جيش "باراك" أم "نتان ياهو"
جيش "باراك" أم "نتان ياهو"؟
د. فايز أبو شمالة
كثر الحديث عن حكومة المتطرفين اليمينية القادمة وكأنها سوط تأديبٍ للعرب، أو أنها لحظة ندم للعرب الذين لم يستثمروا وجود حكومة السلام والمحبة الغاربة، ووصل الأمر بمكتب "أهود أولمرت" أن يلوح بنتائج الانتخابات الإسرائيلية لتحقيق مكاسب تفاوضية في التهدئة مع حماس، وكأنه يقول: ما مضى لكم أيها الفلسطينيون لن يعود، والحكومة القادمة لن تكتفي بتوجع سكان غزة وتجويعهم، بل ستقتلع حماس من جذورها، وتقضي عليكم.
السياسة هي أصداء الواقع، والواقع الميداني في منطقتنا يقول كلاماً غير الذي ينشر في وسائل الإعلام، ومن خلال مشاهداتي، ومراقبتي الميدانية، ومتابعتي لمجريات الحرب على غزة ـ ولا أحسب أنني أكشف سراً عسكرياً لحماس ـ فقد تملص الجيش الإسرائيلي من مستنقع غزة، وربما من مصيدة أعدت له داخل التجمعات السكنية، ولا أحسب أن لدى إسرائيل خلافاً لهذا الجيش الذي أرسله "أهود براك" لذبح غزة، والذي لم يألُ جهداً، ولم يتردد في التدمير حتى وصل إلى خط النهاية المسموح له: ألف وخمسمائة شهيد، وستة ألاف جريح، وأكثر من أربعة ألاف بيت في أقل من شهر، فماذا بمقدور الجيش أن يفعل تحت سلطة "نتان ياهو" ولم يفعله بأوامر "باراك"؟ وهل كان "أرئيل شارون" قبل أربع سنوات أقل تطرفاً ويمينية من متطرفي اليوم، مع الأخذ بعين الاعتبار أن انشقاق حزب "كاديما" عن حزب "الليكود" كان بسبب الفرار من غزة؟ ومع ذلك لا أحسب أن "نتان ياهو" في موقع الدراية الكاملة بطاقة الجيش قادر على الفعل العسكري أكثر مما فعل سلفه "باراك" بالجيش ذاته، وبقيادته ذاتها، وخططه، وإمكانياته، ونفسيته، وعقيدته.
لقد اعترف عدد من قادة الصهاينة أن الحرب على غزة كان يمكن أن تتوقف عند حدود الضربة الجوية، وما زاد عن ذلك كان قتل، وتدمير بلا فائدة، وقد أفصح الكاتب عوفر شيلح في صحيفة معاريب، أن "الحاجة الى تبديد الفزع بشأن قدرة الجيش، هو الذي حرك الخطوة البرية بعد أسبوع من القصف الذي حقق كل ما كان يمكن تحقيقه".
إن أصدق ما يشير إلى فشل الجيش الإسرائيلي ما جاء بالأرقام عن مصادر أمنية، تقول: "في الوقت الذي أعد فيه الجيش معسكرات اعتقال لعشرات ألاف الفلسطينيين، تم أسر 128 فلسطينياً في شمال قطاع غزة، وعدد 15 فقط شرق القطاع، وبلغ مجموع الأسرى الفلسطينيين في حرب الرصاص المصبوب فقط 200 فلسطيني، تم إطلاق سراحهم ما عدا 30 فلسطينياً ظلوا حتى الآن في السجون الإسرائيلية". هذه الأرقام تشير إلى أن ما خطط له الجيش على الورق قد اصطدم بواقع مختلف.
بإمكان جيش "نتان ياهو" أن يضاعف القتل، والتدمير، وأن يطيل أمد الحرب، ولكنه لن يقضي على المقاومة، وإذا كان جيش "أهود براك" قد حرك ضده الرأي العالم العالمي، فإن جيش "نتان ياهو" أكثر قدرة على التسريع في فضح الحقيقة العدوانية للدولة العبرية.