ماذا لو حكم الإخوان المسلمون سورية
ماذا لو حكم الإخوان المسلمون سورية!!
وبأي أجندة سيحكمون؟
الطاهر إبراهيم *
لو أراد مراقب وصْفَ سورية كما هي على أرض الواقع، لكان أصدق وصف لها أنها استثناء بين دول المنطقة كلها، حتى لا نقول إنها استثناء من دول العالم، وقد يكون تحصيل حاصل.
فالنظام السوري لا يقبل أن يشاركه أحد في صنع أيٍ من مفردات السياسة السورية مع أن الشعب السوري شريك أصيل الشراكة في كل متعلقات سورية، من أرض ووطن ودولة. لكن النظام الحاكم لا يعترف بذلك. ولو أنه اعترف بشراكة ما لأحد غيره في أي من هذه المفردات لقصر الشراكة على الغُرْم دونَ الغنْم.
المواطن السوري يعرف أين مكمن الداء، وربما يعرف أين يجد الدواء، لكنه حائر، لا يدري ماذا عليه أن يفعل؟ وقد همّشه النظام –في من همّش- عندما نص في دستور "حافظ أسد" لعام 1973 في المادة (8) منه: "حزب البعث قائد للدولة والمجتمع".
وإذ نؤكد أنه لا يحق لحزب أو جماعة أو تيار أن يحتكر الشعب السوري، أو يزعم أنه يمثله، فلعله أن يكون حزب البعث أبعدَها عن حق إدعاء تمثيل السوريين. فهو لم يكن بين الأحزاب التي قاتلت فرنسا وأرغمتها على مغادرة سورية عام 1946، كما هو حال "الحزب الوطني" الذي حارب فرنسا، أو "حزب الشعب" الذي ورث المناضل "عبد الرحمن الشهبندر".
استطرادا، لو ادعى واحد من حزب البعث تمثيل سورية، فإن "ميشيل عفلق" و"صلاح البيطار" اللذين أسسا البعث في7 نيسان من عام 1947، أي بعد عام كامل من استقلال سورية، يشهدان أنه لا أحد من البعثيين يحق له ذلك، بعد أن مضى المؤسسان كل إلى سبيله طريدا من سورية وهي تحت حكم البعث، فاغتيل "البيطار" في فرنسا، ولجأ "عفلق" إلى العراق ومات فيه.
هذه "الفذلكة" التاريخية لم تكن إلا مدخلا لأمور أخرى، أهمها العلاقة المثيرة للجدل بين النظام السوري وجماعة الإخوان المسلمين. وقد ازدادت الجدلية بعد التطور الدراماتيكي الأخير الذي جاء على غير القياس، عندما علق الإخوان نشاطهم المعارض في 7 كانون الثاني 2009 ، تعاطفا مع حركة حماس، وهي تتعرض لهجوم بربري وحشي استهدف اقتلاعها من قبل جيش إسرائيل في هجومه على قطاع غزة، مع أن مابين الإخوان المسلمين وبين النظام السوري "ما صنع الحداد". لكنه استشعار من الإخوان بأن الخطب أكبر من الخصومة مع النظام. وكما يقال في المثل: "لاحقين" على الخصومة، إذا لم يردّ النظام تحية الإخوان بمثلها .. على الأقل.
هناأجدني مدفوعا للحديث باتجاه آخر. يحاول قادة النظام أن يظهروا كأنهم لن يأتي عليهم يوم
–بل سيأتي- يجدون فيه أنفسهم خارج السلطة. وإذا كانوا يقولون إن نظراءهم الزعماء العرب ما يزالون في السلطة، يرد عليهم واقع الحال أنه بقاء مؤقت. لأن أنظمة كثيرة غير ديمقراطية كانت أحرص من النظام على السلطة وربما أقدر، قد أطيح بها بصورة أو بأخرى.
قد يزعم قادة النظام أن زمن الانقلابات ولى. السوري يفرح إذا ولى عهد الانقلابات إلى غير رجعة، لأنه لم يعاين أي خير من ذلك العهد. ويبقى أن هناك طرقا للتغيير ما تزال سارية في مفعولها. "ميخائيل جورباتشوف" سيد الكريملين انقلب عليه زعماء الحزب الشيوعي السوفييتي فقادوا انقلابا ضده في عام 1991. فاستغل "بوريس يلتسين" الوضع وقام بثورة مضادة أنهت سيطرة الحزب الشيوعي، تم بعدها تفكيك الاتحاد السوفياتي. كما أن الخلافات قد تعصف بين أجنحة النظام كما حصل في العراق البعثي عام 1964، فاستغل "عبد السلام عارف" الخلافات الداخلية بين البعثيين، فأطاح بهم. وكان من قبل رئيسا صوريا للعراق.
وتبقى الطريقة التي لا يمكن التنبؤ بتوقيتها ولا بما ستؤول إليه الأمور، كما حصل في رومانيا عندما قامت ثورة الشعب الجياع الذين انتفضوا ضد الدكتاتور الروماني "نيكولاي تشاوشيسكو" . فلم يجد هذا واحداً ممن كان للدكتاتور عليه يدٌ ومنّة، يرضى أن يؤويه ويحميه، مع أنه كان حتى قبل يوم واحد يمسك برومانيا بيد من حديد.
ويبقى السؤال: ماذا لو وصل الإخوان المسلمون إلى الحكم في سورية؟ ولمقاربة الموضوع،
نذكّر هنا بما جاء في المشروع السياسي لسورية المستقبل الذي اعتبره الإخوان المسلمون في سورية دليلَ عمل لهم. كانت أهم ركائز الدولة السياسية في المشروع: أنها مؤسساتية وتداولية وتعددية. ونحن نعتقد أن جماعة هكذا ركائز مشروعها، فإنها لا يمكن أن تفكر بالوثوب على السلطة كما كان يفعل الانقلابيون في سورية وفي غيرها قديما وحديثا. فهم يؤمنون أن الحل الانقلابي لا يأتي بخير، "والحكم الذي يأتي بانقلاب يذهب بانقلاب".
لكن الاستقطاب الذي ترسب في نفوس البعض خلال ثمانينيات القرن الماضي، لا تجعل التنبؤ سهلا. فكيف سيكون رد فعل الإخوان المسلمين فيما لو حصل فراغ في الحكم ووجدوا أنفسهم، بطريقة أو بأخرى، وجها لوجه مع استحقاق السلطة، عن طريق صناديق الاقتراع أو بطريقة ديمقراطية أخرى، لوحدهم في السلطة أو مؤتلفين مع آخرين؟ كما سيثور سؤال آخر يفرض نفسه: كيف يتوقع البعثيون أن يكون رد فعل الإخوان تجاههم؟ وعما إذا فكر رموز النظام، إذا ما أحيط بهم، ماذا سيفعلون إذا لم تسعفهم الظروف أن يغادروا؟
البعض يظن هذا نوعا من الخيال أو أحلام اليقظة، وأن الأنظمة راسخة في الحكم كما رسخت في الراحتين الأصابع. وباعتقادي هذا محض هراء، فلو دامت لغيرهم ما وصلت إليهم.
على أنه قد يحسن صياغة السؤال بطريقة أخرى: ماذا لوحكم الإخوان المسلمون سورية! فهل يُقبل منهم أن ينتقموا لأنفسهم من رموز نظام الحكم. استطرادا سنجد الكثيرين ينادون بالارتفاع فوق شهوة الانتقام. مع أن بعض هؤلاء سكت يوم كان الإخوان تحت سيف القانون 49، فقتل منهم ما شاء الله له أن يقتل. على كل حال، فأنا مع الذين يدعون للارتفاع فوق شهوة الانتقام.
ومما لاشك فيه أن الإخوان المسلمين بشر تتنازع البعض منهم نوازع الانتقام. لكنهم في نهاية المطاف لا يستطيعون القفز فوق أحكام الشريعة الإسلامية التي تفرض عليهم أن يعدلوا. قال الله تعالى: (..ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى ... المائدة الآية 8). وغاية ما في الأمر أن يُقدّم من ظلم وبغى إلى القضاء المدني، حتى يقول فيه كلمته.
ما أنا متيقن منه، من خلال اطلاعي على أدبيات الإخوان المسلمين، أنهم يرفضون ردود الفعل الطائفية في سورية قديما وحاضر ومستقبلا. وهذا ليس موقف الإخوان المسلمين فحسب بل هو موقف جميع التيارات والأحزاب السورية. فالجميع تأكدوا أنها نزعة مرفوضة. وقد استخدمت أبشع استخدام لتخويف الطوائف بعضها من بعض لغاية في نفوس قادة الأجهزة الأمنية. وإلا فقد رأينا الدكتور "محمد الفاضل" وهو علوي، يقدم "مرافعة" رائعة في تأبين الشيخ "مصطفى السباعي" رحمه الله تعالى في تشرين أول عام 1964، لم يستطع إخوان السباعي أن يقدموا مثلها.
البعض يقول إن أمام الرئيس بشار أسد الآن فرصة أن يرد التحية بمثلها للإخوان المسلمين، على تعليق نشاطهم المعارض، فيلغي القانون 49 لعام 1980 الذي يحكم بالإعدام على مجرد الانتماء للإخوان المسلمين. ويعلن العفو العام عن جميع المعارضين، إسلاميين وغير إسلاميين . هذه المبادرة كافية لكي تضمد جراح عشرات آلاف الأسر التي يعيش نصفها خارج سورية، ونصفها الآخر داخلها. وبعدها يمكن للنظام أن يعيد حساباته، فقد يجد أن من مصلحته الانفتاح على كل السوريين، خصوصا في ظل حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة، حتى أصبح البعض يعتبر رئيسها "بنيامين نتنياهو" معتدلا قياسا لباقي أعضائها!
* كاتب سوري معارض يعيش في المنفى وعضو جبهة الخلاص الوطني.