المستفزون كثيراً؟!
المستفزون كثيراً؟!
صلاح حميدة
كيف يستفز الإنسان؟ ولماذا يستفز؟ وكيف يعبر عن شعوره بالاستفزاز كلاماً أو تصرفات؟ أسئلة كثيرة عن هذا السلوك، الذي لا يستطيع الإنسان أن يضبطه في كثير من الأحيان. يقال أن أكثر الناس قدرة على أن يضبطوا مشاعرهم، وألا يستفزوا، هم السياسيون ورجال المخابرات، فضلاً عن كل بليد من بني البشر.
يعبر الانسان عن شعوره بالاستفزاز كلاماً أو فعلاً، بعد شعوره بالإحباط الشديد، نتيجة فشل مشروعات ومخططات بذل من أجل نجاحها مجهودات وتجهيزات وأموال كثيرة، وكل ذلك بهدف تحقيق أهداف يتمنى تحقيقها، وعندما تفشل هذه المخططات لأسباب ذاتية أو موضوعية، يخرج المخططون عن طورهم، ويتمثل ذلك بالكلام والأفعال( السلوك الناتج عن الاستفزاز).
منذ فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية، مروراً بأحداث الصراع الداخلي والانقسام، والحصار، والاغتيالات لقياداتها وعناصرها، وهي تشكل عائقاً في طريق قوى دولية وإقليمية ومحلية كثيرة، تعتبر أن وجود حماس يمثل وجوداً في زمان ليس بزمانها، وكان خروج هذه الحركة بعد كل ملمة أقوى من ذي قبل، يزيد استفزاز هذه الأطراف وعملها على التخطيط لحفر حفرة أكبر لهذه الحركة، مصداقاً لقوله تعالى :( ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله).
لم أستغرب كثيراً التصريحات الحادة التي أطلقها المفوض الاوروبي لوي ميشيل ضد حركة حماس، وقد كنت أتوقع منه أكثر من ذلك، مع أن تصريحاته كانت الأكثر حدة من مسؤول أوروبي تجاه حماس بعد الحرب على غزة، إلا أنها تعبر عن إحباط شديد من هؤلاء لفشل الحرب على غزة من تحقيق أهدافها، حيث عجز الجيش الاسرائيلي عن تحقيق الأهداف المؤملة، بالرغم من استخدامه لهذا الكم الهائل من القوة والجرائم.
الاستفزاز الإسرائيلي من الصمود الفلسطيني وجد تعبيره بالقتل والتدمير الذي فاق توقعات الكثير من المراقبين، فقد بدأت تقاسيم وجوه قادة الكيان الصهيوني تتغير بعد اليوم الخامس من الحرب، وبدأوا بارتكاب مجازر مروعة وقصف وكالة الغوث والمستشفيات وغيرها، بسلوك جنوني عشوائي، يعبر عن مدى الاستفزاز من صمود المقاومة، وانتهاءً بإعلان وقف نار من جانب واحد، وإعلان انتصار سينمائي من طرف واحد، لا يظهر فيه أي مقاتل عدو يحمل راية بيضاء خارجاً من بين الركام بملابسه الداخلية، وهذا المشهد الذي لم يحصل جعل كل هذه الأطراف يجن جنونها.
عبر الصهاينة العرب عن استفزازهم بعدة طرق، على المستوى الدبلوماسي، عملوا على إحباط أي إنجاز سياسي لصمود المقاومة من خلال ما تم في قمتي قطر والكويت، وعبر رئيس إحدى الدول العربية عن استفزازه الشديد، حيث لم يطق المكوث في الكويت طويلاً وقفل عائداً إلى بلده، فيما ضاق صدر وزير خارجية بلد عربي آخر ولم يستطع البقاء في قاعة الاجتماعات لصياغة البيان الختامي.
على المستوى الإعلامي كان الاستفزاز كبيراً، فقد شن الإعلام المتصهين هجوما شرساً على المقاومة الفلسطينية، بتعبير واضح عن شدة الاستفزاز من هزيمة معبودتهم إسرائيل، التي صورها هذا الإعلام بأنها تتبختر في شوارع غزة، و بدأ هؤلاء يطلقون الاتهامات ضد حماس والمقاومة، و اتهموا الشهداء بأنهم عملاء، واتهم القادة والعناصر بشتى الاتهامات، وغير ذلك الكثير، الذي عبر عن فقدان هؤلاء لصوابهم نتيجة نصر المقاومة. فيما تسابق هذا الإعلام المستفز جداً، مع الإعلام الغربي المستفز أكثر منه، في ترويج الاتهامات المفبركة لحماس، بأنها شكلت لجنة تحقيق في (أسباب هزيمتها العسكرية)؟ ثم القول أن سبب صمود المقاتلين في غزة يعود لقتال الحرس الثوري الإيراني معهم؟، أو لأن حزب الله كان يقاتل معهم؟ وهذا يعبر عن مدى استفزاز هؤلاء وتخبطهم، فمرة حماس هزمت، ومرة انتصرت، ولكن بسبب محاربة حزب الله والحرس الثوري الإيراني معها؟!.
على الصعيد الأمني عبرت القوى الاستخباراتية الدولية والإقليمية عن استفزازها الكبير من صمود المقاومة، فقامت دول بإرسال خبراء إلى سيناء كألمانيا وأمريكا، وفرنسا ترسل فرقاطة مروحيات وتجسس إلى شواطىء غزة، وأرسل النظام المصري قوات كبيرة من جيشه للتدرب في كاليفورنيا على محاربة الأنفاق، وقام بعمليات بحث جنونية عن الأنفاق، حتى وصل به الأمر إلى الاشتراط على وفد حماس في القاهرة أن تعلمه حماس بنوعية الأسلحة التي تدخل إليها عبر المهربين(حسب ما قال مكرم يونس) على قناة القدس، معتبراً أن هذا من حق مصر؟! فهذه السذاجة والوقاحة في الطلب تعبر عن مدى الاستفزاز والشعور بالإحباط و العجز أمام المقاومة. لم ينس نظام إقليمي آخر، طبعاً أن يرسل طاقماً كبيراً من جهاز مخابراته ضمن مستشفى ميداني إلى القطاع، في استفزاز واضح وشعور بالإحباط من عدم قدرة الموجودين على أخذ المعلومات المطلوبة لقطع رأس حماس، وقد سبق له عمل ذلك في الفلوجة العراقية.
الشعور بالاستفزاز تجاوز كل هذه الأطراف الرسمية، إلى بعض الأشخاص المعارضين لحماس والمؤيدين لخصومها؛ فقد تصادف وجودي في بيت عزاء، وبقربي ثلاثة أشخاص، وكان أحدهم مستفزاً بشكل كبير، وتحدث لأكثر من ساعة من الوقت، مجهداً نفسه وهو يحاول إقناع رفيقيه أن حماس انهزمت ولم تنتصر، بعد ذلك سمعت الأول يقول له:( أنت تتحدث منذ ساعة لتقنعنا أن حماس هزمت وأن إسرائيل انتصرت! لو انتصرت إسرائيل حقاً لما لزمك كل هذا الجهد والوقت لتقنعنا بهذا النصر، فالواقع يتحدث عن نفسه)، أما الثاني فقال له:( لو أن حماس انهزمت، لرأيناهم يخرجون مستسلمين بملابسهم الداخلية، وهذا لم يحدث).
بعد الخروج من العزاء، قررت كتابة هذا المقال عن المستفزين كثيراً من الصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية، خصوصاً أن من يتابع أقوالهم وقسمات وجوههم يعتقد أنهم يقيمون سرادقات عزاء، بتناقض واضح مع الأيام الأولى للحرب التي كان يتوقع البعض انتصار الصهاينة على المقاومة فيها،أو كما كانوا يتمنون ويعلنون ذلك صراحة!!.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.