المصالحة الفلسطينية
المصالحة الفلسطينية
أحمد الفلو /فلسطين
لن نكون متشائمين إذا ادعينا أن عوامل إعاقة المصالحة الفصائلية التي يحاول النظام في مصر فرضها على ممثلي المقاومة الفلسطينية هي أكبر بكثير من محفزات نجاحها , خاصةً بعد انجلاء العموميات والتفاصيل المتعلقة بمسيرة الحوار ومواقف الأطراف المشاركة فيه , يضاف إلى ذلك كله طبيعة ودوافع ما يُطلق عليه تجاوزاً الوسيط المصري, ويمكن تلخيص مجموعة المعوقات تلك بالآتي :
─ أولاً: التجاهل الفتحاوي لأهم انجازات المقاومة و هو الخيار الشعبي الفلسطيني و اعتبار أنه غير موجود مطلقاً و يشمل ذلك نتائج انتخابات المجلس التشريعي فالفتحاويون لم يقبلوا حتى الآن بل ولم يصدقوا بأن الشعب الفلسطيني تجاوزهم و تنكَّب لأساليبهم و انحرافاتهم و متاجرتهم بقضاياه المصيرية وعليه فإن الوفد الفتحاوي يعتبر أن حماس المنتخبة شعبياً خارجة عن الشرعية وعليها العودة إلى وكر العصابة الأوسلوية المتصهينة , أما النظام الحاكم في مصر فقد أغاظه و جود كيان مجاور متقدم عليه سياسياً و سلطة تحمل تفويضاً شعبياً شبه مطلق و تحارب الصهيونية في الوقت الذي لا يتمكن فيه زعماء رام الله والقاهرة من الوقوف على أرجلهم لولا العكاكيز الإسرائيلية, وهو ما يعزز الحلف الفتحاوي المصري ولكنّه أيضاً يُخرِج الزعامة المصرية من دائرة الوسيط النزيه للإصلاح بين فتح و حماس إلى دائرة التآمر على القضية الفلسطينية, خصوصاً وأن تاريخ الدبلوماسية المصرية و وساطاتها مليء بالإخفاقات فتدخلها في أزمة الغزو العراقي للكويت كان كارثياً أما تدخلها في الشأن اللبناني فكان مأساوياً , أما امتناعها عن حضور القمة في دمشق فقد كان كيدياً و هي الآن تنأى عن حضور قمة الدوحة الحالية من باب المناكفة و الاستعلاء على أي دور قطري ناجح عربياً , إنّ ما يؤكد زعمنا بدور مصر المعادي للفلسطينيين هو تلك المعاملة الوحشية والإذلال الذي يتعرض له الفلسطينيون على أيدي الأمن المصري و بمساعدة زعران عصابة دحلان ابو مازن عند معبر رفح .
─ ثانياً: تعامل الجانب الفتحاوي مع مسألة المصالحة على خلفية الاستقواء بسلاح الحصار المصري الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني, و ذلك يعني بكل وضوح أن ما يعرضه الجانب الأوسلوي على شعبنا لا يعدو كونه مقايضة رخيصة عودة سلطة عباس إلى قطاع غزة (مقابل دخول الغذاء والدواء خلال معبر رفح) ويشارك الأوسلويين في هذا الطرح الجانب المصري والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة , و لعل أسلوب التجويع و الاعتقالات والتهديد الذي تمارسه سلطة أوسلو مستندة إلى دعم مصري مباشر ضد الشعب الفلسطيني باستخدام قضية الاعتراف بحق إسرائيل في دولة على أرض فلسطين و بما يسمى الشرعية الدولية مقابل السماح بإعمار غزة ولعل هذا آخر مبتكرات عالم السفلة والمجرمين الذين وضعوا نصب أعينهم هدف ابتلاع الأموال المخصصة لإعمار غزة في كروشهم المتعفنة كما عودونا طوال أربعين عاماً ونيف , فما الذي يمكن أن يفعلوه بعد انهيار سلطة اللصوص والزعران و تولي الشعب مقاليد الأمور في قطاع غزة.
─ ثالثاً: يبدو أن إصرار القيادات الفتحاوية على بقاء منظمة التحرير في حوزتهم و الحؤول دون إجراء أي إعادة لهيكلة المنظمة وتفعيل دورها و تصحيح مسيرتها , يبدو أن ذلك ناجم عن التزامات سابقة قدمتها تلك القيادات الفاشلة والخانعة للولايات المتحدة والعدو الإسرائيلي بعدم المساس ببنية المنظمة وهيكليتها ضمن صفقة سياسية تجارية شاملة تم بموجبها قطع تعهدات على هؤلاء الفتحاويين ومعهم فلول اليسار المنافق بأن يستمر ذلك النهج التفاوضي بغية إلهاء الشعب الفلسطيني ريثما يتسنى لإسرائيل ابتلاع الأرض الفلسطينية بالكامل و جعل ذلك أمراً واقعاً , وبحيث يبدو الأمر وكأنه يتم بموافقة فلسطينية , وهذا هو السر الكامن وراء استمرار المنظمة بمفاوضات عبثية منذ ما يقارب العشرين عاماً تضاعفت خلالها بؤر الاستيطان مئات المرات و شكلت تلك المفاوضات فعلياً غطاءً مريحاً وممتعاً للصهاينة لابتلاع الأرض.
ولم ينفك عباقرة المنظمة وهم يطلون علينا عبر وسائل الإعلام يتظاهرون بالعقلانية والحكمة و الإيحاء للجماهير بأن المقاومة فاقدة للعقل والاتزان عندما تتصدى للجيش الإسرائيلي, في الوقت الذي اتضح فيه أن كل إنجازات قيادة منظمة التحرير طوال عمرها لا تشكل ذرة غبار على حذاء مجاهد خلال حرب الفرقان الإيمانية الأخيرة في قطاع غزة, ومع كل هذا فإن أزلام المنظمة مازالوا يتحدثون عن المفاوضات باعتبارها الطريق للحل العادل ويتحدثون عن عبثية المقاومة, ولكن يبدو أن عجائز المنظمة استمرأوا المكوث في أجواء العهر السياسي و صار بيع الوطن و المقدسات لديهم نوع من الإدمان .
─ رابعاً: يبدو أن فقدان الشعور الوطني و انتفاء الحس الواقعي و النزوع نحو سرقة وتكديس المال العام لدى أعداء المقاومة أدى إلى نسيانهم لحقائق التاريخ و أغشى أبصارهم عن رؤية ذلك العمق الشعبي للمقاومة الإسلامية الفلسطينية سواء داخل فلسطين أو في العالمين العربي والإسلامي , لأن حركة المقاومة الإسلامية قد انغرست في ضمائر الناس و قلوبهم بل ويمكننا القول بكل أريحية وصدق بأن حماس لم تعد تنظيماً سياسياً عسكرياً بل هي حركة جماهيرية تصنع تاريخاً جديداً للقضية الفلسطينية , وكلما زادت حملات الاعتقال التي يمارسها أمن عباس بحق المقاومين في الضفة أو ما يمارسه وكلاء إسرائيل الذين يفرضون الحصار المجرم على المواد التموينية و الدوائية فإن ذلك سيزيد من صمود الشعب الفلسطيني و إصراره على تقديم المسئولين عن الحصار للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية , و لم تعد إعلانات النصر المصري المزعوم بتدمير نفق هنا أو قتل مريض ومنعه من السفر للعلاج أو التفاخر بمصادرة العجول والأغنام أو صناديق الحليب , كل هذا لم يعد يرعب الفلسطينيين و لن يثنيهم عن رفض عودة العملاء واللصوص لحكمهم بل العكس تماماً هو ما يحصل, إذ إن صمود المقاومة هو الذي باتت يؤرق هؤلاء ويقض مضاجعهم ويرعبهم سواء القابع منهم في القاهرة أو في رام الله .