محرقة غزة والديمقراطية

محرقة غزة والديمقراطية!

د. ياسر سعد

[email protected]

الأوضاع في غزة تسوء فإسرائيل الخائفة من مواجهة المقاومين، تتعمد قتل أكبر عدد من المدنيين لتزيد من أعباء الأخلاقية والإنسانية على المقاومة، خصوصا مع تشديد الحصار المصري على معبر رفح ومنع الأطباء والإمدادات الطبية من عبوره. الإجرام الصهيوني بحق المدنيين سيحرك الرأي العام، ويدفع بالمتواطئين مع العدوان لطرح مبادرات تسمح له سياسيا بحصاد ما فشل به عسكريا.

الوضع الإنساني صعب للغاية ويمكن قراءة أبعاده من خلال مناشدة مستشفى الشفاء العالم لتزويده بثلاجات إضافية للموتى ، ومن إشارة رئيس الصليب الأحمر الألماني رودولف زايترس والذي تحدث عن نقص حاد في الأدوية وفي أكفان الموتى. المواقف العربية الرسمية –مع استثناءات محدودة- تراوحت بين عجز مهين وتواطؤ مخزي، حاول البعض تغطيته بإطلاق حملات تبرعات شعبية قد تنتهي لسلطة عباس لتستخدم في ملاحقة المقاومين وإكمال المهمة الإسرائيلية.

وبعد أيام من الوحشية الصهيونية وتفاقم الغضب الشعبي لمحت عاصمة عربية على أنها قد تراجع علاقاتها بإسرائيل، فيما قال الحكام العسكريون في نواكشوط أنهم يدرسون قطع العلاقات معها. في حين أقدمت فنزويلا وبلا مقدمات أو تردد على طرد سفير إسرائيل لديها وطالب رئيسها تشافيز بمحاكمة دولية لقادتها على جرائمهم في غزة.

فلماذا لا يجرؤ القادة العرب على المس بعلاقاتهم مع إسرائيل؟ ولماذا تعتبر خطا أحمرا أكثر من دماء أطفال غزة؟ وهل ثمة بنود سرية في اتفاقيات السلام تمس بالسيادة الوطنية؟ ثم هل ستعاملهم إسرائيل إذا اختلفوا معها بنفس أسلوبها في غزة؟

من جهة أخرى صنعت مواقف رئيس الوزراء التركي رجب أردوجان، القوية والمنطقية من العدوان الإسرائيلي، منه زعيما إسلاميا. فلم يحتاج أردوجان لعبارات دبلوماسية أو لانتقاء كلماته ليعلن تعاطفه الكامل مع غزة وتنديده بالوحشية الإسرائيلية. موقف أردوجان شكل أيضا صفعة قوية في وجه النفاق الأوربي، والذي كان يضع سجل حقوق الإنسان بتركيا ذريعة لعدم قبولها بالإتحاد الأوربي.

الجامع المشترك بين تشافيز وأردوجان هو أنهما انتخبا ديمقراطيا، وأن لهما إنجازات وطنية، خصوصا تركيا والتي قفزت بقيادة أردوجان اقتصاديا وسياسيا. وفيما تحلق تركيا في نجاحاتها تتعثر مصر في خطواتها، وتنتشر فيها الكوارث المروعة والاعتقالات السياسية، وينكمش دورها الإقليمي والدولي لتقوم بحراسة أمن الاحتلال، ولتعجز عن فتح معابرها الحدودية مع القطاع من غير تنسيق معه واستئذان منه.     

إنها الحرية والمشاركة الشعبية والتي تأتي بقيادات تحمل هموم شعوبها وتخشى من محاسبتها، فينعكس ذلك على أداءها، نجاحا داخليا وهيبة خارجية. من هنا نلحظ أن الدول العربية ألأضعف في التعامل مع مأساة غزة هي الأبعد عن الممارسات الديمقراطية والأكثر فشلا في السياسات الداخلية. وبالتالي فهي تحتاج إلى دعم خارجي يجعلها أسيرة رغبات القوى الإقليمية والدولية، ويحد من أدوارها واستقلاليتها.

غزة تستهدف لأنها شكلت نموذجا ديمقراطيا احتضن المقاومة وترعرعت في كنفه. وهو ما يعتبر خطا أحمر لمن لا يريد للمنطقة إلا أن تكون أسواقا استهلاكية وجمهوريات موز مهشمة. فقبل أن نتوقع ونطلب من أنظمة عربية موقفا سياديا ووطنيا من غزة يتفق وتطلعات شعوبها، علينا أن نطالبها بأن لا تتصرف بالوطن كمزرعة ولا تعامل مواطنيها كمماليك.