وقف نار من جانب واحد!
وقف نار من جانب واحد!
صلاح حميدة
ينشط الساسة الصهاينة في الأيام الأخيرة في ترديد مقولة أنهم سيوقفون النار من جانب واحد، وأنهم نسقوا مع الولايات المتحدة لمحاربة تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة، مضافاً إليه اتفاقهما على دعم وتسليح حركة فتح حتى تعاود الكرة في محاربتها للحكومة الشرعية في قطاع غزة، والتنسيق مع النظام المصري في سبيل تحقيق ما اتفقا عليه؟!.
قد يقول قائل أن هذا القول الصهيوني هو من باب المناورة السياسية لابتزاز حماس حتى ترضخ لشروط الاستسلام في المبادرة المصرية، بعد عجز الجيش الاسرائيلي عن تحقيق أي انتصار استراتيجي على الأرض، وتقهقر قواته أمام المقاومة الفلسطينية، وعجزه عن وقف الصواريخ الفلسطينية من الانطلاق من قطاع غزة، وأن أكثر ما استطاع تحقيقه هو قتل وجرح وتدمير المئات من الأبرياء وممتلكاتهم.
إن كان الطرح الاسرائيلي من باب المناورة، أم من باب الحقيقة السياسية، فإنه يعبر عن الهزيمة والعجز من قبل الأطراف الثلاث الرئيسية ( النظام المصري، سلطة رام الله،اسرائيل) في اقتلاع حماس والقضاء عليها، يضاف إليه أن الرغبة في إجبار حركة حماس على الاستسلام ورفع الراية البيضاء فشل فشلاً ذريعاً، بل خدم حركة حماس أيما خدمة، دعائياً وعلى أرض الواقع، فقد وقع الاختبار الرئيسي لحماس وقيادتها وقوتها المقاومة على الأرض، وأثبتت قدرتها وجدارتها وريادتها، وانتقلت إلى العالمية، فيما تحوصل أعداؤها حول أنفسهم، وأصبحوا مسبة للجماهير في كل العالم.
هذا الطرح الجديد، يهدف إلى منع حماس من تحقيق أي إنجاز سياسي، بعد الصمود الأسطوري على الأرض، وإبقائها خارج الملعب السياسي في المنطقة، ولكن حماس أثبتت بفعالية أنها لاعب لا يمكن تجاهله، ولذلك تحاول هذه الأطراف، إعلان وقف نار من جانب واحد، وتفعيل الحصار على قطاع غزة، ونقله إلى درجة مأساوية لا تطاق، بعد المجزرة التي لا زالت جارية.
تتجلى هذه السياسة أولاً بإعلان اسرائيلي عن وقف الحرب من جانب واحد، وأخذ صورة من لا يريد الحرب، وكأنه هو الطرف الذي اعتدي عليه ولا يريد الاستمرار في الحرب،وفي نفس الوقت ، يريد الخروج من الحرب بعد استنفاذ الأهداف المخطط لقتلها وتدميرها، ويقول بعدها أنه حقق الردع للفلسطينيين، وأنه لن يسمح بعد اليوم بمهاجمة اسرائيل، وأن من يجرؤ على ذلك سيلاقي الموت الزؤام والدمار والإبادة، ويعتقد الساسة الصهاينة أنهم بهذا وصلوا إلى ما يريدون للخروج من المأزق الذي وقعوا فيه.
ففي هذا الحال، لن تلتزم المقاومة الفلسطينية بهذا الوقف الأحادي لإطلاق النار، وسيستمر إطلاق النار والصواريخ على المدن والقرى والمنشآت الصهيونية، فما الذي سيلزم المقاومة الفلسطينية بوقف النار تحت الحصار، في وضع أسوأ مما كان قبل الأزمة، وقد تستخدم المقاومة الفلسطينية أوراقاً لم تستخدمها من قبل، من ضمنها الورقة الشعبية، وعندها سيقف الصهاينة أمام السؤال الكبير من شعبهم، لماذا خرجتم من غزة بدون إنجاز وقف النار والصواريخ؟ وعندها سيلحق هؤلاء الساسة بمن سبقهم في لجنة فينوجراد جديدة.
على الصعيد السلطوي في رام الله، ثبت بما لا يدع مجالاً للشك لهذا الطرف أنه أعجز من أن يستطيع القضاء على حماس، في ظل هزيمتها لأقوى جيش في المنطقة، وما سبق ذلك من محاولات فاشلة للقضاء عليها، كما أنه من غير المؤكد ما هي الصيغة التي ستعامل بها حماس من يحاول أن ينقض عليها في ظل حرب الإبادة الحالية، وهل ستستمر حماس بالتعامل بحكمة مع من تورطوا في كشف ظهرها للقتل والإغتيال؟.
ولذلك فهذا الطرف خرج خاسراً من المواجهة الأخيرة، وأما إصرار الحكومة الغير شرعية في رام الله على منع المساعدات الإغاثية عن الشعب الفلسطيني المقتول في غزة، وتخزينها المساعدات في مخازن اسرائيلية في معبر العوجا، بتآمر مع النظام المصري والكيان الصهيوني، وكل ذلك في سبيل مناكفة حماس، وإظهارها بمظهر العاجز، فلن يؤدي ذلك لتعرية حماس جماهيرياً، بل سيرتد على هذه الأطراف التي أصبحت مسبة للجماهير في العالم أجمع.
أما النظام المصري، فلمعركة الفرقان تداعيات كبيرة، وأول من سيدفع ثمنها هو النظام المصري، فهو الشريك الأول في الحصار والعدوان والمؤامرات والدماء، وهو الذي عطل كل الجهود لوقف الحرب، وحرص على جني استسلام كامل للمقاومة الفلسطينية، لصالح المجزرة الاسرائيلية.
هذا الكيان سيدفع ثمن أفعاله، وأعتقد أن تواطؤه الحالي مع حكومة فياض الغير شرعية لتجويع وحصار الشعب الفلسطيني، مضافاً إلى ذلك تآمره السابق والحالي على الحكومة الشرعية، حكومة المقاومة الفلسطينية، كل ذلك سيدفع الأمور للإنفجار في وجهه، فإن كان يريد حشر حكومة هنية الشرعية في الزاوية، ودفعها إلى الانهيار، فهو واهم، فحكومة هنية في أقوى أيامها، وقد تكون الأيام القريبة القادمة، هي الفصل في دفع الجماهير الفلسطينية الجائعة المكلومة، لتذهب إلى معبر رفح لتأخذ بنفسها المساعدات الغذائية العربية، وعندها لن يستطيع مليون مثل أبي الغيط أن يكسروا أقدام الفلسطينيين، لأنه لن تكون هناك حدود أبداً. كل هذه الأطراف مدعوة لمراجعة سياساتها، والاعتراف بإرادة الشعب الفلسطيني، لأن التجربة أثبتت أن إرادة الشعب الفلسطيني وقيادته المنتخبة، لا يمكن كسرها.
والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.