الازدواجية الأمريكية والمعايير المتباينة
الازدواجية الأمريكية والمعايير المتباينة
سياسة أمريكية مزمنة
فيصل الشيخ محمد
استمعت وشاهدت كما استمع الآلاف وشاهدوا المقابلة التي أجرتها قناة الجزيرة (مباشر) يوم أمس الأحد الأول من آذار مع السياسي المصري المعارض أيمن نور بعد خروجه من السجن بموجب عفو رئاسي.. قيل إنه مراعاة لحالته الصحية المتدهورة.. ولم أجد على وجه أيمن نور ولا من خلال حديثه ما يشير إلى أن هناك أي حالة مرضية تستوجب إطلاق سراحه، وهذا ما دفعني إلى تصديق ما نقلته بعض وكالات الأنباء عن بعض الصحف الأمريكية التي أكدت أن الرئيس الأمريكي الجديد (أوباما) قال: (إنه لن يمد يده لمصافحة الرئيس المصري حسني مبارك قبل أن يطلق سراح أيمن نور).. واقتنعت بما أجاب عليه أيمن نور أنه (لا ينفي ولا يؤكد) مثل هذا القول لأنه لم يكن له أي اتصال بالعالم خارج السجن الذي كان يقبع فيه.
في كل الأحوال فإن أيمن نور أفرج عنه وهذا ما يهمنا، لأننا ضد الاعتقال السياسي وكل إجراءات ملاحقة السياسيين أو تكميم أفواه المعارضين، وضد كل أشكال الأنظمة الشمولية، سواء كانت من أقصى اليمين أو أقصى اليسار.
وإن صح كلام أوباما فإنه موقف يحسب له.. وهذا الموقف بالمقابل يحسب على الرئيس المصري، لأنه كان من المفترض أن لا يكون أيمن نور في السجن أو الاعتقال، وهو الذي كان المرشح الوحيد الذي تمكن من مواجهة حسني مبارك، وحصل على أصوات 10% من الناخبين الذين جيشتهم الدولة ليدلوا بأصواتهم في تلك الانتخابات، لصالح حسني مبارك للوصول إلى ولاية رئيسية ثالثة هي محسومة بالأساس، وقد قدر المراقبون بأن عدد من شارك بهذه الانتخابات من المصرين وصل إلى 8% من أصوات الناخبين الذين يحق لهم الإدلاء بأصواتهم.
ما أريد أن أقوله في هذا السياق فإن موقف أوباما يدل على ازدواجية مقيتة ومعايير غير عادلة أو منصفة، لم يشذ عنها كما هي الإدارات الأمريكية السابقة حيال الكيان الصهيوني، بعكس كل توقعات المتفائلين من العرب، فلم نسمع منه منذ أن اعتلى سدة الحكم وأقسم اليمين، أنه يدين العدوان الصهيوني على قطاع غزة، وما ارتكبته آلة الحرب الصهيونية (الأمريكية الصنع) من جرائم بحق الإنسان والحجر والشجر وكل من يدب فوق الأرض وتحتها في قطاع غزة.. ولم نسمع أنه اشترط على إسرائيل مواصلة الدعم الأمريكي لها لن يكون إلا بتقديم الاعتذار للشعب الفلسطيني، لما اقترفته من جرام بحقه منذ ما يزيد على أربعين سنة عندما احتلت كل فلسطين عام 1967، وأنه لن يتعاون مع الإدارة الإسرائيلية القابلة إلا إذا أقرت بكل القرارات الدولية بشأن فلسطين وأقرت بكل الاتفاقيات التي أبرمتها الحكومات الإسرائيلية السابقة مع الفلسطينيين منذ أوسلو وحتى اليوم.
وبعكس ذلك، فقد أرسل أوباما وزيرة خارجيته لتقدم للكيان الصهيوني التأكيد على دعم إسرائيل ووقوف أمريكا إلى جانبها وفي كل الأحول، سواء كانت ظالمة أو مظلومة كحال كل الإدارات التي سبقته، فأعلنت هذه الوزيرة في القدس المحتلة بكل وقاحة تنم عن الصلف والغرور واللامبالاة بالدم الفلسطيني أن (على حماس أن تعترف بإسرائيل وتقر بموافقتها على كل شروط الرباعية وما أبرمته السلطة الفلسطينية مع الإسرائيليين من اتفاقيات (مذلة ومخزية) وتنبذ العنف قبل التعاون معها وشطبها من قائمة المنظمات الإرهابية).
أوباما لم يشذ – كما قلنا عن سياسة الإدارات الأمريكية التي سبقته – من حيث المكاييل والمعايير والتباين في تعامل الإدارات الأمريكية المتعاقبة مع العرب والكيان الصهيوني.. وهذه الحالة باتت مزمنة في السياسة الأمريكية منذ زُرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي.. وامتد سرطانه في جسد الأمة العربية.. وليس في هذا ما يعيب دولة قامت على العبودية والعنصرية والاستيطان واستئصال الشعوب وتهجيرها.. المعيب في مواقف بعض الحكام العرب الذين ارتضوا بأن يكونوا بيادق بيد الإدارات الأمريكية تنصّبهم وتضحي بهم حيث اللعبة السياسية تتطلب ذلك!!
ولا يزال هؤلاء يندفعون طواعية وراء هذه الإدارات الأمريكية لإرضائها، وقد أداروا ظهورهم لشعوبهم وأوطانهم، بعيدا عن مصالح الأمة وقضاياها المصيرية!!