أوباما الأخرس (وآخرون ليتهم كانوا)

د. عبد الوهاب الأفندي

أوباما الأخرس (وآخرون ليتهم كانوا)

د. عبد الوهاب الأفندي

لم تكن سقطة أخلاقية مستغربة في حق الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما أنه سكت دهراً ثم نطق كفراً حول مجازر غزة. فبعد أن لزم وفريقه الصمت وهو يرى أطفال غزة يمزقون أشلاء بأسلحة زودت بها جلاديهم حكومته، برر صمته المدوي بالقول بأنه لم يتول الرئاسة بعد! ولكن أي شخص لا يكون لديه موقف أخلاقي معلن حيال هذا الحجم من الجرائم لا يستحق أن يكون من البشر، ناهيك أن يكون رئيس أقوى دولة في العالم.

(2)

يضاعف من هذا السقوط أن صمت أوباما يدل على أنه يعلم أن هناك جرائم ترتكب ولكنه لا يجرؤ على إدانتها جبناً أو محاباة. ولنتصور للحظة أن الآية انقلبت وأن صاروخاً لحماس سقط على مدرسة إسرائيلية فقتل أو جرح طفلين أو ثلاثة، إذن لكان أوباما وبقية المنافقين من أول المتصايحين بالشجب والإدانة والاستنكار، ولنسي تماماً أنه لم يصبح رئيساً بعد.

(3)

على الأقل يحمد لذلك الكذاب الأشر الآخر، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، أنه لا يخفي آراءه ولا يخجل من معتقداته المخجلة. فحين تمت مواجهته في مقابلة إذاعية هذا الأسبوع حول أعداد الضحايا في غزة رد بلامبالاة بأن الأعداد لا تهم لأن حياة أي فرد لها قيمة. وهذه كلمة حق أريد بها باطل، خاصة وأن بلير ظل طوال فترة حكمه يرفض مجرد إحصاء أعداد ضحايا حربه من العراقيين، ولكنه ظل يكرر الحديث عن العدد الكبير لضحايا أحداث الحادي عشر من ايلول/سبتمبر.

(4)

إسرائيل أول من يعلم أن المعركة في غزة هي معركة أخلاقية تكسب أو تخسر على الساحة الإعلامية. وإذا كانت إسرائيل تصر على أن هدفها نزع سلاح حماس (هل يذكرنا هذا بخرافات 'نزع سلاح' العراق؟)، فإننا نعتقد أن أول سلاح تتمنى إسرائيل نزعه هو قناة الجزيرة. ولعلها ستصر في أي اتفاق وقف إطلاق نار على منع 'تهريب الصحافيين' إلى غزة قبل وقف 'تهريب السلاح.'

(5)

بالمقابل فإن الجانب العربي يخسر المعركة الأخلاقية رغم وضوح القضية. وذلك لاستخفاف الأنظمة العربية بحياة وحقوق الإنسان العربي أكثر من استخفاف إسرائيل، كما نرى من تصريحات (بعضها من رموز السلطة الفلسطينية) تنم عن عدم مبالاة مدهشة بأرواح وحرمات الضحايا في غزة، وفقدان الإحساس بإلحاح القضية وضرورة التحرك السريع لوقف الجرائم المستمرة. وهناك أيضاً إيحاءات الفصائل الفلسطينية بأن هذه معركة متكافئة بين جيشين، وليست عملية قتل من جانب واحد ضد طرف منع منه ليس فقط السلاح، بل حتى الطعام والدواء، وأحياناً الهواء أيضاً.

(6)

رغم الأداء المشرف لبعض أجهزة الإعلام العربي، وخاصة قناة الجزيرة، إلا أن هناك تقصيراً بيناً في هذه الجبهة. على سبيل المثال في المقابلة التي أجراها المذيع المتمكن محمد كريشان مع شمعون بيريز، ردد هذا تعويذته: 'هل ستجلسون متفرجين لو أن الدوحة أصبحت هدفاً للصواريخ؟'. لكن كريشان (أو أي صوت عربي آخر سمعته) لم يقل للرجل وبقية عصابته إنه لو كانت الدوحة أو الرياض أو باريس أو أي عاصمة أخرى نهبت أراضي بعض الخلق، وأخرجتهم من ديارهم، ثم لاحقتهم بالقصف وحولت ملاجئهم الجديدة إلى سجن كبير تمنع عنهم فيه الطعام والشراب والكهرباء متى شاءت، فإنها تسحتق القصف كل صباح. ويكفي أن بلغراد وبقية مدن ومناطق صربيا أصبحت هدفاً لصواريخ الأطلسي لمجرد محاولتها أن تفعل في كوسوفو بعض ما فعلته إسرائيل في فسلطين، أي تهجير سكان المنطقة منها.

(7)

كرر بيريز كذبته بأن إغلاق المعابر سببه منع تهريب الأسلحة الإيرانية إلى غزة! ولكن كريشان لم يسأله كيف تصل الأسلحة الإيرانية إلى مصر أساساً وعلاقاتها مقطوعة مع طهران. ثم لماذا إذن لم تفتح المعابر مع إسرائيل، حيث كانت معظم الإمدادات تصل غزة من هناك أصلاً؟ أم أن لإيران أسلحة مخزنة في تل أبيب لا علم لنا بها؟

(8)

بالعودة إلى أوباما فإن من الواضح أن الرجل وفريقه صهيوني الهوى متواطئون حتى النخاع في الهجمة على غزة، وأن هناك اتفاقاً على أن تنهي إسرائيل مهمتها في غزة قبل وصوله إلى البيت الأبيض حتى يتحمل جورج بوش وديك تشيني وزر هذه المهمة القذرة، ثم يأتي أوباما فيظهر نفسه على أنه رسول السلام الذي سينهي الحرب ويبدأ المفاوضات بعد أن تكون إسرائيل قد حققت 'أهدافها'.

(9)

هذا السلوك المشين سيفرض أعباء مضاعفة على أهل غزة، لأن إسرائيل ستكون مضطرة خلال الأيام القليلة القادمة إلى اتباع سلوك وحشي غير مسبوق حتى تحقق 'النصر'. فإسرائيل لن تتحمل هزيمة جديدة في غزة مثل هزيمة لبنان. والمعروف عن مجرم الحرب ايهود باراك أنه يكرر أن الشرق الأوسط منطقة لا مكان فيها إلا للقوي، وأن من يبدر منه أقل ضعف فإنه يحكم على نفسه بالفناء. ولهذا فإن إسرائيل لن تتورع عن أي شيء، كما رأينا من قصفها بالأمس للمكاتب الصحفية ومقرات الأونروا.

(10)

مثل إسرائيل أولياؤها الذين قال قائلهم (وليته وأمثاله أصيبوا بالخرس أيضاً) إن حماس يجب ألا تخرج منتصرة. فهؤلاء القوم هم عينهم الذين أصيبوا بهلع أكبر من هلع إسرائيل حين تجنب حزب الله الهزيمة في حرب تموز/يوليو وانهزمت إسرائيل بالمقابل. ويجب كذلك أن نتوقع من هؤلاء المزيد من التآمر والدعاء لإسرائيل بنصر مبين يخرجهم من ورطتهم، لا سمح الله.