الموقف الرسمي ...

والموقف الشعبي

عمار ياسر حمو

[email protected]

بعدَ مضيّ أربعة عشر يوماً على العدوان الصهيوني على أهلنا في قطاع غزة، وما رافقه من قتلٍ وتدمير، استمرت الحملات الشعبية والاستنكار الشعبي فردياً أو جماهيرياً بالتنديد والاستهجان، وأصبح الاستنكار لفعل العدو الصهيوني يأخذ منحىً أكثر جدية، وأكثر تماسكاً، وأصبح تأثيره واضحاً من خلال حجم المساعدات التي قدمت، وأيضاً الاحتقان الكبير لدى الشعوب مما أدى إلى الضغط الواضح على حكومات الشعوب العربية للتحرك الرسمي ومناصرة أهل القطاع.

فكان من محاسن القصف الإسرائيلي – بالرغم من سوئه – أنه وحّد الشارع العربي بأطيافه الشعبية المختلفة، فبالرغم من المشكلات الداخلية في أغلب البلدان العربية أمنية كانت تلك المشكلات أم اقتصادية، إلا أن الضربة الموجعة التي تلقاها أهل غزة أنست الشارع العربي همومه والتف حول إخوانه في غزة، ليوقف نزيف جراحهم، ويواسيهم في مصابهم. والمحصلة أن الشعب العربي والإسلامي حاول جاهداً أن يرفع صوته ويعبر عن رأيه فيما حصل، وسعى لتقديم المساعدات بأشكالها المادية والمعنوية إلى أهل غزة، وكان له بعضاً مما أراد، وترك بصمة خير في هذا الحدث.

أما على الصعيد الآخر، أو في الطرف المقابل، رأينا أحداثاً ومشاهد لا نحبها أو على الأقل لم نتوقع أن نراها وخاصة في هذه الفترة العصيبة، فقد تباينت آراء الموقف الرسمي العربي، وتناقضت أفعاله، والأكثر من ذلك تضاربت أهدافه، فكانت المصالح الشخصية أولى إلى بعضهم وأهم وأخطر من الكثير من الدماء التي سالت، والأشلاء التي مُزِّقت، والبنى والقرى التي دُمِّرت.

ولم يلبث الشارع الغزاوي في تلقي الصدمة الأولى والضربة العنيفة من الاحتلال الصهيوني، حتى فوجئ بصدمة الموقف العربي الرسمي المشتت، الموقف الذي كان دون آمال أهل غزة، والذي ظن الكثيرون من الناس بأن الوحدة الشعبية العربية لابد أن ترافقها وحدة رسمية عربية. ولكن هذا لم يحصل بل حصل العكس وهو (التباين الواضح بين الموقف الرسمي والموقف الشعبي) فكان اتجاه الشارع العربي شرقاً فيما كان الموقف الرسمي العربي مُغرِّباً.

الكل يرى بأن الموقف الرسمي في أي بلد من بلاد العالم وعلى مرّ العصور قاطبةً يجب أن يكون محصلة لآراء ومواقف الشعب، أو أن الموقف الرسمي هو الصوت المتفق عليه من عامة الشعب وشرائحه، كما أن صدق الموقف الرسمي يُقاس بتطابقه مع موقف شعبه وليس مع تقاربه من مصالح عدوه، وحتى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم القائد الأمثل لأمته، كان أمرهم شورى بينهم، وقد أيد الرسول صلى الله عليه وسلم في مواطن عديدة رأي أصحابه، كما حصل في غزوة الخندق وتأييده صلى الله عليه وسلم للصحابي سلمان الفارسي رضي الله عنه في فكرة حفر الخندق. ولكن للأسف التطابق بين الشارع العربي ومواقفهم الرسمية غير موجود في هذه الفترة تحديداً.

فما نسعى له الآن ونأمله أن يكون الموقف الرسمي والموقف الشعبي متلازمين، فإن لم يكن ذلك فلابد وأن يكونا متناظرين، فالشارع العربي ينبض والموقف الرسمي يصيغ ذلك النبض إلى أفعال على أرض الواقع، وكما أنه من واجب كل عربي أن يكون سنداً لقيادته وجندياً من جنود دولته، فإنه من واجب قيادته أن تعبر عن رأيه، وتفزع لفزعه، وتعمل لتحقيق مطالبه.

وأخيراً في أغلب دساتير بلاد العالم نجد أن هناك ما يسمى بحكومات الطوارئ، وهذه الحكومات يتم العمل بها في أوقات استثنائية، ولفترات محدودة تتطلب الحاجة لها، ويكون الاستنفار العام، وحالة التأهب القصوى لأجهزة الدولة ومؤسساتها ملازمة لحكومة الطوارئ، ومن هذا المنطلق فإن للشعوب العربية استفساراً تأمل الإجابة عليه وهو: هل هناك وحدة عربية طارئة؟! فالشعوب العربية تأمل بالوحدة وتراه سبيلاً لنصرتها، ولو أنها تراه بعيد المنال في الوقت الحاضر، لكنها تطلب من قادة البلاد العربية السعي لسن قانون عربي يسمح بوحدة عربية طارئة تعبر عن رأي الشعوب ولو لفترات مؤقتة فقط!!!