انتصرت غزّة وربّ الكعبة

د. أبو بكر الشامي

بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من العدوان الصهيوني الظالم على قطاع غزّة المجاهد ، وبعد ذلك الصمود الأسطوري المشرّف لفصائل المقاومة البطلة ولأهل القطاع الأبرار ، وبعد أن زال الغبش ، وتوضحت الأمور، وتكشفت الحقائق ، وسقطت وريقات التوت عن عورات المحتلين المجرمين وعملائهم المنافقين..!! كان لابد لنا من وقفة  تقييم دقيقة ، ومراجعة شاملة ، نضع فيها نقاط الحقيقة فوق حروفها ، وننشر بين يدي شعبنا  الفلسطيني المجاهد  وجماهير أمتنا العربية والإسلامية الوفية ، حصاد تلك المنازلة التاريخية الرائعة  لكل أطراف المعادلة فيها ، وهي : المحتل الغاصب ، وعملاؤه المدنّسون ، والمقاومة الفلسطينية الباسلة ...

 * أما المحتل الآثم : فقد فشل فشلاً مخزياً في تحقيق أي من أهدافه الخسيسة ...

والحديث عن فشل أهداف العدوان يستدعي التذكير بأهم أهداف ذلك العدوان  والتي لم تعد خافية على أي من أبناء شعبنا المجاهد ، وأمتنا المجيدة ، والشرفاء في العالم ، والتي من أهمها :

1. سحق المقاومة المجاهدة في غزّة ، واعتقال قياداتها ، وتدمير بنيتها العسكرية والصاروخية ، وتدمير نموذجها المتمرّد على الإرادة الصهيونية في الأمتين العربية والإسلامية ، بل في العالم بأسره ...

2. إجهاض الصحوة العروبية والإسلامية في فلسطين والأمة ، وقتل أية بذرة من بذور الخير والرجولة والفضيلة والكرامة والتحرر فيها .

3.تحرير الجندي شاليط وإعادته إلى أهله كنوع من الدعاية الانتخابية .

4.إعادة العميل دحلان إلى غزة ( وهو جاهز مع خمسة عشر ألف جندي مدرّب على أيدي المخابرات الأمريكية والموساد في مصر )، وإنهاء القضية الفلسطينية .

كل ذلك إنما يجب أن يتم بسرعة قبل تنصيب أوباما ( 20/1 / 2009) وقبل بدء الانتخابات الصهيونية ( 10/2 / 2009 ).

  ولقد فشل الصهاينة على جميع الأصعدة العسكرية والسياسية والإعلامية والأخلاقية وغيرها ...

وخسؤوا في تحقيق أي من أهدافهم الغادرة ...

* فأما على الصعيد العسكري ،فقد فشلت القوات الصهيونية الغازية فشلاً مخزياً في تحقيق أي من أهدافها ، بالرغم من تفوقها المطلق من الناحية الفنية ... ولقد اعترف كبار جنرالات الحرب الصهاينة بهذه الحقيقة المرّة ، كما نشرت كبريات الصحف الصهيونية والغربية وغيرها مقالات مزلزلة ، تشخص فيها حجم الخيبة التي واجهتها القوات الصهيونية الغازية ، حيث بقيت طيلة فترة العدوان وهي تراوح مكانها ، بدون أن تحقق أي تقدّم على الأرض ، مما اضطرها للتعويض عن فشلها ، والتغطية على خيبتها بالمزيد من الإجرام ضد الأطفال والنساء والمدنيين العزّل ...!!!

ورب عربي لا تنقصه الغيرة والإخلاص يحب أن يسأل : ترى كيف لنا أن نسلم بانهزام الصهاينة عسكرياً ، إذا كانوا قد دخلوا القطاع وأحدثوا فيه كل ذلك الكم الهائل من الدمار والخراب ...!!!؟

وللإجابة على هذا التساؤل المشروع ، لا بد لنا أولاً أن نذكر شعبنا العظيم وأمتنا المجيدة بحقيقة النصر ومعانيه في حرب القلة المؤمنة ضد الكثرة الكافرة  عبر التاريخ العربي الإسلامي كله ، وكما هو حاصل على أرض العراق اليوم  وأرض فلسطين المقدسة ، وأرض أفغانستان المسلمة ، وغيرها من الأراضي العربية والإسلامية المجاهدة  ...

ولنقرأ جميعاً هذه الآيات المباركات :  بسم الله الرحمن الرحيم (( قُتِلَ أصحابُ الأخدودِ ، النَّارِ ذات الوقودِ ، إذْ هم عليها قعود ، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود ، وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد )).

البروج ( 4_7 ). صدق الله العظيم .

هذه الآيات هي من سورة البروج ، وهي من السور المكيّة ، التي تُعنى بعرض حقائق العقيدة ، وقواعد التصور الإسلامي ، وتهتمُّ ببناء القاعدة الصلبة من المؤمنين ، الذين يقوم على أكتافهم بناء الدين ، والدفاع عن المباديء.

وهي تحكي قصة مجموعة من المؤمنين السابقين ، الذين ابتلوا بأعداء كفرة حاقدين ، وطغاة ظالمين مجرمين، أرادوهم على ترك عقيدتهم ، والتخلّي عن مبادئهم ، فأبوا ذلك ، واعتصموا بعقيدتهم ، واستمسكوا بمبادئهم ، فحفر لهم الطغاة أخدوداً ، وأوقدوا فيه النيران ، ثم قذفوهم فيها ، على مرأى ومسمع من الجموع المحتشدة ، التي ساقها الطغاة بالقوة ، لتشهد فصول تلك المذبحة الرهيبة ، وبمثل تلك الدرجة من الوحشية والساديّة ، وانعدام أية أثرة من خلق إنساني ، أو ضمير بشري ، وبدون أي ذنب اقترفه المؤمنون ، اللهم إلا ( ذنب ) التمسك بالمباديء ، والدفاع عن العقيدة ...!!!

وربَّ سائل يسأل : ترى ، مالذي يمكن أن تفعله حفنة من المؤمنين ، أمام جيوش الطغاة الجرارة ، وقواتهم المدجّجة بالسلاح .!؟ 

وما هي النتيجة التي يمكن أن تتمخّض عن صمود مجموعة من المؤمنين أمام جحافل الظالمين ، واستبسالهم في الدفاع عن مبادئهم وأوطانهم ،  واستشهادهم من أجل دينهم وعقيدتهم .!؟

وللإجابة على مثل هذا التساؤل المهم أيضاً نقول : إن النصر الحقيقي ، هو في تمسك أصحاب العقائد بعقائدهم ، وتمسك أصحاب المباديء بمبادئهم ، ودفاعهم عن قيمهم ، وتضحيتهم من أجل عقيدتهم وأوطانهم ومبادئهم ، ولقد تكفّل الله تعالى ، بتحقيق النصر لعباده المؤمنين ، على أعدائهم الكافرين  فقال تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم (( إنا لننصرُ رسُلَنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ، ويوم يقوم الأشهاد ، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة  ولهم سوء الدار )) غافر ( 52).

وإذا جاء الوعد من الله المقتدر ، فلا شك أنه حاصل لا محالة ، ولكنَّ الناس يقيسون بظواهر الأمور ، ويغفلون عن جوهرها وحقيقتها ، أو يقيسون بفترة قصيرة من الزمان ، وحيّز محدود من المكان ، وهي بلا شك مقاييس بشرية قاصرة .!

فأما المقياس الإلهي ، فهو مقياس شامل ، يعرض القضية الإيمانية في رقعتها الفسيحة ، الممتدّة على مديات الزمان والمكان .

ولو نظرنا إلى القضية الإيمانية بهذه السعة ، وهذا الشمول ، لرأينا أنها قد انتصرت في النهاية من دون أدنى شك.  فلقد خاض الإيمان مع الشرك _ منذ فجر البشرية إلى اليوم _ جولات وجولات ، كانت الغلبة في النهاية لصالح التوحيد والإيمان المحصّن بالحق ، على حساب الشرك والظلم  والعدوان المدجج بالباطل ...

هذا من جهة ... ومن جهة أخرى ، فإن الناس يقصرون معنى النصر على صور حسيّة معينة معهودة لهم ، قريبة الرؤية لأعينهم ، ولكنَّ صور النصر في ميزان الله كثيرة ومتعددة ، وقد يتلبَّس بعضها بصور الهزيمة عند أصحاب النظرة السطحية المحدودة ..

فخليل الله إبراهيم عليه السلام ، كان قد انتصر _ في ميزان الله _ وهو يُلقى في نار النمرود ، لأنه كان قد ثبت على عقيدته ، ولم يتنازل عن مبادئه ..

وأصحاب الأخدود ، الذين سبقت الإشارة إليهم ، كانوا قد انتصروا أيضاً ، وهم يُلقَون في نار الطغاة ، لأنهم كانوا قد تمسَّكوا بدينهم ، وضحّوا من أجل عقيدتهم ومبادئهم .

والحسين بن علي ( رض ) ، كان قد انتصر، بالرغم من استشهاده ، وما كان لألف خطبة ، وألف قصيدة أن تنصر قضيّته ، كما نصرتها قطرات الدم المهراق من جسده الطاهر فوق تراب كربلاء ..

وصدام حسين رحمه الله ، كان قد انتصر على أعدائه الأمريكان والصهاينة والصفويين صبيحة عيد الأضحى المبارك ، وهو معلّق على أعواد المشنقة ، وما كان لألف قصيدة وألف خطبة وألف محاضرة أن تنصر قضيته العادلة ، وتفضح أعداءه الحاقدين المنحطين بمثل ما فضحتهم به تلك اللقطات الرهيبة التي ختم بها الدقيقة الأخيرة من حياته ...!!!

والفلوجة ، وقبلها سامراء والنجف وتلعفر ، وجميع مدن العراق الصابرة المجاهدة ، كانت قد انتصرت على الأمريكان القتلة ، بالرغم من كل ما أحدثوه فيها من خراب ودمار ، لأنها كانت تدافع عن كرامتها واستقلالها، ولأن المجاهدين العمالقة الذين كانوا يجاهدون على ثراها فيقتلون ويُقتلون ، إنما كانوا يذودون عن عقيدتهم ، ويدافعون عن شرف الأمة وعزّتها وكرامتها ...

* وكذلك انتصرت غزّة في ملحمتها الرائعة بدايات هذا العام واندحر العدوان الصهيوني وانهزم شرّ هزيمة ، ولقد فشل في تحقيق أي من أهدافه العدوانية الشرّيرة كما ذكرنا ... وهذه هي أهم دلالات ذلك النصر الباهر :

* أولاً : الصمود الاسطوري الذي أبدته المقاومة المجاهدة في وجه أعتى قوة عسكرية  في المنطقة ، ورابع قوة عسكرية على مستوى العالم … نشهد بأن الصمود ، الذي استوعب كل تلك الهجمة البربرية الرهيبة لمدة ثلاثة أسابيع   وأحبطها .

نشهد بأنه ليس من صنع البشر العاديين، بل هو من صنع ربّ البشر !!!

بسم الله الرحمن الرحيم

(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا  فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) 12)لأنفال(

(فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً

 حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) 17) لأنفال(

وإن مما لاشك فيه، أننا سنفرد لهذه القضية الهامة، وربما غيرنا فعل ذلك أيضاً، بحثاً خاصا، أو بحوثاً وكتباً، نبين فيها لجماهير أمتنا المجيدة، أهم الكرامات التي أيد الله بها المجاهدين الأبرار في غزّة المجاهدة . . . !

ثانياً : استخدام المقاومة المجاهدة تكتيكات عسكرية أذهلت الأعداء، ودوّخت قياداتهم، وأحبطت مخططاتهم، وأفشلت هجماتهم . . ويجب أن نسجل هنا : الأهمية العظيمة التي تجلت من الوحدة والتنسيق الرائع بين جميع فصائل المقاومة المجاهدة، كما نسجل الدور الرائد الذي لعبه أبطال القسام الصناديد وإن ننس، فلن ننس، ألق القادة والعلماء العاملين، والدعاة المجاهدين، الذين وقفوا كالأسود الكواسر في طليعة المجاهدين ، متمنطقين بأحزمتهم الناسفة، يقاتلون، ويحرّضون المؤمنين على القتال، ويشدون من أزر الأبطال، ولسان حالهم يخاطب أقرانهم : فيقول:

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا . . . لعلمت أنك بالعبادة تلعبُ

من كان يخضب خدّه بدموعه . . . فنحورنا بدمائنا تتخضبُ

هؤلاء ، والله، هم العلماء، وهم الفقهاء، وهم العبّاد . . . نعم ، هم  العبّاد . . . فلقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((موقف ساعة في سبيل الله (أي في الجهاد) ، خيرٌ من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود)) .

كما  يجب أن نسجل بأعلى درجات الفخر والاعتزاز بأن صواريخ المقاومة التي كانت توصف بالعبثية ، دكت الكيان الصهيوني وزلزلت أركانه ، وأدخلت الرعب إلى كل بيت فيه ، وخاصة بعد تدمير مصنع البتروكيماويات ، ولم تتوقف طيلة فترة العدوان وحتى بعد أن أوقف العدو إطلاق النار من جانب واحد ، بل كانت تنطلق من بين دبابات العدو ومن تحت طائراته ، دون أن يتمكن العدوّ من تدمير منصة صواريخ واحدة.

ثالثاً : تكبيد العدو خسائر فادحة :

لقد كبد المجاهدون العمالقة في غزّة المقدّسة من الخسائر البشرية والمادية، ما لو أتيح للشعب الصهيوني أن يطّلع عليها كما هي ، لأسقط  مجرمي الحرب (أولمرت ولفني وباراك) وسحلهم في الشوارع  ...

ولذلك فقد مارست الماكنة الإعلامية الصهيونية تعتيماً رهيباً على مجريات المنازلة ، فمنعت الصحفيين المحايدين من تغطيتها ...

لقد قالوا في البداية عن غزّة : (جحر فئران) وسنسحقهم في ثلاثة أيام ! ، خسئوا ...!!!

فلما نطحوا صخرة فلسطين العملاقة، فكسرت قرونهم، وأدمت رؤوسهم، غيروا !لهجتهم، وأضافوا للمهلة التي قطعوها لأسيادهم بضعة أيام أخرى . .  ولكنهم فوجئوا بكتائب من المجاهدين العمالقة، تزول الجبال ولا تتزحزح، فاعترف قادتهم العسكريون وأنصفوا المقاومة وقالوا الحقيقة : (نحن أمام مقاومة ! عنيدة ومنظمة)  . . . ! !

عندها جاءتهم الأوامر العليا باستخدام أي سلاح ممكن، حتى ولو كان محرّما دولياً، كالكيماوي والعنقودي والفوسفوري، استنقاذاً لسمعة الصهيونية التي  بدأت تتمرّغ في الأوحال، وحفاظاً على معنويات جنودها التي بدأت تنهار ...!

ونشهد، ويشهد العالم أجمع، بأنهم (عريقون) في مثل هذه المجالات الإجرامية (أبطال) في قصف المساجد،وتدمير المستشفيات،وإبادة المدنيين.

أما المجاهدون فلم يقصّروا في النيل من عدوّهم ، فلقد هبروا منهم ما شفى بعض غليلهم وغليلنا، فقتلوا العشرات من جنودهم ، وجرحوا المئات ، وأسروا البعض الذي بادر الصهاينة إلى قتلهم مع آسريهم ، ودمروا عشرات الدبابات والآليات ، وأصابوا أكثر من خمس طائرات ، ودكوا المدن الصهيونية بأكثر من ألف صاروخ ، زلزل أركانهم ، وأرعب قلوبهم ، ولولا التكتيم الإعلامي الهائل على خسائر العدوّ لظهر حجم التدمير لتلك الصواريخ الرائعة ، ومع ذلك فيكفي الرعب والهلع الذي أحدثه في نفوسهم الجبانة الخوّارة ، ولقد رأينا أحد وزرائهم كيف يختبيء من صواريخ القسام كما تختبيء الفئران ... والأهم من كل ذلك : سحق إرادة القتال والعدوان لديهم ونحن متأكدون حدّ اليقين، من أنهم بعد هذه المنازلة الفاصلة، لن يجرؤوا على تكرارها مع غزة المجاهدة أو غيرها بنفس هذه العقلية المتعجرفة، وسيلجؤون قريباً وليس بعيداً للبحث عمن يفاوضهم من رموز الجهاد  والمقاومة، للخروج من هذه المهلكة التي ساقهم إليها عاثر حظهم . .

رابعاً : الوقفة الرائعة لجماهير الأمة وشرفاء البشرية مع المقاومة .

بل وحتى النظام الرسمي العربي والإسلامي لم يستطع أن يتجاهل الجماهير الغاضبة وكان مضطراً لمجاراتها ، فبدا وكأنه يلهث خلف القطار المقاوم لمحاولة اللحاق به والركوب فيه ، ولذلك  فقد تحول الموقف العربي ( وخاصة المصري ) من لوم حماس وتحميلها مسؤولية الدم الفلسطيني في بداية المعركة إلى لوم الكيان الصهيوني وتحميله جرائم الحرب ، وتبني جميع مواقف المقاومة ( وقف العدوان ، والانسحاب ، ورفع الحصار ، وفتح المعابر ) .

خامساً : جعل خيار الجهاد والمقاومة، هو خيار الأمة الأوحد لتحرير الأرض، ودحر الغزاة ، ونشر ثقافة الجهاد والمقاومة في كل أرجاء الأمة، ولقد شهد العالم أجمع كيف

ضجّت الجوامع بالصلوات والدعوات والدمعات للمجاهدين، الأمر الذي دفع كبار علماء الأمة ومفكريها في المجلس الأعلى لعلماء المسلمين وغيره، لإصدار الفتاوى الشرعية التي توجب على الأمة نصرة غزة بجميع أشكال النصرة الممكنة، وهو تطور، بالرغم من تأخره، إلا أنه يعكس تحولاً كبيراً في ضمير الأمة، كما يعكس حجم النقلة الهائلة للأمة، التي نقلها لها المجاهدون على طريق الجهاد المبارك.

سادساً : فضح همجية الأعداء وحقدهم، وكشف عوراتهم وسوءاتهم...

لم يكن لدى جماهير أمتنا العربية والإسلامية  أي وهم في مستوى خسّة وانحطاط الصهاينة والصليبيين وعملاءهم التافهين  منذ اللحظات الأولى للعدوان، لكن ملحمة غزّة المباركة كشفت للدنيا كلها، بالرغم من التعتيم الهائل الذي مارسوه على أحداثها، مستوى من الدناءة والخسة والانحطاط، لا يليق إلا بأمثالهم من الأوباش والمرتزقة واللصوص !وقطّاع الطرق . . . ! ولو أردنا أن نستقصي كامل سجلهم الإجرامي لاحتاج الأمر إلى كتب ومجلدات، ومن المؤكد أن شرفاء شعبنا لن تفوتهم هذه المهمة المقدّسة، ولكننا هنا بصدد : تذكير الأمة بأهم ما رأوه على شاشات الفضائيات منها :

1.    قصف المساجد ( دمروا 41 مسجداً تدميراً كاملاً + 51 تدميراً جزئياً)

2.    قصف المدارس ( بما فيها مدارس الأونروا ).

3.    قصف الوزارات والدوائر الحكومية الخدمية .

4.    قصف الدور  والمجمعات السكنية .

5.    قصف المستشفيات وسيارات الإسعاف والطواقم الطبية .

6.    قصف المكاتب الإعلامية والمراسلين الصحفيين .

7.    كما منع الصليبيون الصهاينة، وعملاءهم من خونة الوطن والأمة، طواقم الإغاثة العربية والإنسانية كافة، من الوصول إلى غزّة المنكوبة، ومارسوا ضد الأطقم الطبية، وقوافل الإغاثة الشعبية والإسلامية ، كل أشكال القمع والإرهاب والإذلال.

8. ولقد دكت طائراتهم الجبانة كل شواخص العمران في غزة المجاهدة، فلم يفرّقوا بين مسكن ومسجد ومستشفى، في الوقت الذي كانوا يفرّون أمام المجاهدين كالأرانب . . . ! !

9. كما دمروا كل وسائل الحياة الضرورية فيها، من ماء وكهرباء وصرف صحي، فمن لم يمت بصواريخهم الجبانة من المدنيين، مات جوعاً وعطشاً، أو قتلته !الأمراض . . . ! !

8- وأما قضية سحق الجرحى بالدبابات، والإجهاز عليهم في المساجد، أو دفنهم أحياء تحت ركام منازلهم، وإلقاء جثث القتلى في العراء أو تركهم تنهش منهم القطط والكلاب، فهذه مشاهد رأى العالم بعضاً منها على شاشات الفضائيات ! . . . ! !

9- ثم توجوا كل جرائمهم الخسيسة تلك، باستخدامهم الأسلحة ذات التدمير الشامل، والمحرّمة دولياً، مثل غازات الأعصاب، والكيماوي، والعنقودي، والفوسفوري، والتي لم يكن لها أي مسوّغ عسكري على الإطلاق، غير الجبن والحقد والخسة !والانحطاط . . . ! !

سابعاً : فضح العملاء والحاقدين وخونة الوطن والأمة..

لم يكن الخونة والعملاء  يقلون حقداً على الوطن عموماً، وغزة على وجه الخصوص، من الصهاينة والصليبيين، بل ربما كان حقدهم أكبر، وضررهم أخطر ..

ولعل من أهم ما لفت أنظارنا، ورصدناه من أحقادهم، هو

1- غلق المعابر  .

2- الإرشاد إلى بيوت القادة والمجاهدين .  

3- الإرجاف والتثبيط والتخذيل ونشر مقالة السوء في الأمة ...

ثامناً : عودة تركيا إلى أحضان الأمة بعد أن غابت عنها لعقود ، ولقد أثبتت  القيادات التركية المسلمة في هذه الملحمة الخالدة أنها لا تزال تنتمي إلى روح هذه الأمة وضميرها ، بالرغم من كل محاولات المتصهينين فيها للتغريب والعلمنة والارتماء في أحضان الماسونية والأتاتوركية الكافرة ...

تاسعاً : انهيار سمعة الكيان الصهيوني في العالم ...

لقد دأبت الماكنة الإعلامية الصهيونية منذ تأسيسها على إظهار الكيان الصهيوني بمظهر المظلوم ، الذي تعرض للمحرقة على يدي هتلر ، والذي يتعرّض للإرهاب العربي والإسلامي ... ولكنّ هذه الصورة انقلبت في مذبحة غزّة فظهروا للعالم أجمع بوجههم الدموي القبيح ، مما حدا بمئات الهيئات والمنظمات الحقوقية العربية والعالمية لرفع دعاوى ضدهم ومقاضات قادتهم كمجرمي حرب وقتلة وسفاحين ومبيدي الجنس البشري ، وهو تحول هائل يعكس بدء انهيار كيانهم المسخ إن شاء الله .

ولقد حذر وزير القضاء الصهيوني السابق من تحويل مئات الملايين من مشاهدي المجازر إلى متطرفين مناصرين لحماس.

ولقد أعدّت صحيفة هآرتس" العبرية تقريراً شاملاً حول نتائج الحرب على غزة، وعنونت التقرير بأن الحرب سببت للدولة العبرية أضراراً كبيرة للغاية في الرأي العام العالمي وفي صفوف الدبلوماسيين العاملين في تل أبيب.

وكشفت الصحيفة النقاب عن أنّه في بداية الحرب على غزة أصدرت وزارة الخارجية أمراً إلى جميع السفراء والقناصل الإسرائيليين في جميع أرجاء العالم بكتابة التقارير حول الحرب وتزويدها للخارجية في القدس الغربية، وبعد انتهاء العدوان وصل سيل من التقارير الإسرائيلية من جميع أنحاء العالم والتي أكد معدوها أنّ صورة الدولة العبرية في العالم أصيبت بشدة وشوهت للغاية، وأنّ الصحافة الأجنبية تقوم بنشر تقارير معادية لإسرائيل، وخصوصاً عن قيام الجيش الإسرائيلي بقتل المدنيين الفلسطينيين في غزة.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى في الخارجية الإسرائيلية قوله إنّك تقرأ التقارير وتصيبك حالة من الذهول"

بل تجاوز الأمر حد المظاهرات إلى خطوات أكبر تسعى لها الآن منظمات حقوق الإنسان الدولية مع مكتب حقوق الإنسان الدولية لإعداد لائحة اتهامات بجرائم حرب ضد سياسيين وعسكريين صهاينة تقدم لمحكمة الجنايات الدولية

وكانت تسعون منظمة أغلبها فرنسية قد قررت رفع دعوى لمحكمة الجزاء الدولية في لاهاي ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين في غزة.

ومما يدل على أثر هذا العمل أن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك قد أمر بتشكيل فريق من خبراء الاستخبارات والقانون لجمع الأدلة فيما يتعلق بالعمليات العسكرية التي يشنها جيش الاحتلال على قطاع غزة بحيث يتم استخدامها للدفاع عن القادة العسكريين في أية مقاضاة محتملة في المستقبل.

عاشراً : دور الإعلام ...

 في ختام هذه الرسالة لا بد لنا من وقفة عند أهمية الإعلام في معركتنا التحريرية هذه، فدور الإعلام يكاد يوازي أهمية الرشاشة والمدفع، إن لم تكن تزيد ولقد أكدنا، ولا نزال، بأن الحقائق البطولية المذهلة التي يصنعها عمالقة الجهاد في الأمة على أرض الرافدين المجاهدة وغزّة الصابرة ، لو أتيح للعالم أن يراها كما هي، لغيرت خارطة العالم، ولعدّلت مسار التاريخ . . . ! !

ولكن الأعداء انتبهوا لهذه الحقيقة من دون الأصدقاء، فاحتكروا الإعلام، وصادروا الحقيقة  ، ولذلك فلم يكن ممكناً أن يظهر للعالم غير ما يريده الأعداء أن يظهر، وهو بكل تأكيد الذي يخدم أهدافهم ، ويلمّع صورتهم.. ويجب أن نثمن عالياً دور بعض المنابر الإعلامية كالأقصى والجزيرة ومفكرة الإسلام و المختصر وغيرها من المواقع الشريفة التي كان لها دور تعبوي رائع في فضح الأعداء بالصوت والصورة ، وإلهاب مشاعر الأمة وشرفاء العالم ، ولذلك فإنني أهيب بأهل الاختصاص والإمكانات في الأمة، أن يبادروا لتشكيل فضائيات (مجاهدة)، تأخذ على عاتقها نشر ثقافة الجهاد في الأمة، على أن تكون في أحصن المواقع التي تستطيع من خلاله أن تقول كلمتها، وتنشر منهجها، دون أن تأخذها في الحق لومة لائم، أو مؤامرة متآمر . .

ونعتقد أن هذا الأمر هو أهم فرض من فروض هذا العصر على الإطلاق، ونعتقد أيضاً بأن وزره سيبقى معلقاً في عنق مستطيعيه إلى أن يخرج إلى الوجود . .

وبعد ... فلقد انتصرت غزّة ، وانتصرت جميع فصائل المقاومة فيها ، وانتصر شعبها المجاهد الصابر بجميع طبقاته وفئاته ، واندحرت آلة البطش والعدوان الصهيونية الغادرة فيها وإلى الأبد إن شاء الله ...

وتحقق وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم : (( اليوم نغزوهم .. ولا يغزوننا )) ...

ولكنّ المنازلة لم تنته ، وإن طويت الصفحة العسكرية فيها ...

بل عاد المجاهدون في غزّة من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ...!!!

جهاد المنافقين والمرجفين والانتهازيين ...!!!

وجهاد الوحدة والإعمار والتربية والإعداد والاستعداد ...وسينتصرون بإذن الله في جهادهم الأكبر ... كما انتصروا في جهادهم الأصغر  (( ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ، ونجعلهم أئمة ، ونجعلهم الوارثين ))  صدق الله العظيم ..