هل هناك وجه شبه
فيصل الشيخ محمد
بيتان وتشرشل كانا حليفين عند نشوب الحرب العالمية الثانية.. الأول: يعني هنري فيليب بيتان رئيس الوزراء الفرنسي عام 1940، وكانت فرنسا تترنح أمام الزحف الألماني، وعلى شفا الانهيار، وفضل بيتان السلامة، فنزع سلاح الجيش الفرنسي، ووقع مع النازيين الغزاة هدنة في حزيران عام 1940، وأوقف العمل بالدستور الفرنسي في تموز من نفس العام، وعين نفسه رئيساً للدولة وشكل حكومة في مدينة (فيشي) وصار بيتان مجرد رئيس شكلي للدولة، وقد أمسك النازي (لافال) قائد الجيوش الألمانية المحتلة بزمام الحكم.. وتعاون بيتان إلى أبعد الحدود مع الألمان المحتلين في ملاحقة المقاومة الشعبية الوطنية الفرنسية وكشف خلاياها وأماكن تواجدها.
الثاني: يعني ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا، رفض استسلام بيتان للنازيين وسلم بلاده فرنسا دون مدافعة أو دفع، فقرر التصدي للعدوان الألماني مهما بلغت التضحيات، وهو يعرف أنه قد بقي وحيداً في مواجهة النازيين الألمان وترسانتهم العسكرية الهائلة التي لا طاقة لبريطانيا لمواجهتها.
هتلر من جهته قرر – وقد أسكرته نشوة استسلام فرنسا بزمن قياسي – والقائد الأعلى لطيرانه المارشال (غورينغ) أن يخضعوا إنكلترا – كما فعلوا بفرنسا – بواسطة القصف الجوي العنيف قبل إنزال الجيوش البرية فيها.
وكان سلاح الجو الألماني يتألف من 2600 طائرة، منها 1000 طائرة مطاردة. وفي المقابل لم يكن لدى سلاح الجو الملكي البريطاني سوى 820 طائرة فقط.
وبدأت المعركة في 8 آب عام 1940 بغارة جوية عنيفة على الملاحة البريطانية في بحر المانش. وفي 15 آب هاجمت 1800 طائرة ألمانية قواعد سلاح الجو الملكي البريطاني والطيران الإنكليزي، والمطارات القائمة حول لندن. وفي ليل 23 آب قصف الألمان لندن نفسها وأحالت بنيانها إلى خرائب وركام. وحتى شهر أيلول كانت موجات قاذفات القنابل الألمانية تتعاقب باستمرار وبلا هوادة فوق إنكلترا من أقصاها إلى أقصاها.
وعلى الرغم من عنف القصف الجوي الألماني وحدّته احتفظ الإنكليز الملتفين بشجاعة حول رئيس وزرائهم ونستون تشرشل، ببرودة أعصابهم وبمعنوياتهم العالية. مما أدهش هتلر، وأكرهه على التخلي عن مشروعه القاضي بغزو الجزر البريطانية. وكانت هذه المعركة بداية انهيار ألمانيا وهزيمتها.
نعود إلى بيتان الذي ارتضى السلامة وسلم فرنسا للنازيين، فقد حوكم بتهمة الخيانة العظمى وحكم عليه بالموت عام 1945 بعد هزيمة ألمانيا وحلفائها وانتصار بريطانيا وحلفائها.
أما تشرشل فقد أصبح في عيون الإنكليز بطلاً قومياً تحج إلى مكانة إقامته الألوف من البريطانيين لتحيته، وتستقبله الألوف بالورود والرياحين أينما سار وحيثما حل، مكافأة لوقفة العز التي وقفها وجنّب بريطانيا احتلال النازية وتنكيس رؤوس البريطانيين في وحل الهزيمة والعار والشنار.
ما جعلني أروي حكاية الحليفين بيتان وتشرشل ما حصل في غزة هاشم من صمود حماس والمقاومة الفلسطينية فيها، في ملحمة قل نظيرها في العصر الحديث، وهزيمتهم للجيش الإسرائيلي وترسانته العسكرية التي لا تقهر، وموقف سلطة الضفة الغربية التي آثرت السلامة واستسلمت بكل طواعية لما تريده إسرائيل وتريده الرباعية، وفي قابل الأيام سنشهد حصاد الموقفين، وسيسجل التاريخ تلك الحكاية وما حدث في فلسطين، وكيف كان موقف الأخوين، ليكون شاهداً لهم أو عليهم!!