العرب إذ يكافئون العدوان
د. ياسر سعد
المواقف العربية في قمة الكويت جاءت لتؤكد أن النظام العربي الرسمي في حالة بائسة من الموت السريري، فلا هو بميت فننعيه، ولا هو بحي فنرتجيه. فلقد وصل بنا النظام العربي بمكوناته الرئيسية إلى قيعان تعودنا فيها على المواقف المنهارة والمتداعية، وصرنا نستغرب بل ويستنكر بعضنا أية مواقف تحمل شيئا من الصلابة أو التشبث بالحقوق.
وإذا كان الحديث عن المصالحة العربية أمرا طيبا ومحمودا، فإنه لا ينبغي له أن يكون ستارا لمواقف عربية كانت في غاية العجز إن لم نقل التواطؤ خلال أيام المحرقة. فالمسؤولون الإسرائيليون مثل بيريز وليفني كرروا أن بعض العرب شجعهم على الهجوم على غزة، وأن إسرائيل كانت تخوض حربها نيابة عن محور الاعتدال العربي. فإذا كانت تلك التصريحات دقيقة فهي كارثة حقيقة، وأما إن كانت من قبيل التهويش والتشويش فإن على المعتدلين العرب الثأر لكرامتهم وقطع صلاتهم بإسرائيل والتي تريد إحراجهم أمام شعوبهم. بكل الأحوال فإن صمت المعنيين من العرب تجاه تلك الادعاءات لا تثير مشاعر الارتياح.
كما إن تمسك بمبادرة السلام، والتي ترفضها إسرائيل باستهتار، بعد كل هذا الإجرام الصهيوني من استخدام لأسلحة محظورة واستهداف للمساجد وإبادة لعائلات بأكملها، يعد صدمة للشارع العربي الغاضب والمحبط، وعدم أخذ المواقف الشعبية بعين الاعتبار. كما إن الاستمرار في عرض المبادرة على إسرائيل بعد هذه المحرقة وجرائم الحرب، تشجيع للمعتدي وإعطائه بطاقة بيضاء في القتل والعدوان. وبما إن مبادرة السلام تمس حياة الشعوب العربية فعلى قادتهم، وبأضعف الإيمان طرحها للاستفتاء الشعبي في الدول التي تتبناها.
وإذا كان التبرع لقطاع غزة طيبا مشكورا، فإنها تلك التبرعات تستحق منا التوقف عندها. فغياب ميكانيكية التوزيع واللجوء لجهات دولية أو حتى فلسطينية تناصب المقاومة العداء، يعني أن تلك المساعدات ستكون سلاحا بوجه المقاومة أو محاولة لإغرائها لحرف سبيلها. كما يفترض في الدول العربية رفع الصوت عاليا مطالبة إسرائيل بدفع التعويضات عن عدوانها، أما الاكتفاء بأحاديث التبرع وعدم التطرق إلى المسؤولية المادية والقانونية للاحتلال، ففيها إقرار ضمني بحق إسرائيل في القتل والتدمير.
أما وأن الحديث عن الخيار العسكري العربي أصبح من ضروب الخيال ومما يثير السخرية برغم الإنفاق الكبير على صفقات السلاح وإعداد الجيوش الجرارة، فإن العرب بإمكانهم فعل الكثير سياسيا وإعلاميا لمناصرة القطاع الذبيح. فأضعف الإيمان يحتم التنديد الواضح بالاحتلال، والالتزام بمقررات قمة الدوحة، وملاحقة قادة الاحتلال بالمحكمة الجنائية الدولية. كما أن من الواجب معاقبة الدول التي ساندت العدوان والتلويح بمقاطعتها اقتصاديا. من الممكن أيضا القيام بحملات إعلامية والدعوة لمؤتمرات وإطلاق المعارض المتنقلة في العواصم الدولية والتي تفضح جرائم الاحتلال بالصور والوثائق والشهادات الحية من الجرحى وضحايا الفسفور الأبيض.
من الممكن عمل الكثير خارج العبارات الإنشائية والتي يتبجح بها البعض في الحديث عن تضحياته في سبيل القضية الفلسطينية والتي كان من أبرزها تشديد الحصار عن الجرحى ومنع الأطباء والدواء من الوصول إليهم. ولكن قبل كل هذا علينا انتظار إجابة شافية، هل إدعاءات الصهاينة بأن عربا ساندوهم في المحرقة صحيحة أم زائفة؟