هزيمة النظام المصري
أ.د. حلمي محمد القاعود
[email protected]
انهزم النظام المصري هزيمة ساحقة أمام العدوان اليهودي على غزة !
كانت الهزيمة داوية وفاضحة على مرأى ومسمع من أمم الأرض جميعا ، حيث أزرى الغزاة
النازيون بالنظام المصري ، وضحكوا عليه ، وجعلوه معرة الأمم !
أول
لطمة كانت من المجرمة النازية اليهودية " تسيبي ليفني " يوم أعلنت من قلب القاهرة
النابض عن الهجوم العدواني ونية القضاء على المقاومة الفلسطينية . لم يقل لها أحد :
احترمي نفسك أيتها المجرمة النازية اليهودية ، ولم يخبرها أحد أنها يمكن أن تدفع
ثمنا فادحا لو تحرك اليهود النازيون القتلة نحو قطاع غزة . لم يقل لها أحد شيئا من
ذلك أو قريبا منه ، بل كان كل ما سمعناه شيئا يشبه ما تقوله الأمم المتحدة في
بياناتها الهزيلة : المطالبة بضبط النفس !
أكملت المجرمة النازية اليهودية لطمتها حين ذكرت على الملأ أن النظام المصري يريد
القضاء على حماس ، أي المقاومة الفلسطينية ، مؤيدة بما قاله الرئيس الفرنسي ساركوزي
الذي لم يخافت بالقول : إن النظام المصري يطالب بعدم السماح لحماس بالانتصار !
اللطمة الثانية جاءت من أقصى الأرض حيث الرئيس هوجو تشافيز ، رئيس فنزويلا الذي طرد
السفير الصهيوني ، وهاجم العدوان النازي اليهودي ، ثم قطع العلاقات مع الكيان
اليهودي المجرم ! وهو ما لم يستطعه النظام المصري ، فكان الخزي والحرج والعار !
ويدخل في هذه اللطمة ما فعلته بوليفيا – بالقرب من فنزويلا – حيث أعلنت قطع
العلاقات السياسية والدبلوماسية ، وطردت السفير النازي اليهودي من لأراضيها .
اللطمة الثالثة للنظام المصري ، جاءت من الشعوب العربية والإسلامية من أقصى الأرض
إلى أدناها ، حيث استنكرت صمت النظام المصري على الجرائم النازية اليهودية في غزة ،
وعد م تحركه الإيجابي نحو معاقبة العدو النازي اليهودي بأية خطوة حقيقية تفهمه أن
الجريمة لن تمضي دون عقاب ! فقد ظل سفيره يفرض بجاحته وصفاقته على المصريين عند
شاطئ النيل ، وظل ضخ البترول والغاز المدعوم من مصر إلى الآلة العسكرية الصهيونية
مستمرا ، ومازالت طائرات العدو تقلع وتهبط من مطار القاهرة ، وهناك من يذهب إلي
الكيان الصهيوني في وفود رسمية وغير رسمية ويتم التبادل التجاري والصناعي والزراعي
معه ، وكأن لا شيء هناك يعكر صفو الحياة الوطنية أو القومية أو الإسلامية !
اللطمة الرابعة للنظام المصري جاءت من الشعب المصري الذي فجعه النظام فجيعة غير
مسبوقة ، حين تنصل من مسئولياته ، واكتفى بالنائحات المستأجرات والرداحات الفاجرات
في الإعلام والصحافة لفرش الملاية ، وإطلاق بالوعة البذاءات الرخيصة ضد مؤيدي
المقاومة في الداخل والخارج ! ثم ترك الأمر للبوليس – عصاه الغليظة –كي يقاتل
جماهير الشعب التي تظاهرت في الشوارع تأييدا للمقاومة والشعب الذبيح ، ويعتقل
المتظاهرين أو يخطفهم ويلقيهم في المعتقلات والسجون ، بدلا من أن يحشد جيوشه
الجرارة في الميدان الحقيقي للقتال . وبينما كانت المظاهرات المليونية تملأ شوارع
استانبول والدار البيضاء ولاهور وجاكرتا وطهران ولندن وغيرها ، وتنفض دون أدني
مشكلة ، فإن كثيرا من الآباء والأمهات في مصر عاشوا الرعب والخوف والقهر بحثا عن
أبنائهم وبناتهم الذين خطفهم البوليس المصري من الشوارع !
اللطمة الخامسة وهي خطيرة بالنسبة للنظام المصري العربي الإسلامي ، هي ظهور رجب
الطيب أردوغان مدافعا أول عن غزة وشعبها ، والعرب وكرامتهم ، والمسلمين وهيبتهم ،
ولقن العدو النازي اليهودي درسا مؤلما في طريقة التعامل الدبلوماسي والسياسي ،
واحتضنت بلاده كثيرا من الفعاليات والمؤتمرات مناصرة للشعب الفلسطيني ، وتنديدا
بالعدوان النازي اليهودي الهمجي ، ووعيدا له بمحاكمة مجرمي الحرب اليهود ، ودعوة
لمعاقبة الكيان الصهيوني ومقاطعته .
اللطمة السادسة وهي لا تقل خطرا عن السابقة ، وتتمثل في انبطاح النظام المصري أمام
بعض الأنظمة الخليجية ، ورضوخه لإرادتها النابعة من إرادة يهودية صليبية ، فوقف ضد
انعقاد مؤتمر قمة عربي ، ومنع إصدار قرارات ذات قيمة في مؤتمر وزراء الخارجية ، بل
أوحي لهم أن يذهبوا إلى نيويورك لاستجداء قرار كسيح من مجلس الأمن الموالي
للصهيونية الصليبية ، لم يتم تنفيذه على أرض الواقع . مما جعل دولة مثل قطر تبدو
زعيمة للعالم العربي وقائدة لمسيرته في غيبة الشقيقة الكبرى التي آثرت ألا تنتصر
المقاومة ، وأن تشارك في حصارها وقهرها والتشهير بها .
اللطمة السابعة ،وهي الأخطر على الإطلاق ؛ تمثلت في صمود المقاومة الفلسطينية أكثر
من ثلاثة أسابيع ، حيث أصلت العدو بصواريخها ( العبثية كما يسميها عباس ) ، فأفقدته
صوابه ، ووضعت نصف كيانه في مرمي نيرانها ، فاندفع بسعاره المجنون يقتل مزيدا من
الأطفال والنساء والشيوخ ، والمدنيين الذين تجاوز عددهم أكثر من ألف ومائتي شهيد من
بينهم القيادي سعيد صيام وولده وشقيقه ، وأكثر من خمسة آلاف جريح !
صمود المقاومة وعدم سقوطها من أكبر اللطمات التي لحقت بالنظام المصري ، والأنظمة
المتواطئة في العالم العربي ، لأنها أثبتت أولا أن الشعب الفلسطيني لا يموت ،
وثانيا أن تصفية القضية الفلسطينية لحساب العدو الصهيوني الصليبي مستحيل .
اللطمة الثامنة وتعادل اللطمة السابعة ، وتتمثل في جراءة العدو النازي اليهودي على
السيادة المصرية واستباحتها بدخول طائراته إلى رفح المصرية والحدود المصرية وقصف
أهلها وتدمير السور الفاصل بين مصر وغزة ، وإصابة ضابطين ومواطنين مصريين إصابات
خطيرة ، دون أن تنطق النائحات المستأجرات والرداحات الفاجرات في الإعلام المصري
وصحفه بكلمة ودون أن يستنكر النظام ما فعله العدو ، فضلا عن أن يثار لكرامته
وسيادته وهيبته المستباحة !
لقد
كان اختراق المجال المصري وقصف أراضيه وإصابة مصريين شهادة حية بهزيمة النظام
وانسحاقه أمام لإرادة اليهودية النازية الغازية ، وعدم قدرته على مواجهتها ،
واستسلامه أو انبطاحه التام أمامها ، وهي إهانة لا تغتفر لشعب عريق استطاع أن يقطع
ذراع العصابات النازية اليهودية في رمضان عام 1393 هـ =أكتوبر 1973م.
لقد
قال النظام إن الآخرين يريدون أن يجروه إلى حرب غير مستعد لها ولا يقدر عليها ،
وهذا كذب صريح ، فلم يطلب منه أحد أن يحارب . كل ما طلب منه أ يكف عن حصار غزة ،
ويكف عن مشاركة العدو في قهر الشعب البائس، وأن يفتح المعبر لدخول المعونات ، ولكنه
لم يستجب إلا استجابات رمزية أكدت استسلامه وانبطاحه أمام العدو النازي الصهيوني ..
إن
هزيمة النظام المصري في غزة ، تشبه هزيمته عام 1948م ، مع الفارق ووجود رجال صدقوا
ماعاهدوا الله عليه ، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ، وتبدو لي هزيمة 2009م أشد
قسوة ، لأن لها ما بعدها من أحداث ، نسأل الله أن يجنب مصر خطرها وشرورها ..
لن
يقبل الشعب المصري الهزيمة الفاضحة أمام الكيان النازي اليهودي ، ولن يرضى أن يركع
على قدميه ، ويطلب منه الرضا والأمان ، حتى لو كان لديه أكثر من مائتي قنبلة نووية
، فالشعب المصري أكبر من نظامه ، ويملك عمقا في التاريخ والجغرافيا يجعله يثأر
لكرامته ، ويطهر حدوده الشرقية ، ليس من المقاومة الفلسطينية الباسلة ، ولكن من
الغزاة الغرباء الأشرار ، وأن يعيد الأمن والسلم إلى المنطقة ، ويوقف مسلسل التفتيت
والتمزيق الذي يخرجه ويمثله السادة الأميركان وخدامهم الصهاينة ..
الشعب المصري أقوى من النظام المصري ، لأنه يملك خاصية ينساها البعض في حمأة الأسى
والمحن ، وهي الصبر الجميل ، حتى تحين اللحظة الملائمة للعمل وردع المجرمين ،
والذين يتصورون أنه شعب ميت مخطئون ، لأن تاريخه يقول بغير ذلك .
كنت
أتمنى أن يكون النظام صريحا ، أي شفافا بلغة العصر ، ويقول : إنني مرهون للإرادة
الصهيونية لأسباب لا أستطيع إعلانها على الملأ . حينئذ كان العالم سيتعاطف معه ،
ولكنه بدلا من ذلك أعطى إشارة البدء للجوقة الإعلامية الفاسدة كي تسب وتلعن وتردح
وتفرش الملاية لحزب الله وسورية وقطر وإيران وقناة الجزيرة ! ولم تقصر النائحات
المستأجرات والرداحات الفاجرات في الشتائم والبذاءات ،والأكاذيب والأضاليل ، مما
جعل السحر ينقلب على الساحر .
والذين يتهمونهم بالتطاول على مصر يحبون مصر أكثر من بعض أهلها ومنهم النائحات
المستأجرات والرداحات الفاجرات .
والذين يتهمونهم بالرغبة في الزعامة والقيادة وهم ليسوا أهلا لها ، وجدوا الميدان
خاليا من الشقيقة الكبرى ، فاندفعوا بنخوتهم أو إنسانيتهم ليبحثوا عن مخرج من
المأساة .
والذين يتهمونهم بالرغبة في السعي لتحقيق مكاسب سياسية وإقليمية ، كانوا أكثر وفاء
للشعب الفلسطيني حيث ساندوه حين تخلت عنه الشقيقة الكبرى ، وقدموا له المعونات حين
أوقفتها مصر الغالية على الحدود . في كل الأحوال ، لم يمسس النظام المصري الكيان
الصهيوني بسوء ، وتركه يعيث في الأرض قتلا وتدميرا وفسادا ، وساوى بينه وبين
الضحايا ، والأدهى أنه قام نيابة عنه بمهمة غير كريمة ؛ وهي محاولة إرغام المقاومة
على الاستسلام بعد أن عجز العدو عن فعل ذلك بآلته العسكرية الشريرة !
هزيمة النظام المصري ؛
مقدمة لأيام عاصفة نسأل الله السلامة منها ، ومن شرورها .