الخطيئة الكبرى !
الخطيئة الكبرى !
أ.د. حلمي محمد القاعود
في تصوري أن الخطيئة الكبرى لحزب الله لم تكن في إرساله سلاحا إلى قطاع غزة المحاصر بالجوع والقهر والموت . ولا في إرسال من يدعم أهل القطاع لوجستيا أو ماديا ، ولا في إحراجه للنظام المصري وكشفه أما الرأي العام ؛ مقصرا وموليا للأدبار ، بل واقفا في خندق واحد مع العدو النازي اليهودي .. كل ذلك لم يكن جريمة في نظر النظام المصري ، بل كان أمرا محتملا بطريقة أو أخرى . ولكن الخطيئة الكبرى هي دعوة الشيخ حسن نصر الله الشعب المصري وقواته إلى الانتفاض وتغيير النظام ؛ فهذا هو الخط الأحمر الحقيقي الذي لا يجوز تجاوزه من أي كان ، حتى لو كان الأمر مجرد كلام عابر في خطبة جماهيرية تنفس عن الجماهير التي أغضبها وزاد من احتقانها ما شهدته في محرقة غزة التي أشعلها الغزاة النازيون اليهود القتلة في أواخر ديسمبر 2008 ومعظم يناير 2009 م!
مسألة الكلام عن التغيير لا يحبها النظام المصري ولا يقبلها مهما كن الأمر ، ولا يرضى بها " سلميا " عبر صناديق الانتخابات ، ولا " عصيانا" من خلال الاحتجاجات والمظاهرات والإضرابات ، فضلا عن العمل العسكري الانقلابي !
والنظام معه حق في ذلك ، بحكم المواريث الفرعونية التي ترسبت عبر آلاف السنين ،وبحكم عدم الميل لدى لمصريين إلى التغيير ، فضلا عن حالة إنسانية لا تسلم بأن من حق كل جيل أن يستريح ويترك للجيل التالي مهمة العمل والقيادة .. وحزب الله نفسه – فيما أتصور – لا يقبل أن يغير قيادته أحد ، أو يدعو إلى تغييرها ، ولو فرضنا أن الشيخ "صبحي الطفيلي" الرئيس السابق للحزب ظهر مثلا على شاشة التلفزيون في مصر أو الجزيرة أو البي بي سي ، ودعا إلى تغيير الشيخ حسن نصر الله بسبب ما ، وليكن مثلا إعطاؤه ذريعة للعدو النازي اليهودي كي يدمر الضاحية الجنوبية في عدوان 2006 م ( والعدو لا يحتاج إلى ذرائع ، ولا يقوم بالحرب اعتباطا ، لمجرد خطف جنديين أو أكثر ، بل يخطط ويدرس ويقوم بالتنفيذ في الوقت الملائم!) ، ولو فرضنا أن الشيخ "على الأمين " مفتي صور التي اقتحمها حزب الله وعاث فيها تدميرا ، وأخرج الرجل منها ليلجأ إلى بيروت حتى الآن ؛ ظهر على شاشة التلفزة في أي مكان ،وعرض وجهة نظره الحانقة على الحزب ورئيسه ، ودعا القيادات العليا ومعاوني الشيخ نصر الله إلى الانقلاب عليه واختيار شخص آخر بدلا منه حتى يحقق وحدة الشيعة اللبنانيين ، واستقلالهم عن الارتباط بطهران وسياستها ..
لو فرضنا ذلك أو غيره ، لغضب الشيخ نصر الله ، وقام الأنصار أو جماعات الدعم بشن حملة مضادة تحقق الردع اللازم ،وتوقف الراغبين في التغيير أو الداعين إليه عند حدودهم الطبيعية !
وهذا عين ما فعله النظام المصري ، حين أخرج القضية التي عرفت باسم "خلية حزب الله " من الأدراج ، بعد خمسة شهور من القبض على الشخص المتهم الرئيسي، وأعطى إشارة البدء للنائحات المستأجرات ،والرداحات الفاجرات للقيام ( بالواجب ) تجاه الشيخ نصر الله وحزبه وطهران ونجاد والشيعة وقناة الجزيرة أيضا ..
واضح أن حزب الله لم يكن ذكيا بما فيه الكفاية ، فلو كان ذكيا لفعل مثلما يفعل الغزاة النازيون اليهود القتلة ، فهم يشيدون بالنظام دائما ، ويدعون له بطول العمر والبقاء ، ويفضلونه على أي نظام ديمقراطي أو إسلامي ، وفي الوقت ذاته يستبيحون السيادة المصرية وينتهكونها على مدار الساعة ، بالجواسيس ، والتصريحات الإرهابية ، والأموال التي تتدفق دون حساب لشراء الأراضي والعقارات والمصانع والمنشآت والمؤسسات تحت ستار الاستثمار والتصنيع والتعمير، فضلا عن قصف الحدود المصرية في رفح وتفجيرها بالقذائف بحجة تدمير الأنفاق ، وقتل الجنود المصريين البائسين مجانا ،وبغير كلمة اعتذار !!!
كم من الجواسيس اليهود تم القبض عليهم ،ولم يكشف النقاب عن جرائمهم ، ومن خلال التفاوض بعيدا عن الأضواء تمت تسوية الأمور بإطلاق سراحهم أو عقد صفقة للتبادل ، وكفي الله المؤمنين القتال ، وكان عزام عزام ( من أصل درزي ) آخر من عرف الإعلام قصته ، بعد أن تدخل الإرهابي " شارون " لإطلاق سراحه ،وتم له ما أراد ، وعبر عن نجاحه وفرحه بزيارة عزام وعائلته في قريتهم بالجليل الأعلى ، وطوي ملف الجاسوس الذي فاخر بجريمته ، وأعلن عن كتابة مذكراته في السجون المصرية طوال الفترة التي قضاها محكوما بالإدانة والجريمة !
السفاح الروسي " أفيجدور ليبرمان " هدد مرات عديدة بقصف السد العالي بالقنابل الذرية اليهودية ، وأهان الرئيس المصري لأنه لم يزر القدس المحتلة ، وقال عنه ما أتحرج من ذكره ، ولكنه لم يدع أبدا إلى تغيير النظام في بلادنا سلما أو عنوة . كان ليبرمان ذكيا وواعيا وفاهما أصول اللعبة السياسية بين مصر والغزاة !
السفاح البولندي " شيمون بيريز " يتحدث دائما عن السلام البارد والسلام المنقوص مع كل ما قدمته له السلطة من تنازلات ،ويضرب عرض الحائط بمقتضيات الصلح بين الكيان النازي الغاصب والقاهرة ، ولكنه حريص في كل أحاديثه كل الحرص على امتداح القيادة المصرية ودورها في حماية الكيان من الإرهابيين ( الفدائيين ) !
اليهود الغزاة في مصر ينتهكون أمن مصر تحت غطاء الاستثمار . ورجل الشارع المصري يتحدث في المواصلات العامة والطرقات والمقاهي وأماكن التلاقي عن شراء الأراضي والعقارات والمؤسسات ، وتخريب المصانع الصغيرة والورش الحرفية أو تعطيلها بحرمانها من العمل والحرفيين عن طريق مضاعفة أجورهم بصورة غبر طبيعية ( ثلاثة أضعاف أو أربعة أحيانا ) مع امتيازات السكن والإعاشة والمواصلات ، وهذا لا يمثل استباحة للسيادة المصرية ولا انتهاكا لأمنها القومي في مفهوم النظام المصري ، لأن اللوبي اليهودي في فلسطين المحتلة وخارجها ؛ يشيد بالحكومة المصرية ، وتفتحها الواعي المستنير ، في مواجهة شعبها الظلامي الجامد المتخلف !
المفارقة أن اليهود ؛ سائحين أو زائرين أو رجال أعمال ( وكلهم يخدم الموساد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق تقديم المعلومات العادية على الأقل ) يحظون برعاية تفوق المعتاد : فضلا عن الحماية المبالغ فيه التي تتكلف أضعاف ما ينفقه السائح النازي اليهودي ( الجلدة !).
أما المصري لو اقترب من رفح أو الحدود المصرية في فلسطين المحتلة ، فيا ويله ويا سواد ليله ..
بالطبع ؛ فإن سلاح الجو النازي اليهودي يضرب وينتهك السيادة المصرية على الحدود ، دون أن تقابله مقاومات أرضية أو جوية ، أو حتى كلامية !! وهناك شهداء مصريون يسقطون بلا ثمن دون أن يقدروا على الدفاع عن الحدود أو عن أنفسهم .
ومع ذلك ؛ لا تجد إشارة ، أو صوتا يصدر عن النائحات المستأجرات أو الرداحات الفاجرات ، استنكارا لانتهاك السيادة المصرية ، أو قتل بنيها ، بل إن من يدافع عن السيادة المصرية يصنف في خانة من يدافع عن حزب الله ، ويطلق قذائف دخان لتغطية الدفاع عن الحزب ورئيسه !
والأدهى من ذلك ، أن بعض الشباب الطموح في أجهزة الدعاية المصرية ، وجد الفرصة سانحة لتقديم أوراق اعتماده إلى لا ظوغلي ، عن طريق الشتائم البذيئة والألفاظ الوضيعة ضد الحزب ورئيسه ، وضد من يحاول أن يؤكد على أن الصراع في حقيقته بين مصر والغزاة النازيين اليهود ؛ وأن الخلافات مع حزب الله وإيران أو قناة الجزيرة ليست على احتلال الأرض وانتهاك العرض وسلب الكرامة ، كما هي مع الغزاة النازيين اليهود وسادتهم الاستعماريين الصليبيين !
إن المناحة التي أطلقتها النائحات المستأجرات والرداحات الفاجرات ، لن تنسينا أن قضيتنا الأساسية مع الغزاة القتلة ، وأن القنابل النووية في " ديمونة " أخطر آلاف المرات من مفاعل "بوشهر" الإيراني ، وأن انتهاك السيادة المصرية من جانب شذاذ الآفاق القتلة أشد وحشية ومهانة من تهريب السلاح على يد خلية حزب الله ؛ الذي ارتكب خطيئة كبرى بإحراجه للنظام المصري والدعوة إلى تغييره . واسلمي يا مصر .