من حسنات قرار نقل المدرسين
عبد اللطيف الحسيني
غسان جان كير
لا نملكُ فكرا تحليلا لمناقشة قرارات مديرية التربية , ومَن نحن حتى نناقش القرارات النافذة مسبقا , ففضلُ التربية علينا كبيرٌ , اسألوا أولادكم الذين يتلقون الدروسَ في المدارس ( وما أدراك ما الدروس وما المدارس عندنا ) ليس في أفواهنا إلا العتاب ( العتابات ) , نعاتب أولا وأخيرا أؤلئك المدرسين والمعلمين الذين يملكون لسانا حادا مسننا مقلقا, ثاني العتاب ينصبُّ على منظمات حقوق الانسان التي لا تنفكُّ إلا وتبالغ في كل شيء ولا تترك الانسان ليرتاح في بلده , وثالث العتاب لكلّ مَن يتبرم من حديث هذه التنقلات حتى بات على ألسنة أطفال المدارس والشوارع والزواريب والزوابيق قبل الكبار , وهل عندنا كبار ( لا كبير الا الجمل كما يقول المثل العربي )
تعلمنا النصائح ولا نملك إلا أنْ ننصح المدرسين والمدرسات فنقول لهم : احمدوا ربكم فقد تمّ نقلكم إلى أمكنة بعيدة في وقت خُفض فيه سعرُ( المازوط ) بنسبة 20% , بعدما كان قد ازداد بنسبة 250%
هذا يعني الكثير للمعلم المنقول من عامودا الى (حسجا ) لأنّ سعر الذهاب إلى المحافظة كان 35ل.س عدا ونقدا والآن ب 33,5 عدا وليس نقدا , هل سيعيد السائقُ الليرتين والنصف إلى ذاك المتنقل , وإن لم يرجعه ما على المتنقل إلا القول في سره ( فليكن دفعا للقضا والبلا ) ولسان حال المتنقل يقول : اللهم لا نسألك ردّ القضاء ولكن اللطف فيه . وإن أعاد السائق مابقي منها فسيشتري ( مصاصة ) لطفله . ومن حسنات هذه التنقلات أنّ الحيوية ستدبُّ في حركة الفوكسات التي تقلّ المتنقلين من وإلى .... وبدورهم سينشّط سائقو الفوكسات الحركة الشرائية في السوق من خلال شرائه الملح , والملاحُ لشرائه شحاطة (لاستيك ) في هذا الصيف اللاستيكيّ , والاسكافي لشرائه البطاطا المقرمشة ذات السعر 2,5ل.س من العتار , والعتار سيبيع حذاءه لصاحب العربة الخشبية المتنقلة في شوارع عامودا لشراء ما هو بلاستيكي . والفائدة الكبرى لهذا الأخير الذي سيشتري قطارا متنقلا من عامودا الى ( تورا بور ا ),
ومن حسنات التنقلات العظيمة , هي أنّ أطفال المتنقلين سيتحررون من سطوة أبائهم الذين يريدون التربية الحسنة لهم , فها هم في الشوارع يمرحون ويتعلمون البذاءات النبيلة والشتائم التي لم يتعلموها في المدرسة , وسيكون لهم مستقبلٌ مشرق ( في الآتي من الأيام ) في تعاطي التدخين الذي ينشط الدورة الدموية والاقتصاد الوطني أيضا , وسيحاكم هؤلاء الأطفال أباءهم الذين هم السبب الرئيسي لمشاكلهم , وأول محاكمتهم لأبائهم هي : ( لم يمشوا الحيط للحيط )
ومن حسنات التنقلات أيضا أن المدرس المنقول سيمرّ بالحقول الخضراء و المصانع والمعامل التي تسد جانبي الطريق وسيمر بالمنشأت الثقافية والفكرية , وكل ذلك سينعكس على نفسيته المدججة بالنشاط وسيدخل إلى الصف مرتاحا غير مكدود وسيعطي دروسا بكل أريحية وسيخلّص الطلاب من الأمية وهم في المرحلة الثانوية ’ وسيخلق جيلا عبقريا سيبقى صامدا وصلدا كالجبل ( ما يهزك ريح ) صرصرٌ ,
ومن حسنات التنقلات سيعودُ هذا المدرسُ إلى بيته بعد جهدٍ جهيد لينامَ مرتاح الخاطر والبال والجسد ولن يفكرَ إلا بكيفية الذهاب غدا إلى المكان الذي نُقل إليه .
فليحمدْ هذا المدرسُ ربه لأنّ تنقله جاء في هذا الوقت وليس قبل مئة عام ( ليته كان يعيش فيه ) لأنه كان سيركبُ بعيرا ليصلَ إلى مكان عمله بعد خمسة أيام .
كانَ أحمد شوقي ساذجا حين قال :
قُمْ للمعلمِ وفهِ التبجيلا
كادَ المعلمُ أنْ يكونَ رسولا .
================ عامودا الميتة