الكلامُ المُباح في مسألة الحَمْلِ والسّفاح

الكلامُ المُباح في

مسألة الحَمْلِ والسّفاح

مصباح الغفري

وَسَلِ الحُبلى ، لِقاحَ الشّرّ ، هل بَعْدُ وَحامُ ؟

 ( الجواهري )

حدثنا أبو يسار الدمشقي قال :

خلّفتُ غاشيَة الخنوع ورائي         وأتيت مُصطفلاً أجُرّ ردائي!

لكي أنام ناعمَ البال ، انتسبت إلى حزب الاصطفال ، متقاعِداً عن النضال ، تاركاً التنظيرَ والقيلَ والقال. وحزب " يصطفلوا " حزب عريق ، عرفه العرب قبل خارطة الطريق ، كالقشة يتمسّك بها الغريق .  لكن العلاقة مع السلطة ، كالعلاقة مع اللصوص والشرطة ، وتلك ورطة أي ورطة ! شعارهم من لم يكن معنا ، فهو علينا . إذا لم ترقص في المسيرات الشعبية ، فأنت عميل للاستعمار والصهيونية . وإذا لم تمتدح خطَب الرئيس القائد ، فأنت رجعيّ وحاقد .

ولأنني لا أتقن الرقص ، وأعلَمُ أنه دليل على النقص . فقد غادرت الوطن ، هرباً من الآفات والمِحَن . غادرت وطنَ الأحزان ، وأطلقت للساني العنان ، مكتفياً بمحاربة القمع بأضعف الإيمان : القلب واللسان!

لكن حساب السوق ، لا ينطبق دوماً مع حساب الصندوق . فقد حُرمت من تجديد جواز السفر ، فأين المفرّ ؟ أحرقتُ سُفني كطارق بن زياد ، فالعودة إلى وطن المخافر دونها خرطُ القتاد . وكيف أعود إلى وكر الأفعى ، وإلى حتفي بظلفي أسعى ؟ 

قال أبو يسار ، وهو يُكثرُ من الاستغفار ، ألا فاعلموا أيها السّمار ، أنني طوفت في الأمصار ، فلم أجد ملاذاً آمناً في غير بلد الاستعمار ! أقمت في باريس كل هذه السنين ، يمزقني الحنين . أحلُمُ بصحن فول مُدَمّس عند مجيد ، وكأنه لعَسُ الغيد الأماليد . لكنني عندما أتذكّرُ أقبية المخابرات ، ولسعَ السياط والخيزرانات . أثوبُ إلى الرشد بعد الجهل ، وأنتظر من الباري الفرج والحل .

رُفِعَ الديكتاتور إلى السماء ، فتنفسنا الصعداء . فتغيير الدول رحمة للأمة ، وقد تزول عنا الغمة . ولا زلنا بانتظار رفع المظالم ، والمصالحة بين المواطن والحاكم .

بعد حرب العراق ، إلتفت الساق بالساق، وإلى واشنطن كان المساق . أصبحت بغداد بين علَّةٍ خبيثة ودواء نَجس ، بين طاغية زالَ ووحشٍ مفترس . وبدت أعراض الوحام ، على القيادات التاريخية والحكام . فلم يعد الحَملُ والسّفاح ، وقفاً على الغواني والملاح . أصبحَ الحَيْضُ من شِيَمِ الحاكمين ، في بلاد العرب والمسلمين . والجميع حُبالى بالهموم والرّعب من المنون ، فهذا يومٌ لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون !

اليانكي يحملُ فاسه ، والكلّ يتحَسسُ راسه . وكراسي الحكم كالتوابيت ، والجالس عليها بين كيت وكيت . ولا زالت جماهير المخابرات والمُخبرين ، تعتقل الشرفاء والمناضلين ، والعفو العام لا يشمل غير القتلة واللوطيين!

نحن لا ننتظر العفو من أحد ، وحق الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد . فهل يعفو القاتل عن القتيل ، في هذا الزمن الوبيل ؟ نحن ننتظر إعادة الحقوق ، فليس في ذلك للآباء أي عقوق !

ثم إن أبا يسار تنهد ، وما لبث أن أنشد :

أقولُ اضطراراً قد صَبرتُ على الأذى    على أنني لا أرى الحُرَّ مُضطَرا

وليـسَ بِحُـرّ مـن إذا راَمَ غايــةً    تخوّفَ أن تجري به مَسلكاً وعرا