معركة الفرقان... الفرز حصل

صلاح حميدة

[email protected]

أثارت (قمة غزة) في قطر لغطاً وجدلاً كبيراً في الأوساط السياسية والاعلامية العربية وغير العربية، وكان أن شن عليها من يسمون أنفسهم بمحور( المعتدلين) العرب هجوماً شديداً متهمين إياها بأنها عمقت الشرخ العربي، وزادت الانقسام بين العرب، فيما اتهمها الطرف الفلسطيني المتحالف مع هذا المحور بأنها زادت الانقسام الفلسطيني والعربي وعمقته، وأنها تحاول الالتفاف على التمثيل السلطوي لهذا الطرف.

في الطرف المقابل، دافع منظموا هذه القمة(قمة غزة) عن أنفسهم، بأنهم هم المعتدلون العرب وستظهر الأيام أن المتطرفين هم الذين يسمون أنفسهم بالمعتدلين!؟ وهذه إيحاآت هامة، تظهر الدرجة التي وصل إليها الذين رفضوا الحضور إلى الدوحة، من التماهي والتحالف مع أكثر الصهاينة والمحافظين الجدد تطرفاً وإجراماً ودموية، وهذا له ما يبرره ويؤيده، من الأحداث والمجازر التي تجري في غزة، والتي أثبتت أن هذه المجزرة تتم بتعاون وتخطيط مشترك بين هذه الأطراف، والمنفذين لها، بل هناك تسريبات إعلامية لم ينفها أحد تتحدث أن أحد الأنظمة العربية المتصهينة تعهدت بدفع فاتورة الحرب للصهاينة؟! فمن هو المعتدل ومن هو المتطرف إذاً؟.

جريمة قطر ومن معها من الدول، أنهم يريدون وقف القتل الممنهج ضد أهلنا في غزة، في حين يريد المتطرفون المتصهينون العرب، حصاداً سياسياً لفعل البندقية الاسرائيلية، وبتعبير أدق، إستسلاماً لا لبس فيه للمقاومة الفلسطينية، وساءهم عدم قدرة الطرف المنفذ للمجزرة على تحقيق إنجازات عسكرية على الأرض غير المجازر والدمار، وهم يسعون للمماطلة لإعطائه الوقت لأي إنجاز ميداني، حتى يتم لهم إجبار المقاومة الفلسطينية على الاستسلام؟!.

نجحت قمة غزة في الدوحة بجمع من لا يريدون قتل غزة من المعتدلين العرب، وكشفت المتطرفين المتصهينين من العرب، وعرتهم بشكل كامل، وكان لا بد من هذه الخطوة التي تأخرت كثيراً، لأنه لا مجال من اليوم فصاعداً الإلتقاء مع هؤلاء المتصهينين في منتصف الطريق، لأن الإلتقاء معهم معناه الإنسياق إلى مستنقع الخيانة والصهينة، ولذلك كان لا بد من إظهار الفرز، ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وأعتقد أن هذا كان من أهم تجليات( معركة الفرقان) التي تدور رحاها في قطاع غزة.

هذا الفرز والانقسام الواضح الآن له تداعياته، وله آثاره، فهذا الانقسام والفرز الواضح الذي دفعت به (معركة الفرقان) إلى الواجهة بشكل جلي في (قمة غزة) أظهر العديد من الحقائق التي لها ما بعدها في قادم الأيام .

فعلى صعيد الأمم المتحدة ومجلس الأمن، فقد بينت وأثبتت معركة الفرقان بما لا يدع مجالاً للشك أن هذه المؤسسة الأممية لم تقم إلا لإنشاء وحماية هذا النظام المجرم في فلسطين ودعمه، وجعله يفلت من كل جرائمه، وأن هذه المؤسسة ليست إلا أداة في يد القوى الاستعمارية الدولية المعادية لحقوق الشعوب وعلى رأسها الشعب الفلسطيني، وبهذه الحرب الفارقة، خرجت هذه المنظمة عن إطار الفعل والحماية للشعوب المظلومة، وبالتالي فقدت صفتها وصلاحيتها.

على صعيد الكيان العنصري الاستيطاني المجرم، فقد قدم للعرب والمسلمين( الشرفاء منهم) أكبر هدية، وحفر لنفسه أكبر قبر، وقصر من عمر كيانه سنوات عديدة، فقد وفر هذا الكيان على الشرفاء من العرب والمسلمين في العالم جهوداً جبارة لإقناع عموم الناس في العالم، فضلاً عن نخبهم، أنه لا مجال على الإطلاق للتعايش مع هذا الكيان العنصري، وأن الحل فقط هو باستئصاله، لأنه كيان عنصري دموي لا يمكن أن يتعايش مع جيرانه بسلام، فهو قائم على القتل والدمار والمجازر، وبذلك حفر في ذاكرة وعقول وقلوب الشعوب صوراً لا يمكن محوها على الإطلاق.

أما الجامعة العربية، فقد تبين بما لا يدع مجالاً للشك أنها ليست إلا هيكلية فارغة المضمون، تعزز الانقسام العربي، ولا توحده، وهي تستحق لقب( المفرقة العربية)، وبينت أحداث معركة الفرقان وما تلاها من (قمة غزة) أن هذه المؤسسة ليست إلا ملحقاً صغيراً بوزارة الخارجية المصرية، التي أثبتت الأحداث الجارية، أنها ملحقة أيضاً بمكتب صغير في وزارتي الخارجية الأمريكية والإسرائيلية، فالجامعة العربية أثبتت أنها فقدت صلاحيتها، بعد أن أصبحت أداة في التفريق بين العرب، وانحاز أمينها العام إلى الطرف المتطرف المتصهين من الأنظمة العربية، وعمل جاهداً على تعميق الانقسام وبث الفرقة بين الدول العربية، وتساوق مع الجهود الهادفة إلى قتل الفلسطينيين وكسر إرادتهم، ولذلك كان من نتائج هذه الحرب أيضاً أن ثبت بالدليل فقدانها لصلاحيتها.

أما بعض الأنطمة العربية، وخاصة النظام المصري ومن لف لفه من الأنظمة المتطرفة المتصهينة، فقد بينت (معركة الفرقان) و(قمة غزة) أن هذه الأنظمة المتطرفة المتصهينة، ليست إلا أدوات في أيدي أعداء الأمة، أنظمة لا يهمها إلا وجودها ومفاسدها، وتوريث الملك من الأب لأبيه، وستدفع هذه الأنظمة ثمن تطرفها وتصهينها المبالغ فيه، وستبين الأيام القادمة تداعيات التطرف والتصهين لهذه الأنظمة الخائنة.

أما منظمة التحرير الفلسطينية، فقد أضحت لا هي منظمة، ولا هي لتحرير فلسطين، وفقدت صفتها الفلسطينية الجامعة، فهي مؤسسة مترهلة فاقدة للشرعية يتحكم بها مجموعة من الأشخاص مرتهنين لأنظمة متصهينة، ولضوابط وإملاآت دولية معادية للشعب الفلسطيني، وأظهرت أحداث (معركة الفرقان) و(قمة غزة) حجم تحوصل هؤلاء وقلة حيلتهم، وابتعادهم عن خيارات الشعب.

فهي منظمة ترفض أن تكون ممثلة للفلسطينيين وتحافظ على تشكيلات بنيوية أكل الدهر عليها وشرب، تشكيلات راتب آخر الشهر، وبطاقة (v i p) وهي منظمة قالت عند تشكيلها أنها تريد تحرير فلسطين، والآن أصبح هدفها هو تثبيت احتلال فلسطين، والرضوخ لإملآت الاحتلال والقوى الدولية الممالئة له، والأنظمة العربية المتصهينة، ولذلك فقدت هذه المنظمة صلاحيتها بعد هذه المعركة، فقد قتلها وشلها تحوصلها حول نفسها، وتقييدها لنفسها، ومنعها للتغيير والتطور وإدخال دماء جديدة فيها، مضافاً إليه حقيقة رئيسية، وهي أن هذه المؤسسة أنشئت لتطويع المقاومة الفلسطينية وتصفية القضية الفلسطينية من خلال دمجها في نظام عربي رسمي مشوه.

على مستوى التنظيمات الفلسطينية، فقد كانت حركة فتح أكبر الخاسرين من معركة الفرقان، فلم تلتقط حركة فتح فرصتها كما فعلت بداية انتفاضة الأقصى وشاركت بالانتفاضة، وعزلت نفسها عن المؤسسات التي تنسق أمنياً مع الاحتلال في السلطة، ففي معركة الفرقان الحالية، تبين بما لا يدع مجالاً للشك أن حركة فتح أصبحت مرتبطة عضوياً بسلطة الحكم الذاتي في الضفة الغربية، التي يتحكم بها الدولار الأمريكي، وبينت الأحداث أن من شاركوا في أحداث معركة الفرقان من القلة القليلة من أبناء فتح بغزة، شاركوا على مسؤوليتهم الشخصية، لأن ما جرى في الضفة من استمرار لاستهداف المقاومة حتى الجماهيري منها من قبل أجهزة فتح الأمنية، بين أن حركة فتح حسمت خياراتها، كما أن الرد والتبرير الذي قدمه رئيس حركة فتح لعدم حضور قمة غزة، يعتبر إدانة لهذه الحركة، بعد أن أظهر ارتهان قرار حركة فتح للضغوطات الخارجية، وما التبريرات التي ساقها البعض إلا أقاويل أنصحهم بأن لا يصروا عليها، لأن رئيس وزراء قطر قال أن المكالمة موثقة.

أما حركة حماس فهي أكبر الرابحين، فقد بينت أحداث معركة الفرقان وما تلاها من قمة غزة، أن حركة حماس ومعها قوى المقاومة هي القائدة الحقيقية للشعب الفلسطيني، فقد رفضت الخضوع للإبتزازات المتصهينة، وبقيت صامدة ورافضة التنازل عن الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني مقابل رغيف خبز ذليل، أثبتت هذه المعركة أن حركة حماس ترفع الشعارات وتبذل دونها الدماء والأشلاء من القادة قبل العناصر، أثبتت هذه المعركة،أن حركة حماس ليست حركة استعراضات عسكرية وزعرنة على الناس العاديين، بل هي حركة مقاومة للاحتلال، إن قاتلت تقاتل برجولة، تستميت بالدفاع عن شعبها وحقوقه الثابتة، يقاتل عناصرها (إما نصر أو شهادة)، أثبتت هذه الحركة قدرتها على الخروج من الخطوب والنوائب، وأنها حركة مؤسسات لا حركة أشخاص، فعندما يغتال أشخاص وقادة منها، تجدها تخرج أكثر قوة وأكثر عنفواناً، أثبتت أنها الند للاحتلال ومن معه من المتطرفين العرب المتصهينين، وأضحت رقماً لا يمكن تجاهله منهم ومن غيرهم.

من هنا يتبين أن الأيام القادمة ستشهد تداعيات ما جرى على كل هذه الأصعدة السابقة، فلا إسرائيل ولا المتصهينون المتطرفون ومن معهم من القوى الدولية استطاعوا القضاء على حماس، وردوا على أعقابهم مدحورين وباؤوا بفشلهم ودمويتهم وإجرامهم ودماء الأطفال والنساء، فلمعركة الفرقان ما بعدها، ولا يضير الشعب الفلسطيني الكم الكبير من الدمار والشهداء والمعاناة، فقد أعلنت معركة الفرقان بدء العد التنازلي لكل الكيانات التي تواطأت على قتل الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته المحقة.