معركة الفرقان .. وصمود المقاومة

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

أوقف العدو النازي اليهودي إطلاق النار من جانب واحد بعد ثلاثة أسابيع من المذابح التي أجراها في غزة للأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين ، والدمار الذي أحدثه في البيوت والمدارس والجامعة الإسلامية ومباني الأمم المتحدة لوكالة غوث اللاجئين وتشغيلهم ؛ مستخدما الأسلحة التقليدية والمحرمة ، ضد شعب صغير لا يملك طائرات ولا دبابات ولا مدفعية ، ولا جيشا منظما ، سمى الغزاة النازيون اليهود حربهم الإجرامية المجنونة باسم " الرصاص المصهور " ، واحتشدوا حكومة ومعارضة من وراء هذه الحرب مؤيدين لها ومباركين ، واتفق الطرفان على ضرورة استئصال "حماس "  والقضاء على المقاومة تماما ، وإعادة رجلهم في رام الله وتلميذه دحلان إلى غزة على صهوة دباباتهم ومدرعاتهم ، وتصفية القضية الفلسطينية ، واستباحة العالم العربي بعدئذ سياسيا واقتصاديا وتجاريا وزراعيا وثقافيا ، وإخضاع حكوماته لإرادتهم وهيمنتهم .

تواطأت مع العدو أطراف عربية وفلسطينية ظنت أن نتائج عملية الرصاص المصهور مضمونة مائة في المائة ، وأن "وجع الدماغ" سينتهي إلى الأبد ، وأن هذه الأطراف ستنعم بالهدوء والاستقرار إلى ما شاء الله .

كان الاعتقاد لدى الغزاة وأعوانهم أن "حماس" لن تأخذ "غلوة " أمام الجيش النازي اليهودي ، وأن أقصى فترة للمعركة لن تستغرق يومين أو ثلاثة ، يعلن بعدها قادة حماس والفصائل الاستسلام التام .. ولكن الأيام مرت واحدا وراء الآخر ، ومع تصاعد عدد الشهداء من الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين ؛ فإن المقاومة لم تتوقف ، وظل الدفاع عن غزة باسلا ونبيلا ورائعا ، ومع صرخات الأطفال وصيحات النساء وحفلات الترويع المستمرة التي تقوم بها طائرات اف 16 ، والأباتشي لشعب غزة ، فقد كان إصرار المقاومين على الصمود والمواجهة ، وإطلاق الصواريخ التي كان يسخر منها أبومازن ويسميها العبثية ، فإن المعركة لم تحسم ، والرصاص المصهور لم يتجمد ، وصمد المقاومون الرائعون ثلاثة وعشرين يوما أعلنوا بعدها " انتصارهم " الذي لم يعجب "المارينز العرب " الذين نالوا من "حماس " ، ونالوا من الإسلام أكثر مما نالوا من العدو .. بل إنهم لم ينالوا من العدو أصلا من العدو ، ولا أسياده في واشنطن !

كان التأييد الإجرامي للعصابات النازية اليهودية في فلسطين المحتلة قويا ؛ على مستوى الأفراد والأحزاب ، وارتفعت شعبية الائتلاف الحاكم مما أوحي بفوزه في الانتخابات القادمة ، ولكن استمرار المقاومة جعلهم  يرتبكون ، وبدأت صحف العدو تتحدث عن الأخطاء والخطايا ، وراحوا يقارنون بين ما جرى في جنوب لبنان وجنوب فلسطين .. وعرف السادة اليهود النازيون طريقهم إلى الحديث عن عدم تحقيق " أهداف الحرب " التي كانوا يحلمون بها !

قال موشيه يعلون رئيس ألأركان السابق ، وقائد حرب جنوب لبنان في يولية 2006م " كل ما فعلناه أن الجيش بقي يراوح مكانه في غزة ".

وقال بنيامين نتينياهو ، رئيس حزب الليكود المعارض والطامح إلى رئاسة الحكومة النازية اليهودية : " إن الحرب لم تحقق أهدافها ، ويجب أن تستمر في القتال " .

ووصفت المعارضة النازية اليهودية وقف إطلاق النار بأنه خطوة متسرعة ، وقالت استطلاعات الرأي إن الشارع النازي اليهودي ليس راضيا عن وقف الحرب ، وأن 90 % من أفراده كانوا يدعمون الحكومة في أول الحرب ، ولكن الذين ظلوا على تأييدها بعد وقف الحرب لم يتجاوزوا 40 %  .

وقال المراقبون في الكيان النازي اليهودي إن الحرب فشلت في استعادة الجندي الأسير جلعاد شاليط ، وأن الأسرى الجدد تم قتلهم بطيران الجيش النازي اليهود ، وكانوا يسخرون من الحديث عن الأسرى اليهود الذين قتلوا بنيران صديقة !

ومع أن ايهود أولمرت رئيس الحكومة اليهودية النازية المنصرف ، زعم أن الحرب أضعفت "حماس " وخففت قبضتها على غزة ،فقد كان ينتظر مصادقة المقاومة على وقف إطلاق النار ، وجاءته النجدة حين أعلنت " حماس " باسم الفصائل أن وقف إطلاق النار مرهون بانسحاب القوات المعتدية ، ورفع الحصار وفتح المعابر ،وانها تمهله أسبوعا لسحب قواته المجرمة ، وأكدت له أن قوتها الصاروخية لم تتأثر بالحرب ..

وقد أعلنت كتائب القسام في مؤتمرها الصحفي صباح الاثنين 19/1/2009م نتائج صمودها وتوفيق الله لها في إيلام العدو ، وتلقينه درسا لن ينساه ، يجعله يفكر مستقبلا عندما يقدم على جريمة أخرى مثل هذه الجريمة. أعلنت القسام عن تكبيد العدو أكثر من ثمانين قتيلا فقدها في الحرب على يد المقاومة ، غير الجرحي ..

لم تزعم كتائب القسام أنها فعلت ما لم يفعله أحد ، ولكنها تحدثت عن بطولات استشهادية ، وعن إيمان راسخ في نصرة الله ، لأنها تتحرك وفق يقين لا يتزعزع بحق شعبها في أرضه ومقدساته .. وبقيت في الميدان تصدّ وتردّوتقاتل قتال الأبطال الشرفاء ، حتى أوقف العدو مضطرا القتال من جانبه ، بعد أن رفض قرار مجلس الأمن والمبادرة المصرية ، ونداءات سكرتير الأمم المتحدة والجمعية العامة للأمم المتحدة ، وبعض قادة العالم .

موقف المقاومة الباسلة أنجح قمم الدوحة والرياض وشرم الشيخ والكويت ، حيث فرض صمودها نفسه على من خذلوها وأيدوها .. ويكفي أن اللهجات تغيرت ، والخطابات عادت تذكر المقاومة ، وتتحدث عن حق الشعب الفلسطيني في المقاومة ، ومبادرة السلام التي ماتت ، أو التي لن تبقى طويلا على المائدة .

كشفت المقاومة عن حقد المارينز العرب وخيانتهم لله وللإسلام والمسلمين . لقد هاجموا "حماس " والفصائل بلا هوادة ،واستخدموا الأكاذيب والمغالطات وتحميل مسئولية الحرب لحماس ، ودعموا المدعو دحلان ، وتباكوا على ما تجره المقاومة من ويلات على الشعب الفلسطيني ، ورددوا ما يقوله ساكن رام الله الذي لايخرج منها إلا بتصريح نازي يهودي عن عبثية الصواريخ ،وعدم مراعاة مصلحة الشعب الفلسطيني ... وكأن الغزاة النازيين اليهود توقفوا يوما عن ذبح الشعب الفلسطيني ومطاردته ومحاصرته .. قبل 1948م لم تكن هناك حماس ولافتح ولا الشعبية ولاالديمقراطية ولا الألوية ولا صلاح الدين ولا...وكان الغزاة النازيون اليهود يذبحون العرب الفلسطينيين ذبح الدجاج ، هل تذكرون مذابح دير ياسين وقبية وكفرقاسم وغيرها .

اليهود الغزاة لم يحتاجوا في يوم إلى ذريعة لشن الحرب أو إطلاق المذابح ضد العرب وشعب فلسسطين. حاربوا في لبنان وسورية والأردن ومصر ، وذهبوا إلى تونس وأوغندة ، والعواصم الغربية وأميركا لاغتيال قادة المقاومة في السبعينيات وما بعدها . وبرعوا في اغتيال العلماء المصريين وتفجير دور السينما . تاريخهم دموي لايمكن الدفاع عنه . ولكنهم بفضل الله فشلوا في غزة ، ولم يستطيعوا بالحصار والحرمان والتواطؤ أن يتمكنوا من شعبها..

لقد كانت معركة الفرقان فاتحة خير ، ليتأكد الزعماء العرب أن خلافاتهم لامحل لها ولا مسوغ ، وأن صمود المقاومة يمنحهم القدرة على التلاقي والتصافي ووقف الحملات البذيئة المتبادلة ، والاستغناء عن النائحات المستأجرات ،والرداحات الفاجرات في الصحافة والإعلام .

كان صوت الإسلام هو المهيمن في معركة الفرقان ، وكان إسماعيل هنية - الذي يسخر منه الخونة بسبب تدينه وإمامته للناس في الصلاة – ينطلق من خطاب إسلامي صريح يوقن بالنصر أو الشهادة . واستطاعت حماس أن ترد لهذا الخطاب " اعتباره " في لغة مؤتمرات القمة التي انعقدت مع نهايات الحرب .

هزيمة جيش العدو النازي اليهودي ، أو إخفاقه في عدم تحقيق أهدافه يعد أكبر هزيمة للمارينز العرب والولايات المتحدة وقادة أوربة المنافقين ، وأكبر انتصار لأصحاب الضمير الحر في العالم الذين انتفضوا في كل مكان رافضين للوحشية النازية اليهودية ،وفاضحين لأساليبها الدنيئة !

إن الإيمان القوي بالله كان ن وراء صمود المقاومة الإسلامية التي دافعت في ظل أصعب الظروف وأضعف الإمكانات، واستطاعت أن تضع نصف كيان العدو النازي اليهودي الغاصب في مرمى صواريخها ، وأن تجعله يخسر ثلاثة مليارات دولار فترة الحرب مقابل مليار ونصف مليار خسرها شعب غزة .

لقد آن الأوان أن يتكلم العرب لغة المقاومة ، وأن يردوا على العدو باللغة التي يفهمها ، وأن يدفنوا حكاية السلام المزعوم إلى الأبد !