مشوارنا مع الصهاينة والغرب طويل طويل

فيصل الشيخ محمد

بعد أن صمتت فوهات المدافع، وتوقفت قاذفات الصواريخ، وهدأت زمجرة الدبابات ودوي حمم الموت والخراب والدمار من البحر والجو والبر (الجُدر) التي تعود بنو يهود على القتال من خلفها.. وانقشع غبار ذرات الفسفور البيض من سماء غزة.. وتوضحت الصورة جلية أمام عالم القرن الواحد والعشرين، لتظهر إلى أي مدى وحشية الصهاينة التي فاقت ما فعله نيرون في روما وهولاكو في بغداد وتيمور لنك في دمشق وهتلر في ستالين غراد!!

وحشية ما فعلتها الذئاب الجائعة في قطيع غنم تائه لا راع له ولا حام.. فهذا أقرب وصف لما فعلته المخالب الصهيونية وأنيابها في غزة وأهلها، التي استبيحت على مرأى ومسمع من العالم لأكثر من عشرين يوماً.. دافع أبناؤها بلحم أجسادهم عن الأرض والعرض والشرف والكرامة والعزة لأمة هانت عند ولاة أمورها الذين لا يجيدون إلا الصراخ واللطم والتنديد والشجب والاستنكار!!

وهنا تحضرني قصة أبو عبد الله الصغير الذي نظر نظرته الأخيرة إلى عاصمة ملكه غرناطة التي سلمها لعدوه فرديناند وبكى، فقالت له أمه: (ابك اليوم بكاء النساء على ملك لم تحفظه حفظ الرجال)!!

التأم مؤتمر (قمة شرم الشيخ) التي ضمت بعض القادة العرب والغرب والكيان الصهيوني، وراح قادة الغرب فيها ومن على منبرها يتسابقون في إطلاق الوعود للكيان الصهيوني في تقديم الدعم والحماية له، ومتوعدين في نفس الوقت حماس بالويل والثبور إن فكرت في تهريب السلاح أو الدواء أو الغذاء أو ما يقوّم جوع بطنهم أو يستر لحم جسدهم، ولم يكتف هؤلاء بكل ما قالوه من على منبر العروبة في شرم الشيخ، بل قرروا القيام بزيارة القدس المحتلة ليباركوا للصهاينة فعلهم الإجرامي وما ارتكبوه بحق غزة وأهلها وما فجروا من أجساد أبنائها من دماء وما ألحقوا بعمرانها من تدمير وخراب.

وكنت أتمنى لو رتب القادة العرب لزملائهم قادة الغرب زيارة إلى غزة ليضعوهم أمام اللوحة المأساوية التي خطتها مخالب الصهاينة، في مقابل زيارتهم للقدس المحتلة...

وكم كنت أتمنى لقمة الكويت أن تعقد على أطلال غزة ليمسحوا دمعة طفل سالت حرقة على فقدان أمه وأبيه وإخوته.. وليهدؤوا من روع ثكلى فقدت أولادها وبناتها وزوجها في أتون المحرقة الصهيونية وطحنوا تحت رحى الموت اليهودية، ويشدوا من عزيمة وأزر أبطال غزة الذين أعادوا لهذه الأمة بعض وهج العزة والكرامة والفداء!!

لقد دفع أهل غزة ما لم يدفعه شعب في التاريخ الحديث ثمناً للوحشية الصهيونية النازية المتعطشة للدماء وسفكها، وللعمارة وتخريبها وتدميرها.. وسيظل العالم يذكر تلك اللوحة الدامية التي رسمتها مخالب الصهيونية وأنيابها لقرون وقرون.

ومن بين كل هذا الرماد، ومن وسط كل هذا الخراب والدمار سينهض أبطال غزة من جديد أقوى مما كانوا عليه، ليعطوا درساً لشعوب العالم وقادته كم هي الحرية غالية وكم هو ثمن الكرامة والعزة والأرض باهظ التكاليف، وحتى يعود العالم إلى رشده ويقر بأن القدس عربية وأن بيت لحم عربية وأن غزة عربية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. فمشوارنا مع الصهاينة والغرب طويل وطويل.