تحقيق كلمة هيمنة
بقلم اللواء المتقاعد: كامل الدبوني
كثيراً ما نسمع من الإذاعات الأجنبية التي تذيع باللغة العربية، كما وأخذت بعض الإذاعات العربية تتبعها في استعمال كلمة (هيمنة) و (يهيمن) وبعض تصريف الكلمة، ويريدون منها معنى التسلط والسيطرة والقهر، وما يقرب من هذا المعنى.
ولورود كلمة (المهيمن) في كتاب الله تعالى (القرآن الكريم) في موضعين، وبمعنى يختلف تماماً عن معنــى التسلط والسيطرة، لذا أردت توضيح هذه الكلمة حسب الاستطاعة.
ولنبدأ باستعمال الكلمة في القرآن الكريم:
1 – قال الله تعالى: [ وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله...] من الآية 48 من سورة المائدة.
ومعنى هذه الآية الكريمة –حسب كتب التفسير- أن الخطاب موجّه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والكتاب هو القرآن الكريم الذي جاء (مصدقاً مشتملاً على الدعوة إلى الله تعالى، والأمر بالخير والنهي عن الشر) كما اشتملت عليه تلك الكتب المنزلة، وبهذا يكون القرآن الكريم (مهيمناً): أي شاهداً بصحة تلك الكتب المنزلة ومقرراً لما فيها، مما لم ينسخ. وناسخاً لما خالف منها، ورقيباً عليها وحافظاً لما فيها من أصول التشريع، ومؤتمناً عليها، لكونه مشتملاً على ما هو معمول به منها، وما هو متروك.
وجاء في (صفوة التفاسير): (مهيمناً عليه) أي مؤتمناً عليه، وحاكماً لما قبله من سائر الكتب، لأنه يشهد لها بالصحة والثبات. وقال ابن كثير في تفسيره: اسم المهيمن يتضمن ذلك، فهو أمين وشاهد وحاكم على كل كتاب قبله، جمع الله فيه محاسن ما قبله وزاده من الكمال ما ليس في غيره. (فاحكم بينهم بما أنزل الله) أي في القرآن الكريم، ومعنى كلمة (مهيمن) لغة: التصديق، فقد اشتقّت الكلمة من الفعل (أمِنَ) وهو التصديق. وقد جاء في المعجم المسمى (المختار من صحاح اللغة) (المهيمن): أصله: (مؤأمن) بهمزتين. ليّنت الثانية وقُلبت ياء كراهة اجتماعهما، وقُلبت الهمزة الأولى (هاء) فأصبحت الكلمة (مهيمن) كما قالوا في (أراق الماء) تبدلت الهمزة فقالوا (هراق).
2 – قال الله تعالى: [ هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون] الآية: 23 من سورة الحشر. كلمة (المهيمن) هي من أسماء الله تعالى، ومعنى الكلمة: الشهيد على عباده بأعمالهم الرقيب عليهم. وقال ابن كثير في تفسيره: إن ابن عباس رضي الله عنهما وغير واحد قد قالوا في معنى الكلمة، أي الشاهد على خلقه بأعمالهم، وهو بمعنى الرقيب عليهم، كقوله تعالى: (والله على كل شيء شهيد) (البروج: 9).
(والمهيمن) لغة: فقد جاء في (المعجم الوسيط) ما يلي:
(المهيمن): من أسماء الله تعالى، بمعنى الرقيب المسيطر على كل شيء الحافظ له، وفي التنزيل العزيز: (مصدقاً لما بين يديه ومهيمناً عليه).
ونحن نرى أن هذه الآية الواردة في سورة المائدة، جاءت تصف القرآن الكريم. هذا وقد جرى على الكلمة نفس الإبدال، كما ذكرت سابقاً.
3 – والآن نأتي على ذكر كلمة (هيمن): فهذه الكلمة ليس لها ذكر في كتاب (المختار في صحاح اللغة) إلا أنه قد وردت في (المعجم الوسيط) هكذا: (المهيمن على فلان: قال آمين. و (هيمن) على كذا أي سيطر عليه وراقبه وحفظه. و (هيمن) الطائر على فراخه: (رفرف على فراخه) هذا، ولم أجد في معاجم اللغة التي اطلعت عليها أي تصريف للكلمة، كما وأن هذا الاستعمال للكلمة في اللغة العربية قد جاء في وصف الطائر عندما يرفرف على فراخه، وبهذه الصيغة فقط.
إن قصدي من التحقيق توضيح معنى كلمة (المهيمن) الواردة في القرآن الكريم وقد فعلت، والله من وراء القصد والسلام.
الهوامش:
(1) المختار من صحاح اللغة: تأليف السيد محي الدين عبد الحميد (رحمه الله) والسيد محمد عبد اللطيف السبكي، فقد اختار المؤلفان عند تأليفه أصح كتب الفقه واللغة، واعتمدا على كتاب (مختار الصحاح) الذي صنفه الإمام محمد بن أبي بكر عبد القادر الرازي رحمه الله، أحد علماء القرن الثامن الهجري، وجعلاه الأساس لكتابهما هذا.
(2) ونلاحظ (عزيزي القارئ) أن الذي صنف (المعجم الوسيط) كان غير موفق في ذكر الآية الكريمة مثلاً، فهي تصف القرآن الكريم. بينما كان عليه ذكر الآية الكريمة التي ورد فيها ذكر الكلمة (مهيمن) والتي هي من أسماء الله تعالى، وهي الآية 23 من سورة الحشر وكما موضح في هذا التحقيق.