متى يخوض أوباما حربه
صلاح حميدة
قيل إنه لكل رئيس أمريكي حربه، فبوش الابن له حروبه، وكلنتون كذلك، وبوش الأب كذلك أيضاً، وهكذا إذا ما استمرينا بالنزول في الجدول الرئاسي الأمريكي، الحروب التي كان يخوضها الرؤساء الأمريكان، كانت إما حروباً مباشرة تتدخل فيها الولايات المتحدة الأمريكية، وإما أن تقوم بها عبر وكلائها في العالم.
حفل عصر الرئيس الأمريكي السابق بوش بالحروب المعلنة والسرية، وتميزت بعدوانية شديدة تجاه العرب والمسلمين خصوصاً، وخاض حربين كبيرتين احتل- وحلفاؤه- فيهما كلاً من أفغانستان والعراق، وحتى قبل ان ينهي حكمه سمح لحلفائه وأدواته بشن حربين في جورجيا وقطاع غزة المحاصر.
الرئيس الأمريكي أوباما يعد حديث العهد حتى الآن على الساحة الدولية، ويظهر خطاباً توافقياً يميل للتفاهم والحوار مع الكثير من أعداء الولايات المتحدة المفترضين، فقد بدأ حراكاً دبلوماسياً أولياً تجاه كل من إيران وسوريا ودول اليسار اللاتيني، هذا الانفتاح بقي في مراحله الأولى، ولم ينتقل إلى الجوانب العملية، بل إن هناك من يرى أن أوباما يتحدث بعكس ما يفعل، ويضربون مثالاً على ذلك تحرشه بروسيا عبر الاستمرار في مشروع الدرع الصاروخية في أوروبا الشرقية، مضافاً إليه تحرش أسطوله البحري بالأسطول الصيني في المياه الاقليمية الصينية، إضافة إلى التصعيد الدبلوماسي والعقابي مع كل من كوريا الشمالية، ومع السودان بشكل خطير وغير مسبوق.
على المستوى الفلسطيني، هناك من يرى أن أوباما لم يعط الفلسطينيين إلا الكلام المعسول، ووقف دعمه للسلطة في رام الله على الجانب الأمني الذي يحقق أمن إسرائيل، أما فيما يخص الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني فلا فعل ، ولا قول إلا المألوف الذي حفظه المفاوض الفلسطيني غيباً، حتى أصبح المراقب للتصريحات الرسمية الفلسطينية في رام الله، عندما يسمع بداية التصريح، يطفىء التلفاز ويكمل التصريح غيباً، ثم يتبع ذلك بضحكة تختزن ألماً كبيراً.
هناك من يرى أن أوباما خاض أولى حروبه وقبل أن يتسلم مهامه عبر وكيله الاسرائيلي، فبوش وقبل أيام من تسليمه للرئاسة لأوباما لن يجرؤ على منح إسرائيل حق خوض حرب إبادة في غزة بلا مباركة من أوباما، وذكر أن رايس أبلغته بأهداف الحرب وأنه أبدى تفهمه لذلك، وما يؤكد هذا التحليل أنه لم ينبس ببنت شفة حول الموضوع حتى اليوم، ولم يحرك ساكناً لرفع الحصار عن قطاع غزة، بالرغم من أن القطاع تمت زيارته من نواب كبار من حزبه، ويعلم أنه يعيش وأهله وضعاً كارثياً.
كما أن هناك من يرى أن أوباما يسعى لتسعير الحرب في أفغانستان بنقله لقوات كبيرة هناك، لمحاربة طالبان والقاعدة، ويعتبرونه مكملاً لحروب بوش، وممهداً لحروب جديدة في أماكن أخرى في العالم، فهو برأيهم رئيس أبيض بجلد أسود، ولن يكون أفضل حالاً من سابقيه.
هناك من يعتبر أن حرب أوباما القادمة لن تكون بعيدة، وأن أوباما هذا سيفعل بعكس ما يمنح من انطباعات، ويستدل على ذلك بالعديد من الأحداث، التي تتم من وكلاء وحلفاء وإدارة أوباما في المنطقة العربية والاسلامية عموماً، ففي منطقتنا لا يمكن فصل الأمور عن بعضها، ولا يمكن المرور على خبر هنا أو خبر هناك هكذا بلا تمحيص او تدقيق.
فطبول الحرب تدق إعلامياً وعملياً في الدولة العبرية، والتقارير الاعلامية والتدريبات على الأرض لا تشير إلا أن هناك حرباً ضروساً قادمة، وللتدليل على هذا الرأي يستدل بحقائق كثيرة تتم على الأرض وبتناسق وتسارع غريب.
أهم ما يتم على الأرض أن القوات الأمريكية والإسرائيلية أجرت مناورات واسعة على ثلاثة أنظمة مضادة للصواريخ في صحراء النقب خصيصاً قبل أيام. ويعتبر الرادار الأمريكي الموجود في النقب من أحدث أجهزة الإنذار على مستوى العالم، وإذا كنا نتفق على أن من يملك الصواريخ لن يطلقها على إسرائيل إلا إذا قامت إسرائيل بمهاجمته، فالعقل يقول إن إسرائيل وبغطاء أو بمشاركة أمريكية، تخطط لضرب هذه الدول، وعلى رأسها إيران وقد تسير هذه السلسلة نزولاً إلى سوريا، فحزب الله، فحماس.
بعد شهر ونصف ستجري إسرائيل أكبر مناورة في تاريخها، وقد بدأ توزيع الأقنعة المضادة للغازات والجراثيم من اليوم، وأعلن قائد الجبهة الداخلية أن على الجمهور الاسرائيلي الاستعداد لانطلاق حرب في أي لحظة! وأن أي إسرائيلي موجود في أي مكان عليه الركض مباشرة للغرف الآمنة والملاجىء عند انطلاق صفارة الانذار! فهل هذا يعني أن الحرب ستنطلق قبل موعد الإعلان عن المناورة؟! وإذا كان الاستعداد لمجابهة حرب غازات وجراثيم، فهل الإسرائيليون وحلفاؤهم الأمريكان الأوباميون، يخططون لضرب تلك الدول بقنابل نووية تكتيكية، تستدعي من تلك الدول، أن تستخدم أسلحتها الاستراتيجية المكافئة؟.
السؤال هنا، هل وكلاء أوباما من العرب، سيشاركون في المعركة؟ وهل بدأ التحضير لمعركة أوباما القادمة عبر وكلائه العرب واليهود في المنطقة، فيما هو يتفوه بليِن الكلام، وسيعلن حينها أنه مجبر على المشاركة في المعركة التي يخوضها حلفاؤه ووكلاؤه؟.
وهل افتعال وكيله المصري لأزمة حزب الله وإيران ومبالغته في خصام إيران وسوريا وقطر وحزب الله وحماس، هو من باب دق طبول الحرب إعلامياً ونفسياً، وتهيئة للرأي العام العربي والمسلم لتقبل دخول الجيوش العربية والطائرات العربية في الحرب ضد هذه الأطراف مجتمعة، حيث تطلق شرارة الحرب الإعلامية من القاهرة، وشرارتها الفعلية من تل أبيب، وتكتمل تلك الحرب بانضمام بقية الحلفاء من دول الخليج بزعم تضرر مصالحهم النفطية والمذهبية، ثم يجرّ أوباما للحرب (مسرحياً)، لينضم وحلفاؤه الغربيون لذلك الهجوم والمعركة التي يعتبرونها فاصلة؟.
قد يرى البعض، بأن كاتب هذه السطور مبالغ في خيالاته، وواضع سيناريوهات غير واقعية لمستقبل المنطقة، ربما، قد يكون هذا صحيحاً، ولكن قراءة الواقع الحالي بما يتم على الأرض، وما يدور في الأمن والإعلام والسياسة والاستخبارات، ينبىء بأن حرباً قادمة، لأن الوكلاء والحلفاء ضاقوا ذرعاً بما يعرف بمحور المقاومة والممانعة، وأعتقد أن هذه الأطراف وصلت لمرحلة من ضيق الصدر، لم تعد تفكر بعدها إلا بالحل العسكري، فهل سيطلق أوباما شرارة الحرب عبر وكلائه، ويكون من أسرع الرؤساء الأمريكان خوضاً لحربه، ويجسد حينها شعاره: (change)بأن يكون الأسرع أيضاً في تغيير نفسه وأفكاره وأقواله ب180 درجة؟.
لننتظر كي نرى.