التغيير "الأوبامي"

التغيير "الأوبامي"

بمنظور الاستثناءات الأمريكية(2)

م. الطيب بيتي العلوي

مغربي مقيم بفرنسا

باحث في الانثروبولوجيا الدينية والثقافية بباريس

[email protected]

للولايات المتحدة تحالف مع الله، وللدول الأخرى تحالف مع الولايات المتحدة ،يتحدد  خلالها علاقات خضوع الأطراف للمركز، من الدول الأوروبية والعالم، إلى الولايات المتحدة، ومن الولايات المتحدة الى الله....،.هذا هو اللاهوت اللانهائي الكامن في السياسة الدولية للولايات المتحدة"

"جوهان جاليتونج" ...Johan Galtugمن "السياسة الخارجية للولايات المتحدة في  شكلها اللاهوتي-(عن معهد النزاعات الشاملة والتعاون مقال رقم 4 و1997)

توطئة

 تهافت مفاهيم ومصطلحات"التغيير"الرائجة

تعيش البشرية اليوم، حيرات ذهنية ،وتخبطات عقلية،لا عهد للبشرية بها منذ نهاية الحرب الكبرى الثانية..،حيث طغىالحديث عن"التغيير" بسبب شيوع مناخ  الارتعاب من المجهول، والترقب المستمر لما قد يحدث من مفاجئات على المدى القريب ،قبل المتوسط  والبعيد،...

وحول"التغييرالأمريكي المستقبلي"للعالم كتبواوحللوا واستشرفوا،...وفي أمر"أوباما"خبطوا خبط التيه، وتردوا منه في مهاوي سحيقة،... وانتحل  كل مصلح  صادق،أو مدلس ناعق، طريقة ونهجا  في فهمه لمشروع هيمنة الرجل الأبيض-تاريخيا- على كافة أراضي اليابسة وشعوبها لعقود من الزمن،..  ومنهم من ركنوا ركونا ،واستبشروا استبشارا بما ستجود به قرائح به المؤتمرات الصغرى والكبرى، الاقليمية والدولية،التي  لن يولد من رحمها، الا المزيد من الزيف والبهتان والأراجيف ...، ومع ذلك-للغرابة- يخرج علينا المدلسون صبيحة  كل يوم ،بطنين مفردات"التغييرات والحلول الجذرية'المعجزة الايجابية "امعانا في التحقير والاستغفال للعقول ...، بينما يعكف الدارسون الجادون من داخل صومعات بحوثهم ،عللهم يتنسمون بارقة أمل،أو بصيصا من نور يهتدون به ، ولكن هيهات هيهات ، فقد عم  البلاء وطم، وقضي الأمرالذي فيه يستفتون،فالباحثون في زواياهم، لم تستقر بهم قدم ،ولارسخ بهم رأي على حال، عما ستنبؤ به الأيام  الحبلى القادمة، من المزيد من الأزمات الخفية ،التي ستكون أدهى وأمر،فكل"قراءات التغيير" لن تعطي الا أشتاتا من الترهات،لا ناظم ولا راتق ولا جامع لها، سوى الشتات نفسه، حيث يتطوح المتلقون من قطيع  البشر الجائعة والمستفقرة المنتشرة على هذه الدعقاء في المتاهات، ويتوهون في مطاوح الأوابد والفلوات،..حيث تمطرهم الخطابات البلهاء المتلونة،التي يدندن بها عن اليمين وعن الشمال خطيب ومصلح ومنظر،بأقاويل ممسوخة سمجة لمصطلح"التغيير"بلاطعم ،ونضحا بلا لون،تطفح  بها الصحائف ،بدون عماد ولا سند، سوى أنها للموضة تابعة ،وللتخديرهادفة ،ولسوف تذهب هذه الكتابات "الاستشرافية" المبهورة بوهج  اصطخاب "التغيير"(الاسرائيلو-أورو-أمريكي) أدراج الريح،وسيؤول مآل مصطلح"التغييرالأوبامي"الى ما آل اليه سوابق المصطلحات"الحداثية الوردية" التي لم تر منها العوالم الثالثية-طيلة ثلاثة قرون- سوى الويل والثبورالى حد الساعة،بطغيان المفاهيم "المخملية"الدوارة"و"السيارة"المحسوبة على"الفكرالجاهز"مثل الموضة الجاهزة،التي تخضع في جميع الأحوال الى قوانين"السوق"،وحينية العرض والطلب،ومتطلبات البضاعة الرائجة، حيث تكون دائما"الموضة"الفكرية،أوالثقافية، أوالسياسية"الدوارة و"السيارة"،مظهرا معبرا بشدة عن"اديولوجية"ما،...لكنها مظهرقاهرمتحكم، ليس من السهل تجاوزه،لأنه ينتمي أولا وقبل كل شيء، الى السلطة الفكرية،والتنظيرية التي ينتمي اليها خدم الايديولوجيا المسيطرة،وبالتالي،... فان"الموضة"الفكرية والسياسية والثقافية لاحدود لها،وهي نفعية ولا أخلاقية في معانيها وأبعادها ،ولازمة من مستلزمات"الماكيافيللية"و(الذرائعية)الثعلبية، والنفعية الخسيسة، والعبرة دائما بمضمون الأمر،لا بالاسم ، فكم من"تغيير"جرى على أعنة التاريخ جر الىالتهلكة ،وكم من"تغيير"قاد الى بوار،وسلك طرقا لاتفضي الى الأفضل"، وانما الأموردائما  بخواتيمها "كما ورد في الأثر النبوي الشريف

تجليات صراعات "التغيير" التاريخية في الولايات المتحدة

 ولكي لا نسقط في سرد المقولات الكارثية للفكر"الرجعي"أو"المثالي"، الموسوس بسرد  توجسات الارتعاب من النكسات والأزمات،كما كان الشأن في لذة الكتابات القاتمة لما بعد الحرب الكبرى الثانية، عن "السقوط الأعظم"، ..فعلينا أن تتبع المراحل التاريخية  "لأطرروحات التغيير"بمنظورالاستثناءات الأمريكية، مادام الطرح "الثقافي"الأمريكي هو الفكرالأغلب والسائد ، ومادام أن ما تعيشه البشرية اليوم من أزمات خانقة،تعود الى صلب هذا الفكربالدرجة الأولى، فاليه المآل واليه المنتهى ( أنظرتأثيراللوبيات الصانعة "للثقافة" الكونية في الفصل الأول من هذا المبحث)

ان الأمريكيين"البيض البيورتانيين " (المتطهرين)الأوائل، قد تحركوامنذ البداية، من أجل تشكيل العالم وفق تصورهم ،في شكل أقرب الى الحملة الصليبية لتحضيرالعالم،وتخليصه وتطهيره،  كما حدد ذلك المؤرخ الأمريكي الشهير"أرثرشليزر"،حيث احتدم الصراع دائما –داخليا-عبر"التغيرات"على الخارطة السياسية الأمريكية في مسارها التاريخي القصير، ما بين "العهد  الجديد"و"العهد القديم"،أي، الخضوع المستمر، لدورات من الحرب بين الواقعية "الذرائعية"،والمسيحانية "المثالية"،أو بين التجريب، والقدرية...، أو كما وصف "كيسينغر"هذا الاصطراع، بأنه،( توليفة ،أو تقاطع، أوتلاقي الازدواجيات بين العزلة والعالمية، وبين المثالية والقوة.) ، ولكن، لا أحد يمكنه التكهن بمتى تكون الغلبة لأحدى هذه الازدواجيات، وذلك، لأن العهد القديم، سيظل على الدوام متصلا بالعهد الجديد( بالمنظور البروتستانتي-التوراتي)حيث ظهر ذلك جليا لدىالرئيس"بوش الأب" الذي تحدث عن"النظام العالمي الجديد"  وتحدث عن الخير والشر-فغزا العراق، لمحو صورة "الشيطان"صلاح الدين الجديد" الممثل زمنها في شخص الراحل "صدام"...فحازباعجاب  الجمهوريين والديموقراطيين وكل اللوبيات مجتمعة، بينما تحدث الرئيس"كلينتون"عن مقاربة الدورالعالمي"للمثالية"الأمريكية ،فأرسل قواته الى الصومال، والبوسنة ،وهايتي،غير،أنه قوبل بنقد من معارضيه من اليمينيين،الذين يرون أنه أخطأ التقديروالحسابات، لأن التدخل الأمريكي، يكون ضرورة عندما تتهدد المصالح الأمريكية،  بينما انتقده (الليبراليون البراغماتيون الجدد) لكون سياسته متردة وغير"نافعة"وغير مهاجمة بما يكفي..، وهنا  يتجلى الصراع بين"أرض الميعاد"و"الدولة الصليبية"،  التي مثلها "آل  بوش"أو بين الواقعية والمثالية ،وبين المصالح  القومية ،والدورالعالمي ،التي مثلها كلنتون وسيمثلها  اوباما.. وفي خاتمة  المطاف  فان كلا من السياستين، ما هما الا صورتين للعملة النقدية   المتداولة الواحدة

ومن هنا يمكننا أن نخلص الىأن التدخل في العراق، وأفغانستان، والحرب على الارهاب،    والمساندة  اللامشروطة لاسرائيل، هي أكثر الأوليات للحكومة الأمريكية الحالية ،حيث سيتم التقعيد لها بالمرجعيات الأمريكية الأكثرصرامة –مذهبيا- تنفيذا للحلم الأمريكي الأمبراطوري الامبريالي البحث(و كما يسمونه الأنثروبولوجيون الأمريكيون ب" الامبريالية التقدمية"،اشباعا لجشع لوبيات المال والاقتصاد، وصناعات الأسلحة من جهة(وهذا هو الجانب النفعي/ التجريبي/ البراغماتي)، ومن جهة ثانية ،تلبية أيضا لأهداف لوبيات  التحالفات الجديدة الخفية (الانجيلية-البروتستانتية-اليهودية) باعتبارأن الخلفية الأصولية لتأسيس أمريكا،هي كونها"اسرائيل الجديدة"( وهذا هو الجانب الديني/البيوراتني الأمريكي)  حيث يستحيل الفصل –عمليا  بين هذين الجانبين

 كما سيتم في العهد "الأوبامي"التأكيدعلى تقليد حماية الحرية في الداخل، ومن أجل ذلك  أوتي بأوباما" الى السلطة-لابسبب ابتسامته الساحرة الوديعة ،كما تنذربذلك أحد ظرفاء المحللين الأمريكيين

، كما سيتم الحفاظ على هذا "التقليد" عن طريق القمع والارهاب الداخلي وخرق لحقوق الانسان الداخلية، وقمع للعصاة المحتملين من المواطنين الأمريكيين –وخاصة من الجاليات  العربية والمسلمة-)–كما يرشح حاليا عن محللين  ّأمريكيين  (من خارج السياج  الأمريكي الاعلامي المهيمن)

وقدصف المؤرخ الأمريكي "مايكل كامن"الشعب الأمريكي بكل شرائحه بأنه "شعب متناقض"،وبأن السياسة الامريكية بالتالي، ستضل سياسة(براغماتية /مثالية) أي بلغة  السياسة ستكون " متقلبة ،ومتلونة ،ونفعية ،ومفاجئة، ولا أخلاقية

  وهكذا، فمهما تحدثنا عن التغيير في السياسات الأمريكية –الحارجية أو الداخلية- مستقبلا، فان الاستثناءات الأمريكية تفرض نفسها عند كل منعرجات مسار الشعب  الامريكي ،ومصير البشرية، وسيظل "التغيير" بالمفهوم الأمريكي، أكثرالمصطلحات زئبقية وغموضا ،بالاضافة ، الىأن "أوباما" سيكون أكثرالرؤساء الأمريكيين لغزا وزئبقية(في سياساته الداخلية والخارجية) والذي سيكون الأكثر تقلبا، في اتخاذ القرارات ،الحاسمة من اجل "الاصلاحات"

وعادة  ما تتم في هذه الايام تلك المقارنات  الساذجة  بين "بوش" وأوباما" حيث يثم استخلاص عبر"منفلوطية "وعظية ،لرسم العهد "الأوبامي" الراغب في التخلص من التركة  البوشية الثقيلة ، مما يدل على أن هؤلاء مصابون  بعاهة  "البتر"حيث يقومون ببتر كل من هاذين  الشخصين عن السياق العام الذي يطبع  الخصوصية الأمريكية ، وكأن الريئس الامريكي المنتخب يؤتى به "لينظر"أو"ليخطط"(وملف طرق الانتخابات الأمريكية هو من أعقد الملفات بالمنظورالسوسيو-أنثروبو-سياسي) وسنرى في الفصل الثالث، من هذا المبحث، دور التنظيرات الفلسفية ،وتطبيقاتها العملية  على السياسات الأمريكية المتنوعة،المتأرجحة ما بين العهد القديم، والعهد الجديد ،وبين البراغماتية الكلاسيكية ،والبراغماتية الجديدة...،لأن قوة الأمبراطوريات،والأنطمة السياسية التي سادت البشرية في الماضي ،كما في الحاضر، لا تستمد قوتها وهيمنتها بقوة السلاح والعتاد الحربي فحسب،بل لابد لها أولا، من الاعتماد على أنظومة  فكرية وعقدية، تبررأهدافها،وتسوغ سطوتها  وجبروتها، وكل رئيس أمريكي ما هو الا"منتوج"لفكروتنظير فلسفي محدد، كما سنرى في المبحث القادم  انشاء الله.

للبحث صلة.