إنهم يذبحون مصر بالطوارئ
وقانون مكافحة الإرهاب
أ.د/
جابر قميحةهل قدر لمصر أن تعيش إلى الأبد مسحوقة بما يسمى قانون الطوارئ الذي قد يحمل أكثر من اسم ، ولكن الجوهر واحد . فلا عجب إن رأينا رئيس الجمهورية يتعجل إصدار ما يسمى " قانون مكافحةالإرهاب " ، ليحل محل توأمه قانون الطوارئ .
والذي يعلمه رئيس الجمهورية وأي مطلع على القوانين المصرية في مسيرتها الطويلة أن في مصر " قانونا لمواجهة الإرهاب " من سنة 1992 ، نشر بالجريدة الرسمية بالعدد 29 مكررا بتاريخ 18 / 7 / 1992 . والقانون المذكور فيه دقة في الصياغة ، وقدرة وشمول في التعامل مع مظاهر الإرهاب المختلفة ، فهو قانون كاف شاف .
ولكننا نجد حرص سيادة الرئيس على استمرارية " القوانين الاستثنائية " حرصا على سلطاته الواسعة التى لم يتمتع بها لا ملك ولا رئيس جمهورية في مصر ،أو في أي بلد من بلدان العالم . وتتلخص أهم هذه السلطات فيما يأتي :
1 حقه أن يعين نائبًا أو أكثر، ويحدد اختصاصاتهم، ويعفيهم من مناصبهم.
2 نائب الرئيس يؤدي القسم أمام رئيس الجمهورية وحده.
3 رئيس الجمهورية يعين رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء، ونوابهم، ويعفيهم من مناصبهم.
4 وله حضور جلسات مجلس الوزراء، ورئاسة جلساته، وطلب تقارير من الوزراء.
5 ويعين الموظفين المدنيين والعسكريين، والممثلين السياسيين، ويعزلهم من مناصبهم.
6 ويصدر اللوائح، وله حق تفويض غيره في إصدارها.
7 ويصدر القرارات اللازمة لإنشاء وتنظيم المرافق العامة.
8 ويصدر قرارات بقوة القوانين في غيبة مجلس الشعب.
9 ويعلن حالة الطوارئ.
10 وله حق العفو من العقوبة أو تخفيفها (وقد استعمل مبارك هذا الحق مع الجاسوس الصهيوني عزام عزام).
11 وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ويعلن حالة الحرب.
12 وهو الذي يبرم المعاهدات.
13 وهو القائد الأعلى لجهاز الشرطة.
14 وهو الرئيس الأعلى للمجلس الأعلى للقضاء.
ورئيسنا متمسك بكل هذه السلطات، وليس على استعداد للتنازل عن بعضها، حتى إنه في لقاء صحفي مع جريدة "الفيجاور" الفرنسية وجه إليه سؤال عن رأيه في دعوة المعارضة إلى خفض السلطات الرياسية، والحدّ من فترة الحكم، فكان جوابه "إنه في حالة انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع الشعبي المباشر، فإن الحدّ من فترات الحكم ستكون بمثابة عائق أمام رغبة الشعب. كما أن الحدّ من سلطات الرئيس سيعني إعطاء الرئيس دورًا شرفيًا، ومعروف أن رئيس الجمهورية هو الضمان لتحقيق الاستقرار".
**********
ولا عجب بعد ذلك أن نجد كبار ( الحزن الوطني الديمقراطي ) ( صاحب الأغلبية الساحقة !!!!!! ) . من يبشرون ويهنئون شعبنا المطحون بقانون الطوارئ ، ويبشرونه بالتوأم القادم الذي سموه " قانون مكافحة الإرهاب :
قال الدكتور مفيد شهاب، وزير الشؤون القانونية والمجالس النيابية، إقرار مد حالة الطوارئ، لمدة عامين آخرين تنتهي في ٣١ مايو ٢٠١٠، أو لحين الانتهاء من إعداد قانون مكافحة الإرهاب، أيهما أقرب، هدفه توفير قدر أوفر من الوقت لدراسة قانون يحقق التوازن بين الحفاظ علي حقوق المواطن وأمن وسلامة الوطن.
وأضاف، خلال ندوة نادي روتاري الزمالك : إن الإنسان ليتمني العيش في ظل قانون الطوارئ، لكن بيقولوا: «إيه اللي رماك علي المر، قال اللي أمر منه»، فإذا كان قانون الطوارئ مراً، فالأمرُّ منه هو تهديد أمن واستقرار المجتمع.
وتابع: «لو عرفتم حجم الجرائم التخريبية التي تم إجهاضها قبل حدوثها، وعدد التنظيمات المتصلة بالخارج، خصوصاً تنظيم القاعدة، لقلتم: «الحمد لله أن قانون الطوارئ موجود»، مشيراً إلي أنه لم يتم الإعلان عن هذه الجرائم منعاً للشوشرة علي سمعة مصر، وحتي لا يقال إن مصر غير مستقرة.
واستطرد: «لا أستطيع أن أعيش دون قانون إرهاب أو طوارئ، ولو لشهر واحد، لأن وقوع أي عملية إرهابية «توديني في داهية»، وتضيع اقتصاد البلد كله، خصوصاً أن الواقع يؤكد وجود اضطرابات وتدخلات أمنية هنا، وقوي لا تريد لهذا المجتمع أن يستقر، بخلاف وقوع مصر بين عدد من الدول التي تعاني اضطرابات مثل فلسطين، والعراق، والسودان، والصومال».
أفرز"المفيد" هذا الهراء وكأنه لم يسمع برجل اسمه ونستون تشرشل (30 نوفمبر 1874 - 24 يناير 1965). وهو الذي شغل منصب رئيس وزراء بريطانيا عام 1940واستمر فيه خلال الحرب العالمية الثانية . واستطاع أن يحقق النصر المبين لبريطانيا . وبعد الحرب خسر الانتخابات سنة 1945وأصبحَ زعيمَ المعارضةِ ، ثم عاد إلي منصب رئيسَ الوزراء ثانيةً في 1951 وأخيراً تَقَاعُد في 1955.
حصل علي جائزة نوبل في الأدبِ لسنة 1953 للعديد مِنْ مؤلفاتة في التأريخِ الإنجليزيِ والعالميِ . وفي استطلاعِ بي بي سيb b c سنة 2002 اختير كواحد من أعظم 100 شخصية بريطانية.
وقد رفض أن يعلن الأحكام العرفية على الأمة البريطانية أثناء الحرب العالمية الثانية ، وقال كلمته المشهورة " أنا لا أجمع بين مرارة الحرب ومرارة الأحكام العرفية على المواطن البريطاني " .
**********
والمعروف في الفقة الدستوري الفرنسي أن نظرية الظروف الاستثنائية ولدت أثناء الحرب العالمية الأولى تحت اسم " نظرية سلطات الحرب " بمناسبة قرارين صدرا من مجلس الدولة Heyries في 28 حزيران 1918 وأتاحت بدون نص يسمح بذلك أو بعيدا عن النصوص توسيع سلطات الإدارة ضمن ثلاثة شروط :
1- أن يكون هناك وضع استثنائي حقيقي ، ويجب أن يكون هذا الطابع مقدرا بشكل صحيح . ولم تتوسع سلطات الإدارة إلا في الوقت والأمكنة حيث توجد فعليا ظروف من هذه الطبيعة ... ( حرب ، وخراب ، وكذلك كارثة طبيعية... الخ ) . ولا يؤدي ذلك إلى أن يطبق القاضي أليا نظرية الظروف الاستثنائية بل يراجع مجلس الدولة .
2- على الإدارة في الواقع أن تقدم الدليل على أنه كان يستحيل عليها التصرف وفاقا بمبدأ الشرعية ، بسبب العجلة في التصرف .
3- يقدر القاضي ما إذا كان الخطر مهما بما فيه الكفاية لتسويغ العدول عن مبدأ الشرعية .
(أنظر أوليفيه دوهاميل – ايف ميني : المعجم الدستوري 710 / 711 ).
**********
ولكن الواقع عندنا يقول بحسم إن القوانين الاستثنائية تطبق على شعبنا المسكين حرصا على حماية الحكم القائم ، لأن القائمين عليه يعلمون تمام العلم أن الرجوع إلى القوانين العادية ، وتطبيقها بإخلاص وضمير بعيدا عن التزوير والكذب والمغالطات ستكشف سوءات حكم الحزن الوطني ، الذي لا يمثل أكثر من 1 % أو 2 % من مجموع الشعب المصري بكل فئاته ، وهذه النسبة تمثل الهبارين ، والهباشين ، والنفعيين ، والطبالين والزمارين .
والحرص على هذه القوانين الاستثنائية يعد استهانة بالشعب ، وتحقيرا لوعيه ، وتشكيكا في قدرته على أن يعيش لوطنه مخلصا وأمينا ، وعلى السادة الكبار ألا ينسوا أن مصر عاشت أمة الحضارة والتنوير من قرون مضت ، ومصر أنجبت أعلم رجال القانون ، ومنهم من وضع دساتير بعض البلاد العربية .
مصر الكنانة يحكمها العساكر من 27عاما بقانون الطوارئ ...قانون الشذوذ والظلم والجبروت , وتكريس السلطان الواسع في يد الأمن والسلطة التنفيذية . وكان من المفروض أن ينتهي العمل بهذا القانون الظالم آخر مايو 2008 .ولكن شعبنا المطحون فوجئ بقرار مبارك بمد العمل بهذا القانون إلى 31 5 2010 . وطبعا وافق أعضاء مجلس الشعب ممن ينتسبون للحزب الوطني ....حزب الحكومة ...والتزوير ...والظلم والنفعية . وهكذا سقطت مصر من جديد في الظلام المرير . وما زال شعبنا ينتظر جديدا من التعذيب والضياع فيما يسمونه " قانون مكافحة الإرهاب " .
**********
وأجدني أخاطب كل رأس كبير من هؤلاء بالكلمات الآتية :
يـا أمـيرَ العميان حسبك فـلـتـقلْ ما تشاء فالحقُّ أبْقى فـلـقـد عشتَ مُنكِرًا كلَّ حقٍّ غـيـرَ أني أقول قولة صدق "تـعَسَتْ أمةٌ تراختْ فصارت | زورًاقـد لستَ في العيرِ أنت أوْ في النفير وجـهـولاً مُـتوَّجًا.. بالغرور لا تـبـالـيـ بسلطة أوأمير: مـرْكَـبًـا هيّنًا لغِرٍّ.. ضريرِ" | تـماديْتَ في هوى التزوير
وليتذكر هؤلاء أن الظلم ظلمات ، وأن دولة الظلم ساعة ، وأن دولة الحق إلى قيام الساعة . ( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ) ابراهيم (42)
ولك الله يا مصر ... لك الله يا مصر .