أم حماس

علاء سعد حسن حميده

[email protected]

اليوم عيد

قد عشت فيه ألف قصة حبيبة السمات

اردد الآذان في البكور

أراقب الصغار يمرحون في الطريق كالزهور

وهذه تحية الصباح

وهذه ابتسامة الصديق للصديق

والسلام يبسط اليدين

يرسل الندى

يملأ الحياة بالأمان

هدية يحبها الصغار

تحبها صغيرتي

ما أطيب الزمان يا أحبتي

ما أطيب الزمان

تطير الصغيرة فرحة هنا وهناك وضحكاتها وصرخاتها الصغيرة تجلجل بأرجاء الشقة فتتجاوب معها الجدران .. تلاحق ( بالونة ) تطير معها هنا وهناك .. وابتسامة الأم تعلو وجهها المرهق ، ونظراتها تنتقل معها من مكان لمكان

تهتف بها :

- حماس .. حمزة وعمر في الطريق .. بابا ربما يمر على الجزار ليصحبه معه .. يجب أن نستعد لنذهب إلى (جدو) لحضور الأضحية ..

أتحبين خروف العيد يا حماس ؟..

- قوي ..قوي ماما

اقبل حمزة وعمر البشر يطفر من وجهيهما بملابسهما الجديدة الجميلة ، واندفع عمر يجري خلف بالون حماس يشاكسها .. بينما حمزة مازال يدندن بالتكبير يتقمص دور الأب ..

لحظات ثم دعتهم أمهم للصعود معها إلى الجد ليشهدوا الأضحية ..

انتصف النهار الأب لم يعد .. نظرات حائرة متبادلة بين الأم والابنة وزوجة ابنها ..

كيف يتأخر عنا هكذا في يوم العيد ؟

كيف وهو من كان يقف مع الجزار حتى النهاية ؟

الأب يداري غضبه واندهاشه يتشاغل بتقسيم اللحم وقد أجهده التعب ، كان ابنه هو الذي يحمل عنه كل هذا .. ابنته تقول له مشفقة :

- ننتظر ساعة أخرى أبي

- إلى متى ننتظر إلى الغد ؟!

والناس الذين ينتظرون ليفطروا من اللحم هل يبقون أيضا .. الله المستعان ..

غربت الشمس .. لكنه لم يعد .. تحولت نظرات الاستفسار إلى نظرات اتهام .. تريد أن تهرب من هذا الجو الخانق بين قلقها عليه وبين سهام الاتهام المصوبة إليها دون جريرة .. تتحامل من أجل أن يظل الأولاد في انشغالهم باللعب مع الأقارب .. تخشى من الوحدة بين جدران شقتها .. وتتخوف من المصير المجهول ..

يدق هاتفها :

السلام عليكم

............ ....... .......

لا والله يا ماما

...... .......

سنأتي طبعا .. وهل يكون عيد دون أن نعيد عليكم ونأخذ العيدية من بابا ..

...... .... ....

لا .. أبو حمزة لم يعد إلى الآن

.... ....

نعم منذ صلاة العيد ..

...... ... .......

الكل عائد بفرحة تطل مشرقة

من الشفاه والعيون

ودارنا ستنتظر

صغيرتي ستنتظر

والشرفة التي على الطريق

تسمع الصدور

تعزف الأشواق

تعصر الأسى

- متى يأتي بابا يا ماما ؟

- متى سنأخذ العيدية ؟

- هل سنزور جدو الليلة ؟

- هل نذهب للحديقة أم الملاهي ؟

- اذهبوا الآن أحبابي .. العبوا مع الأولاد .. اتركوني بمفردي الآن من فضلكم ..

تخبئ الدموع في مقلتين حمراوين كنزف الدم ..

حمزة لن ينام

قد كان نومه على ذراع والده

حماس لن تذوق زادها

لأنها تعودت أن تبدأ الطعام

من يدي الأسير

انتصف الليل .. أخيرا تسربت الأخبار .. اللجنة نظمت حملة لجمع جلود الأضاحي من المضحين وتجهيزها لبيعها لصالح أهل غزة المحاصرين .. انطلق بعد الصلاة مع أصدقائه في سيارة نصف نقل عليها مكبر صوت

- ادعموا إخوانكم المحاصرين في غزة

- العيد عيدين بدعم المحاصرين ..

اعترضتهم قوة من المباحث .. أمرت بتحريز السيارة والجلود .. وحبس المتهمين على ذمة قضية مناصرة حماس ..

شريكة الأسى بدا جناحها الكسير

تخبئ الدموع عن صغارها

وحين يلفها السكون

سترتدي الصقيع

كي تقدم الحياة للرضيع

مازال يومنا ويومهم

لأننا نحبهم