كيف طوع "الفتحاويون" حساسية النظام المصري
كيف طوع "الفتحاويون" حساسية النظام المصري
نحو الإخوان لضرب "حماس"؟!
انتهى الدرس يا حكام .. خطف مصر بعد 73 وصياغتها على مقاس "إسرائيل" .. أبواق مصر الإعلامية أفقدتها الهيبة والاحترام ..
المصريون : بتاريخ 18 - 1 - 2009
وجود النظام المصري الحالي رهين برضا إسرائيل
نبدأ جولتنا اليوم في صحف القاهرة الصادرة أمس من صحيفة صوت الأمة ، وبقلم رئيس تحريرها عبد الحليم قنديل ، نقرأ : رأس النظام المصري برأس أمير قطر ، ورأس النظام السوري برأس الملك عبد الله خادم العدوين أمريكا وإسرائيل ، قد تبدو الخلافات في الظاهر ، لكنها ليست أكثر من خداع بصر ، وقممهم ألعاب مسرح ، وليست أفعال سياسية ، وجامع تهم "العربية" قبر من رخام ، وانفصالهم عن الشعور الشعبي مؤكد ، فكيف يحس بآلام أو آمال أو مصالح شعبه ذلك الذي جاء بالغصب أو بالوراثة ؟ فالوطن عنده هو قصر الحكم ، والأمة عنده شيك في البنك ، وبقاء هؤلاء مرهون من قبل ومن بعد ـ برضا أمريكا وإسرائيل .. ولا يعقل أن يقدم أمير قطر على إزالة القاعدة العسكرية الأمريكية ، فهو يعرف أن غضب أمريكا يعني خلع نظامه ، ولا يعقل ـ مثلا ـ أن النظام المصري يقدر على قطع علاقاته مع إسرائيل أو وقف تصدير الغاز والبترول لإسرائيل .. أو على طلب استعادة سيادة مصر على سيناء منزوعة السلاح ، أو حتى الفتح الدائم لمعبر رفح ، ورأس النظام يقول دائما "ما قدرش" فهو يعرف أن خروج إسرائيل من مصر يعني خروجه من مصر ، فوجود النظام المصري الحالي رهين برضا إسرائيل ، ومن ورائها رضا أمريكا ، وكل قراراته في السياسة والاقتصاد خاضعة بالجملة ، وتحوله إلى نظام حكم عائلي ، كان رهينا برضا أمريكا ، والأسهل له أن يخون الناس ، لا أن يخون أمريكا ، التي ترعاه وتراقبه في آناء الليل وأطراف النهار ، فهذا نظام أمه أمريكا وإسرائيل أخته الكبرى ، وعدوه هو الشعب المصري ، تماما كعداوة الحكام العرب للشعب العربي .. نعم ، هؤلاء الحكام ليسوا قادتنا ، بل هم عارنا ، ليسوا منا ولسنا منهم ، وقد اتخذونا عدوا فلنتخذهم عدوا ، وكلهم مجرد خدم للعدو الأمريكي الإسرائيلي ، وقادتنا الحقيقيون هم مقاومونا وشهداؤنا ، قادنا هم الذين يواجهون بالصدور العارية ـ وما تيسر من سلاح ـ نار إسرائيل ومحارقها النازية ، قادتنا هم النساء والأطفال الذي يموتون شهودا علينا ، قادتنا هم المحاصرون كما حوصر المسلمون الأوائل من قبل كفار قريش ، قادتنا هم حملة الدم الشهيد الذي يضيئ ظلامنا الطويل ، قادتنا هم الذين يعلموننا قيمة الإنسان العظمى ، قيمة الإنسان الذي لا ترهبه قوة مهما بلغ جبروتها ، وغزة الصغيرة الباسلة تواجه أعتى آلة حرب ، فما بالنا لا نتعلم ، وما بالنا لا ندرك أن الدرس انتهى ، وأن الأقلام جفت ، وأن الصحف طويت ، وأن مواجهة حكام الخيبة أقل كلفة ، فنحن لا نريد من هؤلاء الحكام أن يغيروا سياساتهم ، ولسبب بسيط ، هو أنهم لن يفعلوها ، نحن نريد لهم أن يذهبوا .. نريد إلغاء وجودهم من الأصل .. فوجودهم ظالم مغتصب بلا سند ، ولا شرع في الدين ولا في الدنيا ، وليس من حل إلا أن يذهبوا إلى الجحيم ، أو أن نظل أسرى لعذابهم وعارهم في الدنيا ، ولعذاب الله يوم لا ظل إلا ظله .
كلمة = قمة
لكن يبدو أن هذا الهجوم على النظام ورأسه ، لا يرضي عبد الله كمال بصحيفة روزاليوسف لأنه يراه نظاما حكيما ورأسه "رأس الحكمة" ، حيث يقول : بكل كبرياء الدولة المحورية والقوة الإقليمية المترفعة عن صغار السياسة وصغائر الألعاب ، خرج الرئيس مبارك بالأمس إلى شعبه ، إلى مصر ، في كلمة تساوي قمة .. واضعا النقاط على الحروب ، بدلا من أن يصب زيتا في نار الحروب ، وعري المزايدين ، وسجل الموقف الأهم والذي ينبيغ الاستماع إليه بعيدا عن الافتعالات التي لا تساوي شيئا سوى طنطة الكلمات .. مصر هي التي تمسكت بأن يصاحب السلام المصري الإسرائيلي اتفاق للحكم الذاتي الفلسطيني وصولا لإقامة الدولة المستقلة .. مصر هي التي كانت مع أبو عمار في نضاله من أجل شعبه وهي التي أخرجته من حصار لبنان .. ولم يتطرق الرئيس هنا إلى ما تعرض له أبو عمار ومن معه من بعض الأشقاء العرب وليس الإسرائيليين وحدهم .. وفي الجزء التالي من الخطاب يقارب الرئيس ما فعلت مصر بعد اندلاع العدوان ، فهي لم تكتف بالتحذير من وقوعه .. والعمل على عدم وقوعه ، كما أنها لم تكتف بالإدانة والشجب ، ولكنها مضت في اتجاه المواقف العملية المفيدة الهادفة إلى وقف العدوان وحقن الدماء .. (التحرك العملي هو الأكثر جدوى لوقف العدوان .. تحرك بعيدا عن الخطب الرنانة والشعارات الفارغة ، واجتماعات تكتفي ببيانات الإدانة والمزايدة وتبادل الاتهامات) .. والأهم (تحرك بعيدا عن اجتماعات تدفعها محاولات للعب الأدوار وبسط النفوذ وتؤدي لتعميق الخلافات العربية وتمعن في شق الصف العربي) .
الشعب العربي يخاف من خياله
ولإبراهيم عيسى رأي آخر في موقف وتصريحات الرئيس ، حيث نقرأ له في صحيفة الدستور : توقيت غريب مثير للاهتمام اختاره الرئيس مبارك لإلقاء بيانه أمس .. فالبيان يأتي قبيل ساعات من اجتماع الحكومة الإسرائيلية بغرض إصدار قرار بوقف إطلاق النار من طرف واحد، فإذا كان العالم كله يعرف أن إسرائيل ستصدر قرارها فما الجديد في أن يطالبها به مبارك قبيل ساعات، هل مثلا سعيا لعنوان آخر في الصحف القاهرية الحكومية يقول إن إسرائيل استجابت لمبارك؟!
ثم هذا البيان يأتي عقب توقيع إسرائيل مذكرة تفاهم أمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية يقضي بضبط تهريب السلاح إلي غزة وهو أمر يكفي كي يلعب مائة فأر في صدر كل مواطن مصري ومطلوب فتح ملفه فورا (لو كان لدي المصريين وقت لمثل هذه الأشياء المهمة بعيداً عن الهجوم الفج والمثير للشفقة ضد قناة تليفزيونية وكأن مصر القامة والتاريخ تصغر وتضع رأسها برأس محطة تليفزيون!!) فكيف تقدم أمريكا وعدا لإسرائيل بضبط حدودها مع مصر (الأرض والبحر) وإذا كانت التفسيرات الساذجة التي يرددها مسئولون مصريون تبدو وكأنهم من وقع الصدمة لم يفكروا جيدا في كلام ممسوك ومحترم يقولونه فادَّعوا أنها مذكرة تفاهم فنية بين إسرائيل وأمريكا وافرض أنها فنية فكيف سينفذون هذه الأمور الفنية علي الحدود المصرية؟! ومن سمح لها بالفني أو الأمني علي أرضنا؟! ثم إذا كانت مصر تتحدث عن دورها ومهمتها ومبادرتها فكيف تجاوزتها إسرائيل بكل هذه الصفاقة وذهبت لأمريكا لتنفيذ اتفاق علي الحدود المصرية (خرج الوزير الحقل أبو الغيط يقول إن مصر لا تلزمها المذكرة الأمريكية الإسرائيلية وكرر أنه لا يلزمنا أي اتفاق أمريكي إسرائيلي وهو شيء في منتهي اللطف، لكن أليس الأجدي أن ترفضها وعدم الاكتفاء بأنها لا تلزمنا فإذا كانت لا تلزمنا فكيف انعقدت وكيف نسكت عنها وكيف لا نندد باتفاقية بين دولتين عن شيء في أرضنا وكيف لا نفهم أنه تدخل سافر وسافل وكيف لا نسأل أنفسنا من الذي سمح لهاتين الدولتين بالتجرؤ والوقاحة إلي حد مناقشة حدود بلد ثالث في غيابها؟! لكن عموما يظل أنني لا أصدق أبوالغيط كثيرا وربما إطلاقا، لكن أحب جدَّّا أن أصدقه هذه المرة في أنها لا تلزمنا... !!) لكن، هل جاء بيان مبارك عقب مذكرة التفاهم المصرية الإسرائيلية رغبة من الرئيس في رفع الحرج عن مصر أنه لا دخل لها بإتمام هذه المذكرة؟! لكن الرئيس تجاهل رأيه فيها أم أن البيان محاولة لإبراء الذمة من تجاهل رهيب للمبادرة المصرية إلي حد أن الإسرائيليين يتحدثون عن ضمان أمريكي وليس عن وسيط مصري.
"أمن إسرائيل" .. قدس الأقداس
ومن صحيفة الكرامة نقرأ لمحمد سيف الدولة عن قدس الأقداس الإسرائيلي : أصبحت "إسرائيل" وأمنا هما الهدف والغاية الرئيسيين التي يجب على كل حلي في وطننا العربي أن يعمل من أجلها ويسبح بها ليل نهار .. ومن أجله خطفت مصر من عالمها العربي والإسلامي بعد حرب 1973 وأعيد صياغتها على كل الأصعدة على مقاس أمن "إسرائيل" .. فتم نزع سلاح سيناء وحرمت القوات المصرية المسلحة من الاقتراب من الحدود المصرية الفلسطينية ، واحتفظوا لإسرائيل بالتفوق العسكري على مصر ، وجعلوا لمعاهدتنا مع إسرائيل الأولوية على اتفاقية الدفاع العربي المشترك ، وحظر علينا الدخول في التزامات جديدة تتناقض مع المعاهدة المذكورة ، وحرمت مصر من التسلح النووي في وقت تملك فيه إسرائيل 400 رأس نووي ، وتم بيع القطاع العام لأنه نجح في دعم المجهود الحربي بعد حرب 67 ، ووقعت اتفاقيات الكويز والغاز وحرمت القوى الوطنية الرافضة لإسرائيل من ممارسة العمل السياسي ، ومن أجل أمن إسرائيل أغلق معبر رفح في وجه الشعب الفلسطيني ، ومنع التظاهر في الشاعر المصري ، واستجابت الحكومة المصرية للضغوط الأمريكية الوقحة بشأن الحدود والأنفاق .. باختصار لقد تم صياغة نظمنا السياسية والاقتصادية والثقافية ، وطرق معيشنا وحياتنا من أجل غرض واحد هو حماية إسرائيل من خطر مصر الذي ظهر في حرب 1973 ..
ولقد ظل كل هذا محجوبا عن العامة من الناس إلى أن فضحه العدوان الصهيوني الحالي على غزة ، فإذا بالشارع العربي يدرك مصدوما حقيقة ما ضاع من أمننا وكبريائنا الوطني والقومي لصالح إسرائيل وأمنها .. وهو إذ يعبر الآن عن غضبه بتلقائية وعفوية ، ولكن بعد أن تتوقف المعارك وينجلي ترابها وأيا كانت نتيجتها ستكون له حسابات أخرى مع ما أهدر من أمننا ومن من أهدروه ..
من يسيء إلى مصر ؟!
ويقول فهمي هويدي في صحيفة الدستور : أكبر إساءة إلى مصر تأتي من أبواقها الإعلامية ، التي تقزم البلد وتفقده الهيبة والاحترام ، بل تجعله يخسر قضاياه أمام الرأي العام داخل مصر وخارجها ، خذ مثلا تلك الحملة الإعلامية العبثية التي تشن هذه الأيام ضد قطر . لمجرد أنها كان لها موقف آخر في التعامل مع المجزرة الإسرائيلية في غزة ، وهو ما دعا الإعلام المصري الرسمي وشبه الرسمي إلى اعتبار الاختلاف جريمة ، وتصنيف قطر في مربع الأعداء والخصوم . على الأقل ذلك ما عبرت عنه الأبواق الإعلامية المختلفة ، التي لم تكف حتى اللحظة الراهنة عن الغمز واللمز في قناة قطر اللذين وصلا إلى حد التجريح في بعض الأحيان .. أصبحت المسارعة إلى الانفعال مع الحساسية المفرطة من سمات الخطاب الإعلامي المصري ، وصرنا بحاجة إلى أن نذكر القائمين على أبواقنا الإعلامية بأن أشقاءنا الذين يختلفون معنا "ليسوا أعداء لنا" وهي ملاحظة تشهد بالمدى الذي بلغه تدهور خطابنا الإعلامي .. فما يعبر عنه الإعلام الرسمي في مصر لا يكون في العادة تطوعا أو اجتهاد . ولكنه يعبر عن تعليمات سياسية تحدد الوجهة والدرجة والنوع ، وأحيانا تقترح الأسئلة على مقدمي البرامج الحوارية ، الأمر الذي يعني أن الانفعال والحساسية وتدهور مستوى الخطاب الإعلامي هي تعبير عن الموقف السياسي واستجابة للتعليمات ، ويعني أيضا أن النقد أو اللوم الحقيقي ينبغي أن يكون من نصيب السياسة وليس الإعلام .. موضوع الاختلاف مع قطر ما كان لمصر أن تتعامل معه بتلك الدرجة من الحساسية أو التصعيد غير المبرر ، ذلك أنه إذا كان جوهره هو مساندة شعب فلسطين في غزة وتعزيز صموده ، فهو مما لا يتوقع أحد أن يختلف عليه القادة العرب ، خصوصا "الشقيقة" الكبرى ، التي يؤمل دائما أن تكون أول من يبادر إليه .. لا أن تتحفظ على الجهد المبذول في صدده أيا كان مصدره .. وهو ما يدعونا إلى إعادة التفكير في إجابة السؤال التالي : من حقا الذي يسيء إلى مصر ويشوه صورتها ؟!
أصحاب الفخامة والسمو!
ونقرأ من صحيفة الوفد عن تحول الصراع بقلم محمد أمين : الصراع الآن عربي ـ عربي.. بعد أن كان عربياً ـ إسرائيلياً ـ وأصبح عندنا قمم مختلفة ومحاور معتدلة وأخري شريرة.. قمة بمن حضر.. وكل من حضر »عزّي« من أجل غزة.. كانت هذه القمة في الدوحة .. فظهرت القمة خليطاً من كل جنس.. وظهر »نجاد« الرئيس الإيراني لأول مرة في قمة يقال إنها عربية.. وظهر خالد مشعل علي مقعد فلسطين.. ولم يطلب أحد الحضور ولا حتي بشار الأسد تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك.. إذن هي قمة للتليفزيون وليست قمة كما ينبغي تحت مظلة الجامعة العربية.. لتكون لها قرارات فاعلة أو مؤثرة.. لأن الأطراف الموجودة لا تملك شيئاً.. لذلك قلت من قبل.. لا توجد قمة ليس فيها مصر.. ولا توجد قمة لا تريدها مصر!! فهل استعدت مصر لقمة الكويت.. وهل هي جاهزة لأي قرارات مثل تجميد العلاقات المصرية ـ الإسرائيلية، وطرد السفير.. وما رأيها في تعليق مبادرة السلام العربية؟
لم تفلح سلطة عباس في شيء سوى إقناع مصر بأن هدف "حماس" هو إقامة إمارة إسلامية في غزة ..
تخلي مصر عن دورها الإقليمي طوعا
ومن صحيفة المصري اليوم وبقلم عاطف حزين نقرأ : لأول مرة لا يستطيع زعيم عربى أو دولى المجاهرة باسم الضحية لأن المجرم القاتل نجح - قبل ارتكاب جريمته - فى إقناع العالم كله بأن حركة «حماس» هى حركة إرهابية .. أما سلطة أبومازن غير الشرعية فلم تفلح فى شىء على الإطلاق إلا إقناع مصر بأن هدف «حماس» ليس تحرير الأرض ولكن إقامة إمارة إسلامية فى غزة.
الشىء الوحيد الذى استثمر فيه «الفتحاويون» ذكاءهم كان ضد أبناء جلدتهم، حيث يعلم القاصى والدانى حساسية النظام المصرى من الإخوان المسلمين، فماذا لو نجحنا فى إيجاد صلة ما (قد لا تكون موجودة بالفعل) بين الإخوان و«حماس» و.. يا داهية دقى، واشتغلى يا مخابرات يا مصرية، وتحركوا ياضباط أمن الدولة، فنحن نقبل أن يكون العدو الصهيونى بكل جبروته وأسلحته الفتاكة وغدره، الذى لن تغيره الأيام على حدودنا، أما إمارة إسلامية و«حماس» والإخوان فهذا ما لا يمكن قبوله.
التكاليف التى نتكبدها لاتقاء شر الصهاينة باهظة جداً، فنحن - مثلاً مثلاً - نعطيهم غازنا وبترولنا تقريباً ببلاش .. لكن الثمن الأكبر الذى دفعته مصر من أجل اتقاء شر الجار المرعب هو تاريخها وموقعها فى المنطقة، فقد كنا الربان الذى يمسك بالدفة ويحدد اتجاه الريح، ويعرف متى ينشر الشراع ومتى يرخيه .. لكن الربان تخلى طوعاً عن دفته.. تركها لصغار الركاب الذين كانوا مشغولين فيما مضى بتلمظ الطعام والتمتع بالقيان والحسان والغلمان .
نعم أيها الربان، المستقبل يلوح لنا بسواده، والمستقبل سيصبح مع الأيام جزءاً من التاريخ.. الجزء الأقرب إلى ذاكرة من سيأتون بعدنا فيعلمونه لأبنائهم على أنه كل التاريخ، وحين يأتى ذكرك ربما يخطئون فى تهجى اسمك ويفعلون بك ما فعلناه مع الفرعون الذى بنى الهرم الثالث، لقد سميناه «منقرع» مع أن اسمه غير كده خالص. عاقبناه مع أنه لم يوقع معاهدة سلام مع الصهاينة، ولم يصدر لهم الغاز والبترول ببلاش، ولم يتركهم يبيدون شعباً بالقنابل الفسفورية.
إعلانات «النصر»
وكتب د. محمد السيد سعيد في صحيفة البديل ، يقول : أي شخص لديه ضمير في الدنيا يجب أن يحني هامته احتراماً لصمود غزة وآلامها .. أما الحديث عن انتصار المقاومة فهو تعبير فج- في- رأيي عن خلل جسيم في العقل السياسي العربي، أو عن عادة عربية سيئة .. وكان الرئيس الراحل صدام حسين قد ضرب المثل في إفساد اللغة عندما زعم لنفسه ولشعبه أنه انتصر في حرب 1992 علي جيوش 130 دولة. وكانت حجته أن الغزو لم يحقق أهدافه في خلع الرئيس أو إسقاط نظام حكمه، وبالتالي يكون هو قد انتصر .. والحديث عن "نصر" في مواجهة آلة حرب تتمتع بهذه القوة العاتية يعني أننا نصور قدراتنا بأكبر كثيرا مما هي عليه، وأن نضطر لصنع حكايات وأساطير يتناقض بعضها مع طبيعة هذه الحرب غير المتكافئة، والتي تقترب من عمليات العقاب الجماعي عن الحروب بمفهومها المعروف.
وأخيراً، فدائما ما يكون الهدف من الاحتفالات المبكرة بـ"النصر" هو تبرير العودة للأمر الواقع خاصة إذا قام علي الانفراد بالسلطة. وإذا فعلت حماس ذلك فهي في الواقع تتبني أجندة مناقضة تماما لما يجب أن تتبناه بعد نهاية العدوان الإجرامي الإسرائيلي علي غزة.
انت اللي بلغت ياهرم؟!
ويقول عبد الفتاح طلعت بصحيفة الأسبوع : تصريحات وزير خارجيتنا احمد أبو الغيط في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الاسباني عشية يوم الاثنين الماضي، ذكرتني بفيلم "الكيت كات" وبطله محمود عبدالعزيز ومقولته الشهيرة "انت اللي بلغت ياهرم" .. بعد سماعي لتصريحات وزير خارجيتنا التي تفتقد لأي حنكة سياسية، اخذت أضرب كفا بكف، وتساءلت: ألم يدرك وزيرنا ان تصريحاته ماهي إلا بلاغ صادر عن مرشد العدو الصهيوني كي يأخذها ذريعة لتكثيف ضربه للحدود المصرية الفلسطينية؟!! وقد كانت تصريحات وزيرنا غير المسئولة قد تلقاها جيش العدو الصهيوني كإخبارية مهمة عليه التعامل معها فورا، وبالفعل كثف العدو الصهيوني صباح يوم الثلاثاء من هجماته علي الحدود بين مصر وغزة ..
ونوه عبد الفتاح : في مصر توفي موظف في طابور انابيب البوتاجاز بمحافظة الغربية بعد اصابته بسكتة قلبية امام المستودع، وفي اليوم التالي قامت معركة شرسة بالسنج والمطاوي امام احد المستودعات بالمنصورة اسفرت عن سقوط ثلاثة جرحي.. ومازالت الطوابير والزحام مستمرا علي مستوي محافظات مصر في ظل ازمة خانقة اوصلت سعر الانبوبة الي 18 جنيها.. وفي المقابل مازالت حكومتنا مصرة علي عنادها بإمداد الصهاينة بالغاز الطبيعي رغم صدور حكم قضائي بوقفه.
السقوط ..
ومرة أخرى نعود لصحيفة المصري ، ولكن هذه المرة بقلم د. حسن نافعة : كشفت الحرب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة عن أمرين : الأول: فشل عسكرى كبير مُنى به الجيش الإسرائيلى، مشفوع بسقوط أخلاقى مروع .. والثاني : صمود أسطورى لفصائل المقاومة الفلسطينية، مشفوع بثبات بطولى لشعب أعزل تُرك يقاتل وحيدا لكنه بدا عاقدا العزم ومصمما على تحرير أرضه من احتلال طال أمده، وعلى تحقيق الاستقلال مهما بلغ الثمن الذى تعين عليه دفعه من دماء وعرق.
وأضاف نافعة : مصر تولت مسؤولية إدارة قطاع غزة منذ ٤٨ وحتى ٦٧ تسببت خلالها فى وقوعه تحت الاحتلال مرتين .. كانت المسؤولية الأخلاقية والقانونية تفرض على مصر تحرير قطاع غزة أولا ثم تسليمه إلى أهله ليديروه بأنفسهم على مسؤوليتهم الخاصة، أو إعادة وضعه تحت إدارتها المباشرة إلى أن يحدث توافق عربى على شكل تسوية القضية الفلسطينية ككل .. ورغم تسليمنا بكثرة الصعوبات على هذا الطريق، فإنه ما كان ينبغى على مصر أبدا أن تدفع الأمور فى اتجاه يفضى بها فى النهاية إلى موقف قابل للتفسير على أنه تواطؤ لضرب المقاومة الفلسطينية .. لا أعتقد أن هناك كلمة أخرى غير التواطؤ يمكن أن تصف سلوك النظام الرسمى المصرى خلال الأزمة الحالية.
مؤكدا : إسرائيل نجحت فى إدارة الأزمة على نحو مكنها من توظيف النظام المصرى كليا فى اتجاه تحقيق الأهداف التى تريدها .. بدليل : لم يقم النظام المصرى بتوظيف أى من أدوات الضغط التي يملكها .. إصراره على تبنى دور الوساطة ، حيث قام تحت غطاء الحياد الذى يتطلبه هذا الدور، بطرح مبادرة بالتنسيق مع فرنسا لم يكن لها من هدف سوى منح إسرائيل الوقت الذى تريده للإجهاز على فصائل المقاومة المسلحة .. سعيه، بالتنسيق مع كل من السعودية والأردن، لعرقلة المبادرات الرامية لعقد قمة عربية طارئة خوفا من أن تتخذ القمة مواقف متشددة لا يريدها وليس مستعدا للتجاوب معها، مما ساعد مرة أخرى على منح إسرائيل وقتا إضافيا لتنفيذ مهامها .. عبَّأ النظام أبواقه، وعلى نحو بالغ الفجاجة، لشن حملة على حماس وتحميلها مسؤولية ما حدث وكأن حماس، وليس إسرائيل، هى العدو.
لا جدال عندى فى أن النظام المصرى سقط أخلاقيًا فى امتحان غزة، مثلما لم يسقط من قبل. وليس هذا دفاعًا عن حماس بل عن مصر التى أعشقها قبل كل شىء!