يا أهل الصمود والتصدي والممانعة
يا أهل الصمود والتصدي والممانعة
غزة الذبيحة تستغيث بكم!!
فيصل الشيخ محمد
ثلاثة أحداث مرت في تاريخنا العربي والإسلامي تنم عن إرادة وشهامة ونخوة قل نظيرها ولم تتكرر.. الأولى – وهي ما لم يسمع بها الكثيرون، أن امرأة عربية سبيت في الهند، فنادت: يا حجاجاه.. يا حجاجاه. فوصل خبرها إلى الحجاج، فجعل يقول: لبيك.. لبيك! وأنفق سبعة آلاف ألف درهم (سبعة ملايين) حتى أنقذ المرأة.
والثانية وهي مشهورة تروى عن المعتصم العباسي الذي لبى استغاثة امرأة عربية حرة اعتدى عليها أحد أجلاف الروم، فصاحت: وا معتصماه.. وا معتصماه. فأجابها المعتصم: لبيك.. لبيك.. وجهز جيشاً خيله كلها بلق، وتوجه بها إلى مدينة عمورية مسقط رأس عظيم الروم فأحرقها ودمرها وأنقذ الحرة من يد أجلاف الروم.
والثالثة أن السلطان السلجوقي ألب أرسلان استغاثت به امرأة مسلمة وقعت في أسر الروم وصاحت: وا إسلاماه.. وا إسلاماه، فانتفض ألب أرسلان من مجلسه وصاح: لبيك يا أختاه.. لبيك يا أختاه. وسار من فوره على رأس عشرة آلاف مقاتل إلى بلاد الروم، فتصدى له الإمبراطور (رومانوس الرابع) يقود جيشاً عرمرماً يزيد على مئة ألف مقاتل، والتقى الجيشان في (ملاذ كرد)، ودار بينهما قتال عنيف وتلاحم بالسلاح لم يشهد التاريخ له مثيل، وانجلت المعركة عن هزيمة جيش الروم وأسر الإمبراطور الذي لم يفك أسره إلا بعد أن فدى نفسه (بمليون ونصف) دينار.
ولو تمعنا بتلك الحوادث الثلاث بنظرة علمية وحسابات دقيقة من حيث الزمن والمسافة والوسيلة، لوجدنا أن الأمر ضرب من الخيال، فبين العراق والهند آلاف الأميال.. وبين بغداد وعمورية آلاف الأميال.. وبين خرسان وملاذ كرد آلاف الأميال..هذا بالنسبة إلى المسافة، أما بالنسبة إلى الزمن الذي استغرقه وصول الاستغاثة إلى الحجاج والمعتصم وألب أرسلان، وفي عصرهم لم يكن هناك فضائيات ولا إذاعات ولا محطات إرسال ولا خلويات ولا أقمار صناعية ولا مواقع أنترنت ولا صحافة ولا مجلات ولا مراسلين تنقل الخبر في لحظة وقوعه، كما هو حالنا اليوم، حيث يعيش العالم كله في قرية صغيرة في زمن تطور الاتصالات والمعلومات، إلا أن يكون هاتف من السماء.. ولم يكن يملك الحجاج ولا المعتصم ولا ألب أرسلان وسيلة للاستجابة لنداء الاستغاثة إلا الخيل والسيوف والرماح والرجال.. فلم يكن عندهم لا صواريخ ولا طائرات ولا راجمات ولا مدافع ولا دبابات ولا مجنزرات ولا ناقلات جند ولا استخبارات ولا شبكة اتصالات ولا رادارات ولا مضادات ولا بوارج ولا فرقاطات ولا مدمرات ولا طوربيدات.. وكل ما كان يملكه الحجاج والمعتصم وألب أرسلان الإرادة والنخوة والشهامة والشجاعة والرجولة.. وبهذه الإمكانات وهذه الصفات حققوا المعجزات وطووا المسافات وحرقوا الزمن وأغاثوا من استغاث بهم.
اليوم المسافة بين أبطال الصمود والتصدي والممانعة والعدو الصهيوني لا تزيد عن خط وهمي رسم على الورق في اتفاقية فك الاشتباك عند الكيلو (54)، ولدى أبطال الشعارات والصمود والتصدي والممانعة الجيوش الجرارة وفر ق المخابرات التي لا تعد ولا تحصى، والطائرات والصواريخ والبوارج الحربية والمدفعية والدبابات وأعقد أجهزة الاتصالات والتنصت والرادارات، وحرائر غزة يستغثن بهم والسكين تجز رقابهن منذ أيام.
ولكن هيهات.. هيهات.. فالبون شاسع بين كل ما كان يملكه الحجاج والمعتصم وإلب أرسلان (الإرادة والنخوة والشجاعة والشهامة والرجولة) وبين ما يملكه أبطال الصمود والتصدي والممانعة (شعارات وهتافات وصياح ونعيق ونعيب وانتفاخ أوداج!!).
وصدق فيكم الشاعر الذي قال:
رب وامعتصماه انطلقت
ملء أفواه البنات اليتم
لامست أسماعهم لكنها
لم تلامس نخوة المعتصم