الانحطاط الصهيونيّ - الأميركيّ - الأوروبيّ
د.محمد بسام يوسف*
من عوامل انحطاط النظام العالميّ الحاليّ، هذا التناغم والتواطؤ القائم، ما بين ما يسمى بالمجتمع الدوليّ والكيان الصهيونيّ.. هذا المجتمع الدوليّ الذي يخضع لسيطرة القطب الواحد والمصالح الأنانية والمقايضات السياسية غير الأخلاقية، التي تجعله أقرب إلى شريعة الغاب منه إلى القانون الدوليّ النـزيه.. فالعقيدة التلمودية الإرهابية عند اليهود، والأشكال المختلفة للإرهاب الصهيونيّ وطبيعته الإجرامية.. لا يجعل ما يسمى بالمجتمع الدوليّ آبهاً أو مهتماً، وهذا يعكس مدى التحالف الوثيق، بين الغرب الاستعماريّ والكيان الصهيونيّ، فقتل الآمنين من الرضّع والأطفال والنساء، وتقطيع أوصالهم، وتدمير بيوتهم.. والاعتداء على كل أشكال الحياة، وارتكاب المجازر الجماعية، واستخدام كل أنواع الأسلحة المحرَّمة، وتدمير الممتلكات والمؤسّسات والمدارس والمشافي والجامعات ومستودعات الغذاء والدواء، وغير ذلك من الانتهاكات الوحشية وجرائم العصر.. كل ذلك ليس إلا (دفاعاً عن النفس)!.. في عُرْف الغرب الاستعماريّ والمجتمع الدوليّ المنافق!.. أما مقاومة الاحتلال، ومواجهة المحتل، ورفض الذبح والتعذيب والتشريد والاضطهاد.. فهو إرهاب!.. وأما إرهاب اليهود الصهاينة المنظم، فهو مباح تُطَأطَأ له الرؤوس، فعند الإرهاب الصهيونيّ يتوقف كل حديثٍ عن الإرهاب!..
إنّ تواطؤ الغرب الاستعماري وما يسمى بالمجتمع الدوليّ مع اليهود والصهاينة.. واضح بَيِّن لا يمكن إقناع أحدٍ من الناس بمبرّراته ونفاقه، وعلى الرغم من أنّ الكيان الصهيونيّ لم ينفّذ قراراً واحداً من عشرات القرارات التي أصدرتها منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدوليّ بحقه، منذ زَرْعِه في منطقتنا العربية والإسلامية حتى اليوم.. فإنه يحظى بالتأييد والدعم والعون والمساعدة والمساندة، من أولئك الذين يُسمّون أنفسهم بالمجتمع الدوليّ!.. وأكثر من ذلك، فإنّ هذا السلوك الغربيّ والأميركيّ الدوليّ.. يُعتَبَر من أكبر الخروقات لقرارات المنظمة، التي صنعوها بأيديهم وأطلقوا عليها اسم: (الجمعية العامة للأمم المتحدة)!.. فالقرار رقم (3034) الصادر بتاريخ 18/12/1972م، يؤكّد على حق الشعوب قاطبةً بتقرير مصيرها، ويؤيّد شرعية (النضال) الذي تخوضه حركات التحرر الوطني: (إنّ الجمعية العامة للأمم المتحدة تؤكّد على الحق الراسخ لكل الشعوب، التي ما تزال تحت نير الأنظمة الاستعمارية أو العنصرية أو السيطرة الأجنبية، في تقرير المصير والاستقلال، وتؤيّد شرعية النضال الذي تخوضه حركات التحرّر الوطنيّ) ا.هـ!.. لكن يبدو أنّ هراطقة المجتمع الدوليّ يعتبرون الكيان الصهيونيّ، من الذين لا تنطبق عليهم مواصفات البشر أو مقاييسهم، الذين يجب أن يمتثلوا للقرارات الدولية، فهذا الكيان المسخ البغيض هو فوق القانون الدوليّ، وهذا بالضبط.. ما سيقرّب -بإذن الله- نهايته، على أيدي المجاهدين المؤمنين، الذين لا ترهبهم جرائم اليهود، ولا تخدعهم سفسطة ما يسمى بالمجتمع الدوليّ وهراطقته!..
المجتمع الدوليّ الصامت الهامد، الذي لا تحركه جرائم الصهاينة الرهيبة ومجازرهم الإرهابية الإجرامية، القائمة هذه الأيام بزعامة الثالوث الإجراميّ، المكوَّن من المجرمين الثلاثة: (أولمرت وباراك وليفني).. يملأ الدنيا ضجيجاً وصراخاً عندما يمارس المجاهدون الفلسطينيون جزءاً من حقهم المشروع في مقاومة الاحتلال ورفض المجازر اليهودية.. وهذا ما يتجلى بوضوحٍ شديدٍ وتحيّزٍ سافرٍ، من قادة هذا المجتمع الدوليّ في الدول الغربية المنافقة، بزعامة أميركة!.. والأمثلة على ذلك أكثر من أن تُحصى، ولعل أبرزها: تصريح البيت الأبيض الأميركي منذ أيام، تعليقاً على اجتياح قطاع غزة من قبل الجيش الصهيونيّ المحتل: (إنّ الولايات المتحدة الأميركية تعتبر أنّ إسرائيل تدافع عن نفسها)!.. فهل يتحمّل الأميركيون، أن يدافع العراقيون والعرب والمسلمون عن أنفسهم، نتيجة احتلال العراق وأفغانستان وارتكاب كل الانتهاكات بحقهما وحق شعبيهما.. هل يتحمّل الأميركيون، أن يدافع العراقيون والعرب والمسلمون عن أنفسهم في عُقرِ الدار الأميركية؟!..
إنه نهج أميركيّ صهيونيّ غربي ثابت، يسلكه كل أولئك السفّاحين، الذين استباحوا بلادنا وأوطاننا وثرواتنا وإنساننا.. نهج قديم جديد لم يتغيّر تجاهنا، فها هو ذا (بوش الصغير) وزعماء الغرب يصمتون على كل الجرائم التي يرتكبها الصهاينة المجرمون خلال اجتياحهم للمدن والقرى الفلسطينية، لكنهم ينتفضون بكل وقاحة، لإدانة عمليات المقاومة التي يردّ بها المجاهدون بعض الأذى الصهيوني وإرهابه وإجرامه الوحشيّ!..
لقد أظهرت الأحداث الأخيرة، التي ما تزال جاريةً حتى كتابة هذه السطور في غزّة.. درجةَ التلاحم الشديد بين أركان الثالوث الإرهابيّ الإجراميّ الساديّ ضد العرب والمسلمين: أميركة وزعماء الغرب والكيان الصهيونيّ، هذا التلاحم الذي وصل إلى درجة التنسيق الكامل، فالعدوان الصهيونيّ الحاليّ هو عدوان إرهابيّ أميركيّ غربيّ صهيونيّ مكشوف، ترتسم معالمه بكل وضوح، بشكلٍ لا يخلو من الوقاحة والغطرسة، في ظل صمتٍ رسميٍ عربيٍ وإسلاميٍّ مُريب، يدعو إلى الجزم بأنّ فصول المؤامرة على غزة وفلسطين، لا تقتصر على الصهاينة والغرب الاستعماريّ والأميركيّ، بل تتعدى ذلك إلى نواطير الغرب من الأنظمة العربية والإسلامية، بما فيها التي ترفع شعارات أكذوبة الممانعة والمقاومة.. لكننا على يقينٍ بأن الله عز وجلّ سيُحبط أعمالهم ومؤامراتهم، ويردّ كيدهم ومكرهم إلى نحورهم، وليس هناك من شرطٍ لتحقيق ذلك إلا إخلاص النية لله عزّ وجلّ، والتوكل عليه، والعمل الجادّ والإصرار والصبر في سبيله، الذي يجب أن يميّز المجاهدين المخلصين، الذين باعوا أنفسهم لله عز وجل مالك الأمر كله، واشتروا منه الجنة والنصر بإذنه سبحانه وتعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) (فاطر:10).
وهكذا، فمواقف ما يسمى بالمجتمع الدوليّ، الصادرة عن زعمائه وسياسيّيه، لا تعبّر إلا عن حقيقةٍ واحدةٍ فقط، هي: التواطؤ الكامل مع جرائم اليهود الصهاينة، والتغطية على إرهابهم وظلمهم وطغيانهم ووحشيّتهم، بشكلٍ سافرٍ منحطٍّ، متنكّرٍ لكل الأسس الأخلاقية السويّة، ولكل الأعراف الدولية، ولكلّ مبادئ حقوق الإنسان والعدل والمساواة.. التي يتبجّحون بها ويتشدّقون، نفاقاً وتزويراً وكذباً وخداعاً!.. وهذا كله يغرس مسماراً آخر في نعش النظام العالميّ الأميركيّ الغربيّ الظالم المتجبّر، الذي يحتكم إلى القوّة الغاشمة الطاغية وباطلها الزائف الزائل بإذن الله عز وجل.. لا إلى الحق الراسخ في الأرض!..
*عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام.