الإعلام هو رأس الحربة سلماً وحرباً

الإعلام هو رأس الحربة سلماً وحرباً

فيصل الشيخ محمد

سوقت الصهيونية لأكثر من ستين عاماً المسألة اليهودية عبر إعلامها في الغرب ونجحت أيما نجاح، وتمكنت بما تملكه من وسائل إعلامية وأموال من إعطاء صورة للكيان الصهيوني المضطهد الذي يعيش في جزيرة صغيرة في داخل بحر لجيّ من العرب المتوحشين والمتخلفين والإرهابيين، الذين يريدون الشر بكيانهم المتحضر والذي يشكل واحة من الحرية والديمقراطية، وسط غابة عربية مليئة بالوحوش المفترسة الذين يأكلون بعضهم بعضاً ويشكلون خطراً على واحتهم الخضراء المسالمة التي تنشد الأمن والسلام.. فكلنا نذكر الإعلام الثوري التقدمي الذي كان يتغنى بالقضاء على الكيان الصهيوني وإطعام اليهود لسمك البحر المتوسط والأحمر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، إلى أن حلت الهزيمة الشنيعة في الخامس من حزيران 1967، عندما لم تتمكن الجيوش الثورية التقدمية من الصمود بوجه العدو الصهيوني أكثر من ست ساعات، لتبدل هذه الأنظمة بوصلة سقف (بعبعتها) العنترية باتجاه (بعبعة) منكسرة من لون جديد نحو (الخيار الاستراتيجي للسلام مع إسرائيل)، طاوين صفحة ما استولت عليه إسرائيل من الأراضي العربية في حرب حزيران 1967، وما شردت من أهلها.

واليوم وبعد أكثر من أربعين سنة من الهزيمة الحزيرانية، تمكنت فئة مؤمنة صادقة بلحم جسدها وبعض الأسلحة الفردية، من الصمود في وجه الجيش الصهيوني الذي لا يقهر بكل آلة حربه الفتاكة والمدمرة والمتطورة والمحرمة لاثنين وعشرين يوماً، ليضطر أمام هذا الصمود الأسطوري من وقف العدوان والانسحاب من غزة هاشم بوقت قياسي غير مسبوق، لم يعهده العرب منه خلال كل الحروب السابقة، فهناك لا تزال مرتفعات الجولان المحتلة منذ ما يزيد على أربعين سنة يرفض الانسحاب منها رغم صدور عدد من قرارات مجلس الأمن تطلب منه الانسحاب منها.

ورافق الحملة البربرية الصهيونية على غزة إعلام عربي على مستوى الحدث، تمثل في محطة الجزيرة الفضائية بكل قنواتها، التي كانت رأس حربة في وجه هذا العدوان الصهيوني، وكان مراسلوها جنود فدائيون يعيشون الخطر بكل أبعاده، والموت يحلق فوقهم يهددهم في كل لحظة من ساعات أيام هذا العدوان الهمجي، لينقلوا الخبر لحظة بلحظة عما يرتكبه الصهاينة على ساحة غزة من شنائع وفظائع وجرائم ضد الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير ممنهج لكل حجر وشجر بالصوت والصورة، يصحبها التعليق والتحليل من أصحاب الاختصاص على مدار الساعة... وكان لهذا الموقف الذي لا يقل شجاعة عن الوقفة البطولية للمقاومة الفلسطينية التي سطرت ملحمة أسطورية ما عهدها العالم في العصر الحديث بشهادة الجميع، يستحق منا كل الشكر والتقدير والإكبار والإعجاب، وقد حشرت العدو الصهيوني في زاوية قاتلة، وأسقطت كل المكاسب التي حققها في ضمير وعقل الغرب على مدى ستين عاماً أنفق عليها الجهد والمال، لنشهد الغرب بكل أطيافة الحزبية والنقابية ومنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني يهب هبة رجل واحد، منددين بما يقوم به جيش العدوان الصهيوني الوحشي مطالبين بإحالة قادة الكيان الصهيوني إلى محاكم جرائم الحرب ضد الإنسانية.

واليوم تنقل لنا وسائل الإعلام أن عضو مجلس الشورى المصري حسام أبو طالب، يتقدم بشكوى لمعاقبة قناة الجزيرة باعتبارها صوتاً معادياً..نعم لقد كانت الجزيرة بكل قنواتها وإعلامييها معادية للصهاينة والمتصهينيين، فقد حركت  - وبكفاءة عالية ومهنية فريدة – المجتمع العربي والعالمي، ليقف على الوقائع بالصوت والصورة والتحليل والرأي على كل ما جرى في غزة، ولأول مرة تعاطف العالم والغربي منه خاصة مع القضية الفلسطينية وشعب غزة والمقاومة الفلسطينية البطلة.

كان الأجدر بعضو مجلس الشورى المصري حسام أبو طالب أن يقرأ جيداً نبض الشارع المصري ونبض شعوب العالم كله التي وقفت إلى جانب غزة وشعب غزة، بفضل قنوات فضائية الجزيرة، التي كان يتلقف عنها إعلام العالم ما كانت تبثه من صور ولقاءات وتحليل وأخبار مباشرة وعلى مدار الساعة عبر مراسليها ومذيعيها، ومعدي برامجها الذين لم يغمض لهم جفن طيلة هذا العدوان الصهيوني الغاشم.

وكان الأجدر بحسام أبو طالب أن يطالب بان يقام لمحطة الجزيرة تمثال من ذهب، وأن يمنح موظفوها أرقى الأوسمة وأعلى النياشين، تقديراً لما قدموه وما قاموا به، وقد كانت الجزيرة بحق رأس الحربة لصمود غزة الأسطوري، وشجاعة أبنائها الغر الميامين.