منظمة التحرير "الميكرونيزية" التي لا تمثلني
منظمة التحرير "الميكرونيزية" التي لا تمثلني
رشيد ثابت - كاتب فلسطيني في السويد
يعمل ماهر الكرد رئيسًا للجنة الاقتصادية في "منظمة التحرير الفلسطينية". وبالرغم من كل التمثيل غير المتقن لزعامات سلطة المقاطعة وناطقيها ورموزها في حزنهم البارد والمفتعل على مأساة غزة - بالرغم من كل هذا فإن الرجل لم ينشغل بالعواطف ولم يتخل عن القيام بواجبه؛ وخف لحضور مؤتمر "هرتسليا" التاسع لمكافحة الإرهاب حسب ما جرى إعداده وترتيبه؛ وقبل أن يغسل الصهاينة أيديهم من دمائنا بعد. طبعًا فإن هذا الحدث ليس سابقةً ولا بِدَعًا في سلوك العديد من قادة فتح والمنظمة؛ فهم داوموا عبر معظم السنوات الماضية على حضور دورات المؤتمر؛ والمشاركة بمداخلات "قيمة" في موضعه "الشيق" عن مكاحفة المقاومة؛ والاستماع لبحوث وكلمات قدمها في نفس الباب أشخاص مثل "أفيغدور ليبرمان" و"شمعون بيريز"؛ ولفيفٌ من قادة الاستخبارات والعمل الأمني والعسكري في الكيان الصهيوني. وقطعًا يمكن تصور نوع هذه الكلمات والأبحاث وطبيعة حضور "الفلسطيني" فيها كمادةٍ للاستهداف؛ وعنصرٍ يتم التفكير في أجدى طرق تدميره وخنقه وذبحه وقتله وسلخه (مع شقيقه "اللبناني" أيضًا وخصوصًا إن كان من حزب الله؛ ومع هؤلاء طبعًا إيران ومن لف لفيف هذه "العصابة" من أعداء الصهيونية والعروبة "المعتدلة"). ترى هل لمعت عينا "ماهر الكرد" وهو يستمع إلى "بنيامين نتنياهو" يتحدث بخصوص حتمية القضاء على حماس؟ هل انتظر نزوله عن المنصة ليصافحه ويشد على يديه؛ أم أنه انتفض مثل "أردوغان" و"بهدل" زميله النتن (بالتركية ربما)؟ استبعد ذلك بطبيعة الحال لسبب بديهي (لا ليس السبب: "كان جابوها على التلفزيون") وهو أن هؤلاء القوم لا يغضبون من أجل فلسطين؛ وهم لا يمكن أن يستثاروا من الصهاينة لأي قولٍ يقولونه أو فعلٍ يفعلونه. وإذا كانت "ميكرونيزيا" - هذه الجزائر العتيدة المرمية في ركن المحيط الهادي - قد تعودت أن تكون ثالثة الكيان والولايات المتحدة في أي تصويت أممي يضر بمصلحة الصهاينة ولو بأدنى قدر؛ فإن تلك المحمية تفعل ذلك لمنفعة تتحقق لها ودون أي إضرار بمصالح المواطنين الأهليين. فما هي مصلحة ممثل لمنظمة التحرير الفلسطينية في حضور اجتماع يبحث في كيفية تعقيم وإهلاك الشعب الفلسطيني وإرادته السياسية؛ ويضمن انتاج أبرز الآليات والأفكار لنصرة عدوه؟
أتصور أن هذه الحادثة - ومئات الحوادث الشبيهة التي تقاس عليها - كفيلة بإسقاط مشروعية من "مَكْرَزُوا" العمل الوطني الفلسطيني - بل هبطوا باسم المنظمة لما دون "ميكرونيزيا" هذه قيمةً وحضورًا - واغتصبوا القرار الفلسطيني لمصلحة خصومه؛ وسرقوا حتى اللغة حين أطلقوا صفة "التحرير" على جماعة لم تعد تعمل لهذا الهدف؛ ولا تحدث نفسها بالعمل من أجله؛ بل هي تتجند لقمع ومحاربة من يضطلعون بالمهمة! بل حتى عدوها اللدود - سابقًا - اطمأن لقعودها عن هذا الدور؛ فَيُعَرِّفُ عن ماهر الكرد باسمه وصفته في "منظمة التحرير الفلسطينية" - كما سجل حرفيًّا - دون أن يرف له جفن!
إذا كان "رائد صلاح" يصلح زعيمًا للكيان الصهيوني؛ أو إن جاز اختيار "عزمي بشارة" وزيرًا لخارجيته؛ فإن حزب المقاطعة مؤهلٌ للاستمرار في القبض على مقاليد الزعامة والتمثيل الفلسطيني. وهذا الوضع الشائن الذي تحضر المنظمة فيه أعياد سفاحي دمائنا ومواسمهم - هذا الوضع كفيل برفع الشرعية عن هذه الفئة؛ ولا حاجة لكل الجهود المشكورة التي راحت تكتب وتقول وتسهب وتوضح عن حق - ولكن دون جدوى - كيف أن المنظمة مجمدة وهلكى؛ وكيف أن جهازها التشريعي لا يعمل؛ وصندوقها القومي مترهلٌ منتهب؛ وأجهزتها الإدارية خربت و"قعد على تلها" تجار القضية الغشاشون؛ وأن مجالسها السِّركية (نسبة للسرك) لا تجتمع إلا باستدعاءٍ سخيفٍ لتغطية "حردة" جديدة من "حردات" السيد الرئيس (على أنه يجدر أن نسجل أن اجتماع أعضاء المجلس الوطني مؤخرًا في عمان كان دون شك من أكثر هذه الاجتماعات "المكيودة" طرافةً وظُرْفًا؛ فقد بدا كما لو أنه لقاءٌ لأولياءِ أمورِ طلبةِ مدرسةِ محوِ أميةٍ للكبار! وكان أرق "الديناصورات" الحاضرة عودًا في ريعان الستين من عمره فقط! وصحيحٌ أننا لن نشارك بهؤلاء الأعضاء في "الأولمبياد"؛ لكن هذا التكلس والعجز عن التجدد بآلياتٍ معتبرةٍ في هذه المنظمة التي تزعم أنها تمثلني وتمثل زهاء عشرة ملايين فلسطيني - هذا التكلس والتحجر مثيران للحنق والازدراء).
ونحن نقول عن جهود كشف تداعي المنظمة بالحجة والدليل المادي بخصوص غياب مؤسساتها وإلغاء ميثاقها - نقول أنها دون جدوى ليس انتقاصًا من الأفاضل الذين تصدوا للمهمة لا سمح الله؛ بل لأن خاطفي المنظمة يتصرفون مثل "غوار" حين سرق ختم المختار (أو لعله "أبو عنتر" من فعل ذلك؟) ولا يقيمون للقانون والمؤسسة وزنًا إلا بقدر ما تمكنهم من متابعة "اللهبدة". ولذلك إن قرر "أبو الأديب" أن يغالب ثقل الحركة - محافظًا في الوقت نفسه على ثقل ظله التاريخي والمعهود - ويستجيب لضغطة محمود عباس على "الريموت" كلما "عنّ على باله"؛ أو إن قرر أن يقعد في بيته و"يكن ويهدى"؛ فإننا لن نقيم لهذه المنظمة الميكرونيزية واجتماعاتها وقراراتها بالاً؛ وسنعتبر أي جهدٍ لتخليص فلسطين من هذه السقطة جهدًا طيبًا مباركًا محمودًا (حتى لو لم يرضَ عن ذلك مبارك أو محمود).
ولتسقط منظمة ميكرونيزيا...تَسْقُط تَسْقُط تَسْقُط!