الشعوب العربية

بين جحيم الشمولية ونعيم الديمقراطية

فيصل الشيخ محمد

لا يسع الإنسان إلا ان يقف باحترام أمام التجربة الديمقراطية في الكويت.. تلك الدولة الفتية التي نالت استقلالها عام 1962، والتي لم تنل منها كل الكوارث والإحن التي عصفت بها.. وبقيت عصية على كل الغزاة والطامعين، لتقف منصوبة القامة أمام كل التحديات، محافظة بكل ثبات على تجربتها الديمقراطية الرائدة التي قل نظيرها في وطننا العربي، المبتلي بالأنظمة الشمولية والثورية والديكتاتورية، التي جرت على أوطانها الويلات والهزائم والانكسارات، والفقر والتخلف والفساد والتفريط بالثوابت والثروات.

راقبت عن كثب ما يدور في أروقة أهل السياسة في الكويت، سواء في الشارع أو تحت قبة البرلمان أو في مؤسسات الدولة.. وكنت أرقب الحراك والمناكفات والخصامات والصراعات بحذر وتوجس وخوف، ولكن ما كان يجعلني أثق بالشعب الكويتي وحكومته ورموز سياسييه وأطيافه المتنوعة والمختلفة، أن الجميع لم يتجاوزوا الخطوط الحمر التي تغلق الطريق أو تحيد عن جادة الصواب.. فالكل يجمعهم الوطن والكل يلجؤون إلى حضنه الدافئ عند وقوع المدلهمات.

واستمعت لخطاب أمير الكويت، وقد كانت المرارة والحسرة ترافق نبرات صوته منذ البداية حتى النهاية، وهو الأب للجميع، وعليه تقع المسؤولية في كل الأحوال.. ولم أفاجأ بقراره الحكيم بحل مجلس النواب والدعوة إلى انتخابات لمجلس جديد في غضون شهرين من تاريخ حله، وهذا ما خوله له الدستور فعله بحسب المادة 107 من الدستور، وهذا الاختيار كان فيه كثير من الحكمة وتجنيب البلاد أية هزات، رغم أن الدستور نفسه يعطيه الحق في وقف العمل بالدستور، وتجميد البرلمان ووقف العمل الديمقراطي، وإعلان حالة الطوارئ، إن وجد في ذلك ضرورة لتجنيب البلاد أية هزات قد تعصف بأمنه وسلامته.

هذا الموقف الحكيم من أمير الكويت، وحرصه على مسيرة نظامه الدستوري الديمقراطي، يدفعنا إلى أن ننظر بكثير من الحزن، في حالات العديد من بلداننا العربية التي استقل بعضها منذ أكثر من سبعين سنة، وتُحكم بأنظمة شمولية جاءت إلى الحكم على ظهر دبابة ضالة أدارت ظهرها للعدو الصهيوني، محتمية بقانون الطوارئ الذي تقهر به شعوبها، وتؤرق عليهم حياتهم، وتنغص عليهم عيشهم، وتجعل نهارهم كليلهم ظلمة وسوداوية وقهر وعبودية وسجون ومعتقلات ومنافي ومقاصل متنقلة، وإقصاء الآخر ورفض الخلاف الفكري، والتداول السلمي للسلطة.

فمع كل التقدير والاحترام للكويت وتجربتها الديمقراطية الرائدة، التي لا يمكننا ذكرها إلا بكل خير ومحبة وتفاؤل، نتوجه إلى الأنظمة الشمولية الديكتاتورية في بعض بلداننا العربية نناشدها بان تحذو حذو الكويت، وتتعلم من حكامها كيف تُحكم الشعوب وتُساس، وكيف تكون الحكمة في التعامل مع قضايا الأوطان، وكيف يُحترم عقل الإنسان وفكره، وكيف يُحترم الرأي والرأي الآخر، وأن الخلاف لا يفسد للود قضية، فالأوطان لم تكن يوماً حكراً لفئة أو طيف دون آخر، وإن ما يفعلونه بشعوبهم وأوطانهم من قهر وإذلال وإفقار وعبودية وتخلف، تحت مظلة (قانون الطوارئ) الذي لن يحميهم إلى الأبد، وليحذروا غضبة شعوبهم وانتفاضة جماهيرهم في لحظة، قد يعتقدون أنهم في مأمن في بروجهم العاجية وحماية خفافيشهم الواهنة.. ونقول لهؤلاء: كفى.. كفى.. ثوبوا إلى رشدكم، واتقوا الله في شعوبكم وأوطانكم، فدولة الظلم ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة!!