شياطين الكلام
شياطين الكلام
د. فايز أبو شمالة
هل يشك عربي أن الدولة العبرية قد قامت سنة 1948على حساب الأرض العربية، فكيف يصفق كاتب للغاصب؟ وكيف لا يتشكك صبح مساء في وجود الدولة العبرية، وهو شاهد على قيامها بالقوة العسكرية؟
شياطين الكلام يتشككون، وخانوا الشهادة، وكذبوا القول عن قصدٍ، فعلي سبيل المثال: أن تمنع غزة الغاصب من النوم في حضنها بالقوة، فهذا نصر كبير، حتى ولو مزق جسدها، ونفل شعرها، وأكل أولادها، يكفيها فخراً أنها لم تستسلم لشهوة الغاصب الذي ما امتنعت عليه أجساد، ونفوس، وعقول شياطين الكلام الذين يشككون في نصر غزة، ويتمنون نصر غزة لمدينة دمشق السورية لأنها احتفلت مع الفلسطينيين بالنصر، ليأت شيطان كلام ويقول: الذي انتصر في غزة هي منظمة التحرير بصفتها قائدة نضال الشعب الفلسطيني، ليناقضه شيطان كلام ثالث، ويقول: لا، لقد جلبت لنا المقاومة أحزاب اليمين المتطرف في إسرائيل، وأفسدت علينا خطة إقامة دولة فلسطينية من خلال أحزاب السلام.
شيطان كلام آخر يقول: "شاليط" الجندي الأغلى في جيوش العالم، نظرا لرقم الضحايا الفلسطينيين الذين سفكت دماؤهم، ودمرت بيوتهم، وجرفت أراضيهم. الكاتب لم يكلف نفسه معرفة عدد شهداء انتفاضة الأقصى الذي بلغ خمسة آلاف شهيد، وجرحاها خمسين ألف، وكل ذلك قبل أسر "شليط". ليأتي شيطان كلام آخر في اليوم التالي ليقول: "شليط" أغلى أسير، فمنذ أسره دمرت إسرائيل غزة عدة مرات، وأزهقت أرواح ما لا يقل عن ألفي فلسطيني وجرحت أعدادا تصل إلى سبعة آلاف، ولسوء حظ هذا، جاء رد "أمنون لبكن شاحك" في نفس اليوم قائلاً: لم نعلن الحرب على غزة من أجل "شليط" ،الحرب على غزة كانت بسبب الصواريخ، وحرب الاستنزاف التي تشنها علينا حماس.
شياطين الكلام يهاجمون غزة إذا وافقت على التهدئة، ويتهمونها بالتخلي عن الضفة الغربية، وإذا حاربت غزة يهاجمونها بتهمة تدمير نفسها، وإلقاء يدها في التهلكة، وإذا توارى قادة حماس عن عيون الطائرات يتهمونهم بالجبن، وإذا تحرك الشهيد سعيد صيام، ونال الشهادة يتهم بالطيش، والتهور، وأخيراً أصغر شيطان كلام يقول: مع اتفاق التهدئة ستصير حماس شرطي يحمي حدود دولة إسرائيل. ولم يتنبه هذا الشيطان للدور الذي تقوم فيه قوات الأمن الفلسطينية منذ عام 1994، حتى اليوم، إضافة إلى مهمة التنسيق الأمني.
شياطين الكلام ليسوا أفراداً، إنهم عصابة شيطنة تبدأ من صحيفة الشرق الأوسط، ولا تنتهي بآخر معلق لا يجيد كتابة اللغة العربية في موقع أصفر، ويصلي لأن تبقى فلسطين نائمة في سرير مغتصبها كي يضمن راتبه آخر الشهر.
شياطين الكلام استعاروا مزمار داوود يتغني في أقلامهم لمعاكسة الحقائق، وعكس رغبتهم في تكسير عظم غزة الذي يعني هزيمة خط المقاومة، وبالتالي سلامة خط المساومة الذي يدافعون عنه، وليس مهماً أن يخسر الوطن، وتضيع فلسطين، المهم ألا ينكشف زيف خطواتهم السياسية الخاطئة، وهم يرفرفون: نأكل خبز الدول المانحة لنغرد على أشجارها.
شياطين الكلام لا يقرون بالواقع الجديد، بأن جيلاً فلسطينياً أكثر تصميماً، وإرادة، وعزماً، وإدارة معركة قد فرض نفسه نداً للدولة العبرية، وهذا ما اكتشفه الشعب الفلسطيني بالملموس العملي، واكتشف أيضاً صدق شياطين الكلام، وهم يصفون بعضهم البعض، ويلخصوا درايتهم، ومهارتهم بأنهم: يقرءون على الناس ما يمحون، ويمحون في اليوم التالي من عقول الناس ما يكتبون.
فإذا كان هذا منطقكم يا شياطين الكلام، عليكم أن تفتشوا عن شعب آخر لتسوسون، ومن ثم توسوسون، ليُصدّق ما تكذبون، ويعبد ما تعبدون.