تمخضت القمة فولَدَت صَغاراً ومهانة وعجزاً

تمخضت القمة فولَدَت صَغاراً ومهانة وعجزاً

نوال السباعي

كاتبة عربية مقيمة بإسبانيا

[email protected]

الذين يظنون أن الرئيس الأمريكي المنتخب "أوباما" قد التزم الصمت إزاء مايجري في غزة بانتظار يوم تنصيبه ، هم فقط من المعولون على الأوهام المغرقة في غباء من لايريد أن يفهم أن الادارة الأمريكية لاتتوقف سياساتها على ارادة رجل واحد ، وفي واقع الحال لقد قال كل ماينبغي قوله يوم عَيّن "هيلاري" وزيرة لخارجيته ، وهيلاري هي كما يعلم كل محقق مطلع صهيونيةٌ حتى النخاع ! ، والذين يظنون أن هذا الهجوم كان بمنأى عن مسألة الإهانة العظمى التي تلقاها "بوش" بحذاء الزيدي كوسام عراقي "استثنائي" يوم فراغه من أداء مهمته "الاستثنائية" في إعادة "غزو" قطر عربي بترولي ، لايدركون أبعاد السياسات الصهيو-أمريكية في بلادنا ، والتي كان ومازال من أهم أهدافها إذلال هذه الأمة وبكل السبل الممكنة ، وعدم منحها أية فرصة ممكنة لتتنفس كرامة وعزة حتى لو جاءتا عن طريق فعل رمزي مضحك!.

لكن الأكثر حنظلية هو هذه الزعامات العربية العاجزة عن اتخاذ قرار موحد في سياق موقف كرامة يعبر عن تعاطفها مع حجم المأساة ، أو بعبارة أدق عن حجم اضطلاعها بآلام شعوبها !، بعد أكثر من عشرة ساعات من الانتظار المرّ أ يخرج علينا وزراء خارجية العرب –كما هو متوقع- بما اعتادوا أن يخرجوا به على أمتهم : الصَغار والعار والمهانة وأبلغ أنواع التعبير عن العجز المدقع ، السؤال الذي يجد الإنسان نفسه مضطرا لأن يطرحه: هل وصلنا فعلا إلى هذه الدرجة من الخزي والانحطاط والسقوط؟؟ ، بحيث تعجز حكوماتنا عن اتخاذ أضعف أنواع القرارات بتجميد علاقاتها مع الكيان الاسرائيلي الوالغ في دمائنا ؟! هل وصلنا إلى درجة من المهانة تُعجزنا عن اتخاذ قرار موحد في اتجاه واحد في أيام كهذه الأيام العصيبة ؟! ، لكن هذه الأيام العصيبة كنا قد شهدنا أياما أشد منها خلال هذه الأعوام الخمسة عشر المنصرمة دون أن يتحرك حكامنا فيها في الاتجاه الصحيح ، اللهم إلا الاجتماعات الوزارية التي يخرجون منها ووجوهم صفراء ممتقعة تنبئك بحجم الخلافات العميقة بين هؤلاء الحكام الذين يعرفون يقينا أنهم ماعادوا يمثلون شعوبهم ولاأمتهم ، بل إنهم لم يمثلوها قط ! .

ولاينبغي أن نظلم القوم ، فلم يخرجوا من قمتهم "القمامية " تلك بخفي حنين ، ولكن خرجوا علينا بتفعيل اتفاقية "الدفاع العربي المشترك" ، ولكن .. لمكافحة القرصنة مقابل الشواطيء الصومالية!! ، هنيئا للصومال أن استطاع قراصنتها انتزاع شيء من هذه القمة!! ، لقد حملتهم أعمال القرصنة "شبه المشروعة" في البحر الأحمر في زمن القرصنة العالمية وسرقة كل مالدى الشعوب ، حملتهم على تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك خدمة للمصالح الأمريكية الغربية في المنطقة لتأمين مرور بترولنا في أمن وسلام ودعة نحو أعدائنا ليزودوا به طائراتهم حتى تستطيع العودة محملة بقنابلها الذكية فتقصف وتدمر وتقطع الأوصال وتفرم اللحم وتسقي الأرض بالدم  والهول .

 دماء الأطفال وعيونهم المقلوعة ، وأشلاء رجال الشرطة أولئك الذين خرجوا للتو من حفل تخرجهم ، ولم يمارسوا قط أي عمل ارهابي ولا غير ارهابي ، لم تحرك في زعاماتنا ساكنا!! ، من هذا الذي يعتبر رجال الشرطة من الطواقم العسكرية المحاربة في أي من بلاد العالم ؟؟! ، لقد أدخلوهم فرامة بشرية مختصة في فرم لحوم البشر لتتناولها "السيدة ليفني"  مع المقبلات قبل إفطارها كل صباح ، السيدة الجديدة مصاصة الدماء الفلسطينية ، السائرة على خطى كل مجرمي الحرب من قبلها والذين قام كل منهم بدوره على أكمل وجه في الذبح والسحل والاسئصال قبل أن يصل إلى سدة الحكم في عصابة أكلة لحوم البشر !.

المشهد عينه من بغداد إلى لبنان إلى جنين إلى رام الله إلى غزة وللمرة المليون ، المشهد عينه ، مشهد القصف الوحشي للآمنين ، مشهد الدمار الهائل الذي يودون من خلاله وكما ذكروا مرارا وتكرار إعادتنا ألف عام إلى الوراء !!، ليتهم يعيدوننا ألف عام إلى الوراء ؟! يوم كنا أعزة كراما ، وكنا أمة واحدة ذات رسالة خالدة ، وكان لنا خليفة واحد يمكن للتاريخ أن يركز عليه وحده فينعته بالخيانة أو بالوطنية دون أن يكون حكام الأمة مختلفين إلى درجة أن يستجدوا تركيا من جديد لتحل لهم العقدة وتجتاز بهم العقبة!! ، بعضهم يود لو أن اسرائيل تقوم له بهذه المهمة فتخلصه من "حماس" وهو مستعد أن يدفع لها ثمن ذلك مقدماً! ، وبعضهم يريد لحماس أن تدعمه هي في مواقفه وسياساته التي يريد أن يمررها عبر شعاراتها! ، والبعض الآخر يرفع صوته ويرفعه وهو لايملك أن يفعل شيئا! ، وآخرون جاؤوا يستمعون إلى القوم ، إن أحسنوا فعلا وقولا نزلوا معهم في "الدبكة" ، وإن أساؤوا قالوا لم نكن معكم إلا لنرى ماذا تفعلون !.

لقد أخطأت حماس إذ دخلت لعبة السياسة والحكم والكراسي وبالضبط كما أخطأت منظمة التحرير الفلسطينة يوم دخلت هذه الدوامة التي أوصلتها إلى أوسلو ، وأخطأت حماس يوم تسببت في انقسام الفلسطينيين وبالضبط كما أخطأت فتح في القيام بنفس الدور ورفض نتائج الانتخابات الفلسطينية الحرة النزيهة ، ومن ثم ماقام به الرئيس عباس من إقالة الحكومة الفلسطينية المنتخبة ، ونرجو أن لايكرر الطرفان في غزة خطأ صدام حسين يوم كانت لديه فرصة ذهبية في الحيلولة دون دخول القوات الأمريكية بغداد وتدميرها !!، ولكن أخطاء حماس وفتح وسائر أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية  لم تكن قط السبب في هذه الهجمة الوحشية الدموية الغولية على غزة ، كما أن "صواريخ" المقاومة بدائية الصنع التي "تهدد أمن اسرائيل" -!!!- ليست السبب في أن ترعد "ليفني" الشيطانة الجديدة وتزبد ، ولكنها لعبة الانتخابات الاسرائيلية ، وتكويم أرطال اللحم الفلسطيني المفروم في صناديق الاقتراع الصهيونية ، شعب من مصاصي الدماء ، شعب والغ في الأشلاء ، شعب يريد أن يستأصل شعبا آخر ليحتل ماءه وسماءه وأرضه وهواءه ووجوده ، يريد أن ينتخب الزعيم الذي يستطيع أن يحقق له أكبر قدر ممكن من قتل الفلسطينيين وذبحهم واستئصالهم، هذا هو الشعب الاسرائيلي الانساني الديمقراطي المتحضر!!.

كل الحسابات العربية- العربية ، والاسرائيلية- الاسرائيلية ، والعربية- الاسرائيلية  ، والأمريكية- الأمريكية  يجب أت تصفى عبر دمائنا وأشلاء أطفالنا وعذابات الإنسان الفلسطيني ، مادام لديه رمق واحد من إرادة للحياة ، مادامت لديه نبضة واحدة من تحد وصمود ، مادام لديه خيط نور واحد من فجر يبين له الحق ويجعله يتمسك به تمسك الروح بالجسد .

من قال بأن المشكلة هي حماس ليتذكر أيام جنين وبيت حانون ورام الله وبيت لحم ، ليتذكر مافعل القوم بياسر عرفات وبالشيخ أحمد ياسين ، ليتذكر أيام الانتفاضة الثانية ، وليتذكر الخليل ومذابح القوم في مساجده ، المشكلة اليوم هي "حماس" وغدا أنا وأنت ، المشكلة هي هذه الأمة التي لاتريد أن تركع رغم سجود وركوع وانبطاح زعاماتها سرا وجهرا ، المشكلة هي هذه الأمهات اللواتي يرضعن أبناءهن حب فلسطين والحق الأبلج المغتصب في فلسطين ، المشكلة هي هذه الملايين التي هاجرت من بلادها إلى الغرب ، فلم تنس القضية ولم تنس الحق الماثل مبررا وحيدا لوجودها واستمرارها في الحياة.

رحم الله الملك فيصل ، يوم وقف في وجه العالم كله ، فارتجف العالم لوقفته تلك ، وحكامنا اليوم عاجزون عن اتخاذ موقف رجولي واحد ، وخطبة الجمعة من الحرم ليست إلا مظاهرة رائعة في الندب واللطم وشق الجيوب !!، وبكاء نساء الأمة أمام صور التذبيح والتقتيل أشرف من تباكي إمام الحرم أمام مجزرة لايملك أمامها إلا الدعاء على الغاصبين !، ألم يحن الوقت لتغيير صيغة هذا الدعاء الذي لم ينفعنا الله به خمسين عاما !؟؟ ، لن يزلزلهم ربكم ولن يستأصلهم لكم مادمتم قاعدون مرتكسون إلى الأرض تقتاتون الذل والصغار والهوان والموات !!، فقانون السماء هو أن تقاتلوهم حتى يعذبهم بأيديكم ، وليس أن تبلغوا في الخيانة كل مبلغ رجاء أن تقوم "ماما أمريكا" بفض النزاع وأنتم هاهنا قاعدون ، ولكن .. بعد أن تريحكم من المقاومة ، في العراق ، في أفغانستان ، في فلسطين ، في لبنان !.

لقد كان أمام وزراء الخارجية العرب المتخاذلين خيارات " استراتيجية" لم يلجأوا إليها ، لقد كان باستطاعتهم أن يقفوا صفا واحدا أمام الكاميرات لإقامة حفل لطم جماعية ، مهتزين على أنغام "الحلم العربي" الضائع تحت أقدام نزاعاتنا بين جبهة "الممانعة" الصامدة أبدا بعيدا عن أرض المعركة ، الساهرة على حراسة حدود اسرائيل أن تخترقها ذبابة عربية واحدة تطن مزعجة آذان المستوطنين!! ، وجبهة "المصارعة" الخائفة من ايران ومن صواريخ ايران ، المُكدِسة أسلحة الدمار الشامل ضد عدو وهمي كان يمكن لها أن تجعله حليفا وأخا وداعما لو أن الله رزق أصحابها ذرة من عقل وذرة من وعي وذرة من كرامة، وجبهة "الموادعة" التي لايريد كبراؤها تضييع فرصة احتساء نخب سلام يحتسونه مع "ليفنيتهم" !! ، معلنين جميعهم للأمة حقها الكامل في أن تبدأ مرحلة الثورة التي لابد قادمة لتغيير مابنا من ذل وصغار ومهانة وهوان.