الآن يعاني الأكراد للحصول على ترخيص للاحتفال بحدث ثقافي معين كالاحتفال "بالنيروز" بداية السنة بالنسبة للأكراد .
كما تمنع السلطات تشكيل المنتديات والجمعيات الكردية الخاصة، فحبيب ابراهيم، عضو في حزب يكيتي الكردي، الذي قضى ثمان سنوات ونصف في سجن صيدنايا، أخبرنا عن تجربته في تشكيل ناد ثقافي عام 2001 مع بعض الأصدقاء، وأوضح أن هدف تأسيس النادي لتنظيم القراءات والمحاضرات مع كتاب عرب وشخصيات عامة مختلفة بهدف خلق حوار بين السوري الكردي والسوري العربي.لكن أثناء إحدى المحاضرات قامت السلطة بإغلاق المنتدى واعتقلت بعض أعضائه الذين تعرض بعضهم للتعذيب.
وجدير بالذكر في هذا الإطار أن حرية التجمع وتشكيل المنتديات والجمعيات ، مقيدة بأقسى القيود في سورية ويعاني منها كافة السوريين الناشطين في الحقل العام ، حيث أغلقت خلال العامين الماضيين العديد من المنتديات الثقافية ورفض ترخيصها.
على أية حال، وفقا لإعلان حقوق الأقليات ، فالدولة ليست ملزمة فقط بالامتناع عن انتهاك حقوق الأقليات ، وإنما لديها أيضا التزامات إيجابية لحماية "( وجود الأقليات وهويتها القومية أو الإثنية، وهويتها الثقافية والدينية واللغوية، وبتهيئة الظروف الكفيلة بتعزيز هذه الهوية"(المادة 1-1 ) ، بمعنى أن الدولة يجب أن "تعتمد التدابير التشريعية والتدابير الأخرى الملائمة لتحقيق تلك الغايات" (المادة 1-2) .
وفي هذا الإطار لا بد من ذكر سياسة التعريب التي اتبعت من قبل الحكومة ،ففي كتيب صادر عن "التحالف الديمقراطي الكردي في سورية، نجد أسماء مئات القرى المسماة بالكردية، التي تم تغييرها إلى أسماء عربية، بموجب قرارات رسمية أرفقها الكتيب.[19]
النتائج والتوصيات
لم يعد من الممكن إغفال مشكلة أكراد سورية، كأحد أشكال انتهاك حقوق الإنسان السوري، هذه المشكلة تتضمن : المجردون من الجنسية السورية- الحريات العامة – الحقوق الاقتصادية والاجتماعية- الحقوق الثقافية الخاصة بالأقلية الكردية.
فبالنسبة للمجردين من الجنسية أجانب ومكتومين ، لن يؤدي استمرار تجاهل قضيتهم إلا إلى تفاقم النتائج السلبية التي تنجم عنها، والتي من منظور حقوقي تعد استمرارا لانتهاك القوانين الوطنية والدولية ، ومن منظور وطني فهي تضعف ارتباط هؤلاء الأشخاص بوطنهم سورية، وتزيد من عزلتهم عن المجتمع .
في الاستبيان الذي قمنا به وأشرنا إليه في بداية هذه الدراسة، والذي شمل 129 كرديا أجنبيا وتسعة عشر مكتوما، و152 كرديا سوريا، عبر 233 شخصا عن تأكيدهم بأنهم أكراد سوريين، فيما تفاوتت إجابات الباقين مابين اعتبار أنفسهم مجرد أكراد، أو استنكار صيغة السؤال ، من قبل الأجانب أو المكتومين، الذين تساءلوا كيف يعتبرون أنفسهم سوريين وهم بدون جنسية سورية.
وفي السؤال عن أصل العائلة، أجاب 251 منهم ، بأن الأصل سوري، مرفقين ذلك أحيانا بعبارة (أبا عن جد) ، وبغض النظر عن صحة مدلول هذه الأرقام ، فإنها تشير إلى الشعور الغالب لدى أكثرية الأكراد بأنهم سوريون بالفعل، ويشعرون بالانتماء إلى هذا البلد الذي يضن عليهم بجنسيته، وفي سؤال حول الرغبة بالحصول على الجنسية السورية أجاب أحد عشر منهم بعدم رغبتهم في الحصول عليها فيما أجمع الباقون على هذه الرغبة.
وفيما أعرب 198 عن رفضهم لفكرة الانفصال عن سورية، أيد 48 هذا الأمر ، بينما امتنع الباقون عن الإجابة. ومع عدم استبعاد العوامل القومية والذاتية لدى مؤيدي الانفصال، فلا يمكن إغفال العامل النفسي الناجم عن الشعور بالعزلة والتهميش والحرمان من الحقوق التي يعيشها المجردون من الجنسية، والتي قد تدفع بهم إلى ابتداع الحلول لوضعهم ، مهما كانت طبيعة هذه الحلول.أما عن الحقوق المدنية والسياسية ، فإنها مشكلة يعاني منها المجتمع السوري بأكمله، حيث هامش الحراك العام أقل من ضيق، ومازال التعامل مع المواطن يتم على أساس عقلية أمنية بعيدا عن مقتضيات القانون والعدالة ومبادئ حقوق الإنسان.
وعن الحقوق الثقافية للأقلية الكردية في سورية، فهي ضرورة يجب أن تتمتع بها أية أقلية ، بغية الشعور الطبيعي بالحفاظ على هويتها الثقافية وتوريثها لأجيالها اللاحقة، وإن مزيدا من التضييق على هذه الحقوق ، لن يؤدي لدى الأقلية إلا لمزيد من العزلة والتقوقع على الذات ، كوسيلة دفاعية لا بديل عنها ، في سبيل الحفاظ على التراث والثقافة الخاصة بها، ما يؤدي إلى زيادة عزلتها عن المجتمع وانقطاع الروابط الاجتماعية بينها وبين الفئات الأخرى.
على ذلك فإننا نرى أنه لا بد من الخطوات التالية على طريق حل القضية الكردية في سورية:
1-أن يتم تخصيص فترة محددة يدعى فيها من يرغب من الأكراد الأجانب والمكتومين، لتقديم طلبات بتسوية أوضاعهم وفقا لأحكام قانون الجنسية السوري، بعيدا عن التدخلات الأمنية وبغير النظر إلى أي اعتبارات غير اعتبارات العدالة ومقتضيات القانون.
2- الاعتراف بالحقوق الثقافية للأقلية الكردية وعلى رأسها الحق في تعلم واستعمال اللغة الكردية بغير قيود.
3-إلغاء القرارات الأمنية القائمة على التمييز ضد الأكراد في سورية.
وتبقى الحريات العامة رهنا بتغيير شامل يبدأ بإلغاء إعلان حالة الطوارئ والمحاكم الاستثنائية وإطلاق سراح جميع المعتقلين ووقف تدخل الأجهزة الأمنية في حياة المواطنين، وإطلاق الحريات العامة ، لإنهاء حالة الجمود والتردي المسيطرة على المجتمع السوري بكافة أطيافه.
المراجع
1- قانون الجنسية العربية السورية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 276 لعام 1969 وتعديلاته.
2- المجموعة الإحصائية لعام 2003 الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء.
3- كتيب تعريب القرى والبلدات الكردية- التحالف الديمقراطي الكردي في سورية .
4- تقرير منظمة مراقبة حقوق الانسان عن الأقلية الكردية لعام 1996 .www.hrw.org
5- www.unchr.ch
المرفقات
1- نسخة من الاستبيان الخاص بهذا التقرير.
2- صورة قيد خاصة بالمسجلين في سجلات "أجانب الحسكة".
3- صورة سند إقامة خاص بالمكتومين.
4- صورة بيان من شعبة تجنيد الدرباسية لأحد المواطنين مع بيان عائلي لأحد أولاده.
5- نص المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
6- صورة عن بيان منظمة العفو الدولية المتعلق بتعذيب معتقلي مظاهرة الأطفال الأكراد.
7- صورة عن المذكرة المقدمة من أطفال الكرد في سورية إلى منظمة الأمم المتحدة للطفولة في سورية.
8- بيان إثبات زواج صادر عن المحكمة الشرعية في الحسكة.
9- صورة عن القرار رقم 2123 / ن الصادر عن وزير الإدارة المحلية عام 1997الخاص بتعريب أسماء قرى كردية*
[1] مرفق نسخة من الاستبيان بوثائق الدراسة.
[2] انظر قانون الجنسية العربية السورية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 276 لعام 1969 وتعديلاته.
[3] وفقا للمصادر الكردية يبلغ عددهم حوالي مليونين ونصف كردي.
[4] يبلغ تعداد سكان محافظة الحسكة وفق المجموعة الإحصائية لعام 2003 / 1281000 مواطنا مسجلين في القيود المدنية حتى تاريخ 1/1/2003 .ولا تشير هذه المجموعة إلى تعداد الأقليات الموجودة في سورية.
[5] ميثاق الحد من حالات عديمي الجنسية لعام 1961 .
[6] وفقا لمنظمة مراقبة حقوق الانسان فقد قدر عددهم عام 1996 ب 67،465 شخصا.
[7] وفقا لمنظمة مراقبة حقوق الانسان فقد قدر عددهم عام 1996 بحوالي خمسة وسبعين ألفا .
[8] وفقا للمرجع السابق فيقدر عددهم الكلي حسب الإحصاءات الحكومية عام 1996 ب 142،465
[9] مرفق بوثائق التقرير صور عن القيود التي تمنح للأكراد "الأجانب" و"المكتومين".
[10] مرفق مع التقرير وثيقة تتضمن بيانا من شعبة تجنيد الدرباسية توضح أن أحد المواطنين قد أدى خدمة العلم عام 1959 لكنه جرد فيما بعد من جنسيته وقيد أولاده "أجانب" وقد تزوج أحدهم من "مكتومة" فكان أن أنجبوا أطفالا "مكتومين"ّ!! مرفق مع الوثائق بيان عائلي للأب والأولاد.
[11] مدرج نص المادة 14 مع وثائق الدراسة.
[12] انظر بيان منظمة العفو الدولية المرفق .
[13] لجنة الأمم المتحدة لحقوق الانسان.2003 لمزيد من التفاصيل انظر
UN Doc.E/CN.4/RES/2003/32
www.unhchr.ch
[14] مرفق مع التقرير المذكرة التي تقدم بها المشاركون إلى ممثل منظمة الأمم المتحدة في سورية.
[15] مرفق بوثائق التقرير صورة عن قرار تثبيت زواج "أجنبي" بمواطنة سورية.
[16] لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل- 1997 – لمزيد من التفاصيل انظر
Summary record of the 361st meeting, UN.Doc/CRC/SR.361
www. Unhchr.ch
[17] الحديث يدور دائما عن الأكراد المجردين من الجنسية.
[18] 248 شخصا ممن شملهم الاستبيان يتكلمون الكردية بطلاقة.
[19] انظر تعريب القرى والبلدات الكردية- صادر عن التحالف الديمقراطي الكردي في سورية- مرفق بهذا التقرير أحد القرارات الواردة في الكتيب.
* للحصول على التقرير مع مرفقاته يرجى الاتصال بالجمعية على عناوينها المعتمدة.