على العرب استثمار الهبة العالمية المؤيدة للفلسطينيين

على العرب استثمار الهبة العالمية المؤيدة للفلسطينيين

لا تحجيمها وإضعافها

فيصل الشيخ محمد

السبت الماضي عشت – مع ملايين المشاهدين – مع برنامج الإعلامي اللامع غسان بن جدو (حوار مفتوح) الذي أجراه في الهواء الطلق من أمام معبر رفح، بعد أن مُنع مع زميله الإعلامي أحمد منصور من الدخول إلى قطاع غزة.

لقد سبق بث البرنامج حملة إعلامية متواصلة على مدار أسبوع تقريباً على شاشة الجزيرة تعلن عن أن البرنامج سوف يبث من داخل غزة تحت عنوان: (قصة الصمود في غزة إنسانياً واجتماعياً وإعلامياً..).

ولكن لأسباب نجهلها ويجهلها ابن جدو وأحمد منصور وكل العالقين على المعبر المصري من وفود عربية وإسلامية وعالمية، عن ماهية المنع والحجة التي يفتعلها أو يتبناها القائمون على معبر رفح، وتعاملهم مع تلك الوفود بانتقائية لا مبرر لها.. حيث يسمح للبعض بالدخول ويمنع آخرون.. رغم أن الجميع قد استكملوا جميع الشروط والطلبات والإجراءات القانونية التي وضعتها مصر التي تكفل – بعد استكمالها – السماح بالدخول إلى قطاع غزة لمن أتمها دون أي تأخير.

لقد كانت أهم الوفود التي مُنعت وأجرى معها غسان بن جدو حواراً مفتوحاً حول أسباب منعهم من الدخول، كان وفد الجامعات المصرية الذي ضم نخبة من الأساتذة المختصين في الطب والجراحة والهندسة والبيئة، الذين تحتاجهم غزة أيما احتياج وهي تعاني فقدان مثل هذه الاختصاصات الضرورية جداً، من الناحية الصحية وإعادة البناء، والاستفادة من ركام الأبنية التي دمرت، وإعادة صلاحية المياه في الصرف الصحي لاستعمالها في الزراعة، بأسرع وقت وأقل التكاليف.

أيضاً كان هناك وفود دولية منعت من الدخول، رغم استكمالها كل الإجراءات القانونية والشروط والطلبات التي وضعتها الحكومة المصرية، ومنها الوفد الذي يضم خبراء من فرنسا والدانمارك مختصين في الكشف على ما خلفته الغازات السامة وتداعياتها على البشر والشجر والحجر لتوثيق المعلومات التي تدين إسرائيل باستعمالها أسلحة محرمة دولياً في عدوانها على غزة، وبالتالي تجريم العسكريين الصهاينة وسوقهم إلى المحاكم الدولية ومحاكمتهم كمجرمي حرب.

كذلك كان هناك وفود إنسانية عربية تحمل معها الدواء والأجهزة الطبية وسيارات الإسعاف، مُنعت من الدخول، وأهل غزة أحوج ما يكونون لكل ما تحمله هذه الوفود الإنسانية وخاصة منها الأدوية وسيارات الإسعاف والأجهزة الطبية التي لا تزال نادرة الوجود في مستشفيات غزة.

من استمع إلى برنامج حوار مفتوح السبت الماضي يصاب بالصدمة لمنع هذه الوفود من الدخول إلى غزة بدل تسهيل دخولها ومساعدتها في مهماتها الإنسانية والبيئية وتوثيق الجرائم الإسرائيلية وما ارتكبته من فظائع بحق الإنسان والشجر والحجر.. وكل الشرائع السماوية والإنسانية والدولية تؤكد على أنه على كل الدول المحيطة بدولة تعرضت للعدوان أو أصابتها كوارث طبيعية أن تفتح حدودها وتستقبل الحالات الإنسانية دون أية إعاقة، وتسهل دخول المواد الغذائية والدوائية والوفود الإنسانية والصحية والبيئية لمساعدة شعب تلك الدولة، التي تعرضت للعدوان أو حلت بها كوارث طبيعية، وبعكس ذلك فإن القانون الدولي يجرم تلك الدول ويعتبرها مشاركة في العدوان، أو مهملة بحق شعب تلك الدولة التي تعرضت للكوارث الطبيعية.

لقد أصاب الإعلامي أحمد منصور عندما قال: إن وجود فريق للجزيرة في قطاع غزة لا يمنع أو يحول دون دخولي ودخول زميلي غسان بن جدو، فلكل منا برنامجه الخاص الذي تنتظره الملايين لمشاهدته، وتساءل بحرقة وألم: لماذا نمنع من الدخول؟!

إن برنامج غسان بن جدو (حوار مفتوح) يبث مباشرة من غزة الصمود والنصر كان من شأنه أن يسلط المزيد من الضوء على البربرية الصهيونية، ويثري الحقائق ويوثقها أكثر فأكثر في فكر وعقل المجتمع الدولي، الذي هبَّ بعفوية في كل عواصم ومدن الدنيا مندداً بالوحشية الإسرائيلية.. وعلينا نحن كعرب أن نستثمر هذه الهبة وهذا الغضب لدعم قضيتنا الأولى، المتمثلة بقضية فلسطين وإقامة دولة فلسطين المستقلة وإنصاف الشعب الفلسطيني بعد قرن من العذابات التي عاشها، قهراً وإذلالاً وحصاراً وتجويعاً وقتلاً وسجوناً ومنافي.. ولم يتعرض لها شعب آخر في هذا العالم في العصر الحديث.